رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقاد مسرحيون عن «التجريبى»: نحتاج لمراجعة فلسفته وأهدافه

مهرجان القاهرة الدولى
مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى

- أحمد هاشم: قوته تراجعت وافتقد الحزم والدقة فى اختيار العروض

- طارق الدويرى: لعب دورًا فى مواجهة التطرف فى بداياته 

التجريب هو بحث مستمر عن مكامن لم تُطرق من قبل، وهو لب الإبداع، لذا كان مهرجان المسرح التجريبى فتحًا لآفاق جديدة أمام المسرحيين، فى ظل أفكاره وفلسفته وأهدافه، وقدرته على دعم أجيال جديدة من المسرحيين، وتحريك المياه الراكدة فى عوالم المسرح المصرى.

ولكن قبل أيام من افتتاح مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، فاجأ الدكتور سامح مهران، رئيس المهرجان، الجميع بتصريحه الذى قال فيه إن الدورات الأهم فى تاريخ المهرجان هى الثلاث الأولى، وهو تصريح قوى وكاشف، وفيه كثير من الشفافية والموضوعية والصدق مع الذات، مما يشجع على سؤال صناع المسرح والنقاد حول جدوى المهرجان فى الوقت الحالى، وضرورة مراجعة فلسفته وأهدافه، وهل مازال يلبى احتياج المتفرج النخبوى أو العادى، وهى تساؤلات مشروعة تتجاوز الدورة الحالية، التى بدأت منذ أيام قليلة ولم تنته فعالياتها بعد، والتى نؤجل النقاش حولها إلى ما بعد انتهاء هذه الدورة. 

وحول ذلك، قال الناقد أحمد هاشم: «بالطبع أوافق رئيس المهرجان على رؤيته، فالدورات الأولى من المهرجان كانت أقوى، وظلت أهمية المهرجان تقل لأسباب عديدة، فقد توافرت للدورات الأولى، التى كان يتولاها الدكتور فوزى فهمى، رئيس المهرجان حينها، أسباب النجاح».

وأضاف: «كان هناك حزم شديد وكان المهرجان على درجة شديدة الدقة، سواء فى اختيار المسرحيات المشاركة، عربية أو أجنبية، أو فى الندوات أو الكتب التى تمت طباعتها، والتى تهاوت أهميتها حتى أصبحت، إذا ما قورنت بالمطبوعات الأولى، ضعيفة».

وفيما يخص مراجعة فلسفة المهرجان، ومدى تلبيته احتياجات المتفرج النخبوى، قال: «نحن بالفعل بحاجة لمراجعة شاملة لفلسفة المهرجان وأهدافه؛ وبعدها نعيد مناقشة معايير اختيار العروض المشاركة به، وتحديد الكتب والندوات التى تتم طباعتها فى المهرجان، لأنه يحتاج إلى مراجعة شاملة، فما كان مهمًا فى الدورة الأولى لم يعد كذلك الآن بالنسبة للمتفرج».

فيما قال المخرج أكرم مصطفى إن قوة المهرجان التجريبى فى دوراته الأولى كانت لها علاقة بجوع الوسط المسرحى لتجارب مختلفة وجديدة من بلاد أخرى، وكان المهرجان يسمح بمشاهدة عروض وتجارب خاصة وعالمية من دول متقدمة فى المسرح، وكذلك كان القائمون على المهرجان متميزين فى استدعاء عروض قوية من فرق لها تاريخ، وجميعها عوامل تشاركت فى أن يكون وقع الدورات الأولى صادمًا».

وأضاف: «لدينا نوستالجيا لقوة ورونق الدورات الأولى للمهرجان، وتأثير قوة العروض، خاصة أننا وقتها لم يكن لدينا احتكاك بالتجارب المسرحية الأخرى عن قرب، ولم نكن نراها على خشبات مسارحنا، وكذلك رأينا فى تلك الدورات تقنيات جديدة لم نتعامل معها من قبل».

وعن جدوى المهرجان والحاجة لمراجعة أهدافه، قال: «المهرجان التجريبى مهرجان عريق، وله وجود على الخريطة العالمية، ومن غير المعقول أن نتساءل إذا كان مجديًا أم لا، فقد تواجدنا على خريطة المسرح العالمى من خلال هذا المهرجان، واستمراره أمر مهم، وله علاقة بقوة مصر الناعمة، ومن الصعب أن نفكر ونتساءل حول جدواه، أما بالنسبة لأهدافه وفلسفته فهذا أمر يتغير من عام لآخر، وتتدخل فيه ذائقة لجان التحكيم، ومن قبلها لجان المشاهدة، التى تختار العروض، أما الآليات والتنظيم فهو أمر تختص به إدارة المهرجان». 

أما المخرج طارق الدويرى فأشار إلى أن القائمين على المهرجان التجريبى عندما ظهر كانت لديهم رؤية خاصة حول أهمية تكسير طرق التفكير التقليدية، وطرح طرق مختلفة للتفكير، وهذه الرؤية لم تعد حاضرة فى الأجيال التى شغلت إدارة المهرجان خاصة بعد ثورة يناير.

