رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوكازيون مفتوح للألقاب والأوصاف والدرجات العلمية!

أصبحنا نعيش في زمن غريب وأوكازيون مفتوح بدون معايير وبدون حدود، إذ تطالعنا في كل لحظة حالة من فوضى الألقاب والأوصاف بل والدرجات العلمية أيضًا تطلق بلا حدود وبلا معايير وبدون خجل حتى أصبح بلدنا ساحة فوضى مفتوحة للألقاب في كل مجال من المجالات وفي كل مكان.
فكل من يريد لقبًا يضعه لنفسه دون أن ينطبق عليه ودون مجهود بذله أو أحقية من أي نوع أو حتى إن لم يكن يستحقه أو قد يطلقه عليه أو يطلقه عليها معجب أو صديق مقرب وبإلحاح أملًا في أن يلتصق به، وعلى سبيل المثال نجد في مجال الغناء الآن من يطلق عليه مطربة أو مغنى أو مغنية دون أن يستحق الكثيرون منهم هذا اللقب الفني الذي يتطلب مواصفات صوتية وحضورًا وقدرة على الغناء أو الطرب قبل كل هذا، ومؤخرًا ظهرت علينا أصوات مؤدي مهرجانات أو مونولوجست أو أصوات شبابية لا تعد ولا تحصى.
ويطلق كل منهم على نفسه المطرب أو المطربة، والمشكلة أن الأجيال الجديدة من الشباب أو الشابات تحت الخامسة والعشرين الذين لم يعاصروا كوكب الشرق أم كلثوم  أو يعاصروا عبد الحليم أو عبدالوهاب أو فايزة أحمد أو فريد الأطرش أو أسمهان أو ماجدة الرومي أو فيروز أو وديع الصافي أو غيرهم من ملوك الطرب المصريين أو العرب وجدوا أنفسهم أمام المؤدين الجدد الذين يملأون الساحة الغنائية وهم يستمعون لهم باعتبارهم مغنين.
وهم لا يعرفون لهم سوى أغنية واحدة فقط، وبعضهم ليست لديه موهبة غنائية وإنما يعتمدون على الأجهزة الصوتية العالية والآلات الموسيقية ذات الإيقاعات السريعة المحببة للشباب وهكذا تأتي العملة الرديئة لتحتل مساحة كبيرة من ساحة الغناء بدون وجه حق.
أما الغريب في الأمر مؤخرًا أيضًا، فهو أننا فجأة وجدنا أن هناك لقبًا كبيرًا جدًا وفضفاضًا على مغنية أو مطربة مصرية هي أنغام، حيث أطلق عليها مسئولو  حفلها الغنائي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة لقب «صوت مصر»، وهو لقب لا تستحقه في تقديري سوى الصوت الخالد والفريد لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم التي هي فقط من  نرض بأن يطلق عليها «صوت مصر»، أما غيرها فلا يصح ولا يجوز، وعلى الفور وجدنا على مواقع التواصل من يعترض ويقول إن صوت مصر هي شيرين عبدالوهاب التي سمعنا عن مشاكلها العائلية وخلافات حياتها الخاصة ما لا يليق أن يظهر على الملأ، إلا أن البعض ممن يتبعونها نجدهم يقولون إنها هي «صوت مصر»، وهذا أيضًا لا يليق ولا يجوز، فهو لقب فضفاض عليها لكثرة مشاكلها العائلية والأسرية ولأنها يجب أن تتدرب على احترام الجمهور واحترام أنها مصرية في أي فعل تفعله أو أي تجاوز سلوكي لها.
وفي مجال الإعلام أيضًا نرى فوضى عارمة في الألقاب فكل من هب ودب يطلق عليه إعلامي أو إعلامية، وتظهر وجوه غير مدربة على كيفية آداب الحوار مع الضيوف أو أدبيات الحديث عن  العلاقات بين الرجل والمرأة، فيجد من يشاهدها أنها تريد إرجاع عقارب الزمن  إلى الوراء إلى زمن عبودية المرأة والسؤال هنا هو: لماذا لم يتم إيقافها أو المطالبة بإيقافها من الفضائية الخاصة وخاصة أنها مصرية؟ خاصة أن هناك حالة رفض من نساء مصر لها والاعتراض على كلامها الرجعي التافه، والسؤال أيضًا: أليس واضحًا أن المقصود إظهاره أن النساء المصريات  قد أصابهن التخلف والهبل والغباء، إن مثل هذه النماذج المتخلفة ينبغي مطالبة المسئولين بإيقافها باعتبارها سُبة في جبين الإعلام الحديث، وأيضًا كل من تظهر في برنامج وفي فعاليات كثيرة في مصر نجد وجوهًا مجهولة تطلق على نفسها في أية فعالية أنها إعلامية، بينما هي بلا معايير ولا أحقية في إسباغ هذا اللقب على نفسها.
