يوسف مراد منير: 90% من «جمهور العرض» لم يدخل المسرح من قبل
كانت المفارقة فى «ياسين وبهية» أن العرض هو العمل الأول لمخرجه، فكيف استطاع أن يصل إلى مرحلة الإتقان والتميز التى تجعله ينافس عروضًا محترفة، وعروضًا أخرى لدى مخرجيها خبرة طويلة من العمل المسرحى، وهو المخرج الشاب الذى لم تتشكل خبرته بعد؟
وربما كان هذا لأن يوسف مراد منير يحمل فى جيناته موهبة مزدوجة من أمه النجمة الراحلة فايزة كمال، ومن أبيه المخرج المسرحى الكبير مراد منير، فماذا قدم المخرج الشاب من جديد فى «ياسين وبهية»؟، ولماذا اختار هذا النص تحديدًا للشاعر نجيب سرور؟، وما تأثير نشأته فى بيت بهذا الثراء الفنى والإنسانى عليه؟.. هذا ما نعرفه خلال الحوار التالى.
■ كيف أثرت نشأتك عليك كفنان؟ ولماذا اخترت الإخراج المسرحى تحديدًا ليكون مهنتك؟
- للنشأة تأثير كبير على تكوينى الإنسانى والفنى، وجعلتنى أدرك قيمة الفن والمسرح على وجه التحديد، فقد نشأت فى بيت يقدس المسرح، وتعلمت منه أن الأمر ليس هينًا، وأنها ليست مهنة سهلة على الإطلاق سواء المسرح أو الدراما.
والحقيقة أننى لم أختر الإخراج بل لم أتخيل أبدًا أن أكون مخرجًا، ودخلت المعهد كممثل، ولكن الإخراج هو من اختارنى، فكنت قد أصبت ببعض اليأس والإحباط بسبب أننى لم أحصل على فرصة مناسبة كممثل.
وحين فكرت أن أخرج للمعهد مسرحية «سجن النسا» لفتحية العسال، وجدت نفسى فى الإخراج، وأحببت الخلق والإبداع الذى يقدمه المخرج على خشبة المسرح، ثم قدمت مع هيئة الثقافة الجماهيرية «طار فوق عش الوقواق»، ثم قدمت أول عمل احترافى لى كمخرج «ياسين وبهية» من إنتاج مسرح الشباب. وأنا ممتن كثيرًا لحماس المخرج سامح بسيونى، مدير مسرح الشباب، للعرض المسرحى ودعمه له.
■ البعض يقول إنك متأثر بوالدك المخرج الكبير مراد منير وبانحيازاته الفكرية والجمالية.. ألم تتمايز اختياراتك بعد؟
- أنا وأبى بيننا مشتركات ثقافية بالطبع، وذوقنا متقارب جدًا، وهو أمر طبيعى وما زال الأمر يحتاج إلى وقت ليظهر الاختلاف.. لكنه موجود، «إحنا متشابهين فى أشياء ومختلفين فى أشياء أخرى»، أبى ينشغل أكثر بالتكوينات البشرية كسياق معنى، بينما أنا أضع اعتبارًا كبيرًا للسياق الجمالى والبصريات، أنا معنى بالتوظيف الجمالى لكل مفردات العرض.
■ البعض قال إنك متأثر بوالدك خاصة فى مشهد تحريك ديكور القصر فى مواجهة الجمهور؟
- أهم مخرجى العالم فى السينما «مارتن سكورسيزى» قال إن أول الأعمال لأهم المخرجين فى العالم من الطبيعى أن يكونوا متأثرين بأشياء سبق وشاهدوها وأعجبتهم، وأنه هو نفسه تأثر بـ«فلينى»، فهذ أمر طبيعى، لكن الأكيد «إن أنا مجبتش تكوين من مسرحية لأبى.. وإزاى هقلد فكرته، ولكن ربما تكون هناك مشهدية أثرت عليا ومن غير أن أقصد حاكيته».
■ لماذا اخترت نص نجيب سرور «ياسين وبهية»؟
- أنا مؤمن بأن النصوص الشعبية، خاصة المكتوبة بالعامية، هى وسيلة حية للتواصل مع الجمهور، وهى تثير أشياء حية فى الوجدان مع توفير عنصر الجذب للجمهور العادى، وأكثر ما أسعدنى أن ٩٠٪ من جمهور «ياسين وبهية» لم يدخل «المسرح» من قبل وجاء لحضور العرض.
■ ماذا تعنى لك تلك الجائزة؟
- تعنى التفاؤل.. قبل أن أدخل حفل الختام قلت لزملائى أيًا كان ما سيحدث «فإحنا عملنا شىء كويس»، وحين صادف ذلك الجهد تقديرًا من لجنة التحكيم فقد منحنا ذلك ثقة وأملًا وتفاؤلًا.
■ لمن تهدى هذا النجاح؟
- أحب أن أهديه لنجيب سرور لأنه قيمة لم تدركها الأجيال الشابة بعد مثلما أدركها جيل الآباء.. وللعلم كنا نعرض مسرحيتنا وكلنا شباب غير معروفين، وهو كان النجم الوحيد فى عرضنا، الجمهور كان يأتى من أجل نجيب سرور.
كما أحب أن أهدى هذا النجاح لوالدى، لأنه رغم ما قرأته من كتب فى الإخراج وما درسته بالمعهد، كان مصدر إلهامى ومعرفتى الحقيقية، فأذكر أننى كنت أشاهد «الملك هو الملك» يوميًا وأنا طفل، وأتأثر جدًا، ولم أكن بعد قد ميزت ماهية المسرح ولا أعرف حتى من هو سعد الله ونوس.
■ الجوائز التى حصدها العرض.. كيف تؤثر على عملك فى اختياراتك المقبلة؟
- جعلتنى أثق فى ذائقة الشعب المصرى، سواء المتخصصين وغير المتخصصين، لسنا بعدم الجدية التى تشاع عنا، أنا حين أقدم نصًا لنجيب سرور «عامية على فصحى» وشعبيًا وليس كوميديًا ويجمع عليه النقاد والجمهور، فهذا يثبت أننا جديرون.
■ ماذا عن مشروعك المقبل؟
- «الدنيا»، وهى رواية هزلية ونص كوميدى وفكرته جميلة، ربما تتشابه مع فيلم حديث فاز بالأوسكار وأتمنى أن أقدمها فى المسرح الحديث.
■ ما الأثر الباقى فيك من والدتك النجمة الكبيرة فايزة كمال؟
- كانت كل أمنيتى فى الحياة لو كانت موجودة وأنا أتوج بالجائزة و«متخيل سعادتها».. ولقد رأيتها هذا اليوم فى عيون الناس التى كانت تهنينى، فهى فخرى، وهى من تعلمت منها الكثير من الأشياء التى بفضلها حصدت هذا النجاح، أهمها الصبر، فلم أر شخصًا صبورًا وراضيًا بما قسمه الله له مثل أمى، وهذا الصبر هو ما جعلنى أعمل لمدة سنتين على الإعداد لمسرحيتى ولم أخرج بها إلا فى الصورة التى ترضينى وتليق بالجمهور.