وقال: «عندما بدأ التجريبى كان وزير الثقافة آنذاك فاروق حسنى، وكانت التيارات الدينية المتطرفة متفشية وقتها بشكل أو بآخر، وكانت هناك ضرورة لأن يرى الشباب طرقًا أخرى للتفكير، ويشاهد مدى تأثير الفن على الحياة؛ لذا انتشرت محاولات التجريب فى العديد من المساحات المسرحية، مثل مركز الهناجر والساقية، وأصبحت هناك فرق مستقلة، وإعمال عقل لشباب أصبحوا يفكرون بشكل مختلف». 

وتابع: «المشكلة الحالية تتمثل فى وجود بلبلة تظهر فى اختيارات العروض الأجنبية، لأن الاختيار أصبح قائمًا على تقديم أى عرض يتكلم بأى لغة، بعيدًا عن عمقه وفلسفته وما يقدمه من فكر جديد، ومن الضرورى أن تصبح هناك استراتيجية لدى القائمين على المهرجان، مع طرح تساؤلات مهمة حول: لماذا نحتاج لمسرح مختلف؟ وكيف نصل للجمهور العادى؟».

واستطرد: «التجريب أصبح الآن كلمة موازية للتغريب وتقديم أشكال غرائبية، بعيدًا عن المعنى الذى يفترض أن يصل، واليوم مثلًا عندما نقدم نصًا لبريخت أو أى نص كلاسيكى قديم علينا أن نسأل كيف سنقدمه، وهل نحتاج للتجريب فى النص والأسلوب حتى نتمكن من تقديم هذا النص الكلاسيكى بلغة مناسبة أم لا؟».

وأكمل: «حاليًا صارت هناك بلبلة كبيرة تدور حول مفهوم وأهمية المهرجان التجريبى، وغياب مغزاه، لذا علينا أن نستعيد فلسفته الأصلية، وأن نشاهد كيف يقدم العالم مسرحًا، وبالتالى فإن الخيارات مهمة حتى نقدم محتوى فكريًا وأسلوبًا جديدًا، بما أن علينا أن نصل للمتفرج العادى، حتى يعى جيدًا أن ما يشاهده فى التليفزيون من عروض ليس هو المسرح، وهذا الأمر هو مسئولية وزارة الثقافة بالأساس، لأن عليها أن تدعم الشباب أصحاب الرؤى المختلفة، الذين يحاولون دفع المسرح للأمام وتحريك المياه الراكدة».

من جانبها، أكدت المخرجة عبير على أن الدورات الأولى من مهرجان المسرح التجريبى كانت تتسم بالقوة، لكن الدورات اللاحقة عانت من تراجع المستوى، الأمر الذى يحتاج للتساؤل حول وجود التجريب حاليًا فى المسرحين المحلى والعالمى.

وقالت: «علينا التفريق بين التجريب والتجربة، فكل عرض جديد هو تجربة جديدة، لكن التجريب هو شىء يحدث بعد تغيرات كبيرة فى تاريخ الشعوب، مثل الحروب أو الثورات أو حدوث طفرة تكنولوجية، أو حدوث تغيرات جذرية وتمرد على النسق الفكرى السائد، ما يجعل الفنانين يتمردون على الأنساق التقليدية فى التعبير عن الاحتياجات الإنسانية، ويعيدون تشكيل الواقع عبر الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح والفنون التشكيلية».

وأضافت: «التجريب إذن هو محاولات جانبية غير مكتملة النمو، متمردة على الأنساق التقليدية فى الإبداع المسرحى، وباحثة عن أشكال جديدة فى التعبير تختلف عمّا سبقها فى الأدوات والأفكار والتأويلات، وهذه الأشكال الجانبية تتبعها حركة نقدية، وبحث عن التأويل والتفسير وسن قوانين تحكم تلك العمليات الإبداعية الجديدة، والتى تتحول بمجرد تقنين أشكالها وإيجاد قواعدها للاستقرار، ثم تصبح مسرحًا تقليديًا».

وأشارت إلى أننا أصبحنا نعاين تجليات ذلك التمرد على مستوى التقنيات والأشكال الفنية، التى تعبر عن احتياجاتنا الجمالية والفكرية والفلسفية الجديدة، لكننا الآن أصبحنا أمام مأزق، فإما أن نختار عروضًا تقليدية، تحت مسمى التجريبى، أو عروضًا بها مسحة اختلاف، لكنها عروض تقليدية، ما يحتاج لفتح حوار مع المسرحيين، وقراءة لواقع المسرح محليًا وعالميًا.

وتساءلت: «ماذا لو أصبح المهرجان يسمى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح؟ وماذا لو جعلنا التجريب أو التجارب المسرحية مسارًا داخل المهرجان حتى ينفتح على كل أشكال المسرح؟»، وأضافت: «أظن أن هذا سيدعم الاختيار من بين الأجود فنيًا والأكثر إبداعًا».