وأيضًا إذا انتقلنا إلى مجال السياسة فهناك سيل من الألقاب تطلق بعشوائية مثل الناشط أو الناشطة ولقب الخبير الاستراتيجي ولقب الكاتب السياسي، وهناك من يضعون حرف الدال قبل أسمائهم بدون أن يكونوا قد حصلوا على الدكتوراه بالفعل.
وفي تقديري أن حركه وضع الألقاب والأوصاف قد تصاعدت خاصة مع انتشار الفضائيات والقنوات الخاصة واليوتيوب، وتصاعدت حدة الفوضى فيها مع أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، حينما عمت الفوضى والبلطجة، وظهر كل من هب ودب ليطلق على نفسه لقبًا يعجبه، وانتشرت فكرة عدم احترام الكبير، ومعها انتشرت  البلطجة في الشوارع وفي الألقاب، وانتشرت ألقاب مثل لقب الناشط السياسي والناشطة  السياسية للهجوم على كل شىء وعلى كل شخص، وظهرت موجة من وجوه جديدة تظهر في القنوات التي انتشرت ببرامج تهاجم وتفسد كل المبادئ في التعاملات وانتشرت بلطجة الألقاب والسلوكيات والعنف.
وهكذا تحولت ساحة المجتمع إلى «سمك لبن تمر هندي» وهذه الأنواع الثلاثة معًا تصيب المعدة بالتلبك، واستطاعت أن تصيب المشاهد بالتلبك الذهني أيضًا، وحتى الصحافة أصبحت تجد من يطلقون على أنفسهم كتاب صحفيين أو كاتبة صحفية بدون كفاءة ولا قدرات ولا موهبة وانتشروا كالجراد في مواقع عديدة وكثيرة بلا هوائية ولا تعرف من أين جاءوا؟
إلا أنهم نشطوا في الهدم والهجوم على الكثير من الشخصيات وإلقاء التهم جزافًا وبلا دليل، وفى تقديري أن هؤلاء كانوا جزءًا من المخطط  الفاشل في تخريب مصر، كما انتشر من يحملون لقب الدعاة الدينيين دون وجه حق لنشر التشدد والتطرف وتحقير النساء وتكفير الآخرين ممن ليسوا جماعتهم ، كما انتشر أيضًا لقب فنان أو  فنانة على كثير من الوجوه المبتدئة التي انتشرت في  المسلسلات والدراما والتي أصابها الغرور وعدم التوازن بفعل الشهرة السريعة.
وأخيرًا فنان يهاجم الجمهور، لأنه اعترض على حلق ابنته لشعرها على الزيرو وظهورها في مهرجان الدراما هكذا، وممثلة أخرى تدافع عنها وعن مغنية اشتهرت بمشاكلها العائلية.
إن هذه الفوضى العارمة في حاجة إلى غربلة وإلى درجة عالية من الوعي لإدراك صحة اللقب والوصف إن كان حقيقيًا أم لقبًا مزيفًا وعلى غير أساس ومعرفة، لذا يجب إعمال التفكير  السليم، وصولًا إلى الحقيقة والتفرقة بينها وبين الزيف، وقديمًا قال لنا أبوالفلاسفة والعالم الكبير رينيه ديكارت ١٥٩٦ـ١٦٥٠ عبارة شهيرة ومهمة، إذ قال: «أنا أفكر إذن أنا موجود»، أي أن الباحث عن الحقيقة عليه أن يمعن التفكير قبل الوصول لليقين، وجلاء العقل، وما أروع أن نفكر  بدلًا من فوضى  الألقاب والأوصاف حتى يمكننا التفرقة بين  القيمة واللا قيمة وبين  الحقيقة أو الزيف  وبين الثمين أو الرخيص، فهناك فرق كبير بين الذهب والنحاس.