رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفعت سيد أحمد: أفكار أبوبكر البغدادى امتداد لسيد قطب.. و30 يونيو ليست ثورة ضد فشل الإخوان بل على تاريخهم الملىء بالعنف والاغتيالات

رفعت سيد أحمد
رفعت سيد أحمد

- الجماعة ادّعت أن التنظيم الخاص موجّه لمقاومة الاحتلال فى حين أن 90% من ضحاياه مصريون

- التاريخ سجّل الدور البريطانى فى تمويل الإخوان بمبلغ تأسيسى ضخم بهدف تدمير الوحدة الوطنية المصرية

- المحتل كان يستهدف استخدام الإخوان لإعادة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها لتفتيت وحدة المصريين

- «عبدالناصر» لم ينضم إلى الإخوان مطلقًا بل مر على جميع التيارات بحثًا عن القوى الوطنية

قال الكاتب والباحث رفعت سيد أحمد، المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية، إن بذور العنف فى جماعة الإخوان بدأت مع حسن البنا الذى كان يحمل أفكارًا لتغيير المجتمع عن طريق القوة، وليس صحيحًا ما يدعيه بعض عناصر الجماعة من أنه لم يكن موافقًا على ما اُرتكب من جرائم خلال عهده.

وأضاف، خلال حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز فى برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أن فكر سيد قطب هو نفسه فكر أبوبكر البغدادى زعيم داعش، لافتًا إلى أن أفكار المنظّر الإخوانى كلها إقصائية وضد المجتمع، كما أنها تخالف كل التراث الإسلامى.

وإلى نص الحوار..

■ متى بدأ اهتمامك كراصد لهذه الحركات؟ وما الذى جذبك إلى هذا الميدان؟

- اهتمامى برصد الإخوان بدأ منذ حادثة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وحدث ذلك بعد تخرجى فى الجامعة عام ١٩٧٩م بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم التحاقى بالجيش.

ما حدث فى ٣٠ ثانية هز تاريخ مصر، ولفت انتباهى آنذاك فى فترة السبعينيات ما كان يحدث فى الجامعات من مظاهرات، وحادث اغتيال السادات كان مفصليًا لباحث فى بدايته ولديه حس صحفى وإعلامى.

تلك التيارات كانت متحالفة مع هذا الحاكم الذى أخرجها من السجون، وكنا شهودًا على تلك المساحة التى أُعطيت لها قياسًا بالتيارت اليسارية التى كنا ننتسب إليها، وهذا الحادث دفعنى للقراءة منذ أول الثمانينيات وكنت ضابط احتياط فى القوات المسلحة، وكنت أدرس فى أكاديمية ناصر، وهى معقل للكتب، واندمجت فى القراءة عن تلك الحركات التى قتلت رئيس الدولة.

حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات دفعنى للاهتمام بالتاريخ وإعداد ماجستير فى «الدين والدولة فى فترة جمال عبدالناصر»، وتناولت فترة الصدام بين «عبدالناصر» والإخوان فى ١٩٥٤م و١٩٦٥م.

والدكتور على الدين هلال كان أستاذى وهو من دفعنى لقراءة التاريخ والبحث فيه، وكان هاجسى الأول: لماذا وصل الإخوان لهذه النتيجة ولماذا كلما تحالفوا مع نظام انقلبوا عليه؟ ووجدت أن «عبدالناصر» كان أسرع من «السادات» فى مكافحتهم.

بعد ذلك خصصت رسالة الدكتوراه فى التيارات الإسلامية فى مصر وإيران، وكان هناك شباب كثيرون منهم عبود الزمر تأثروا بالثورة الإسلامية فى إيران، وكانت زلزالًا ضد حكم الشاه، ولها تأثيرات على كل القوى، لكنهم تأثروا بها بطريقة أخرى «خايبة»، فهذه الثورة كانت تحالفًا شيوعيًا إسلاميًا كبيرًا ثم انفرد الجانب الإسلامى بالحكم.

■ فى ٣٠ يونيو عندما خرج المصريون على الإخوان.. البعض كان يرى بسطحية أن هذه لحظة ثورة على الجماعة بسبب فشلها.. لكن التحليل العميق يبين أنها ليست ثورة على اللحظة بقدر ما هى ثورة على تاريخ هذه الجماعة الذى بدأ ١٩٢٨م.. مع أى رأى أنت؟

- ثورة ٣٠ يونيو، كانت ثورة على حسن البنا وتنظيمات الإخوان، وثورة على الاغتيالات بداية من أحمد الخازندار وأحمد ماهر، وثورة على استخدام العنف فى الحكم.

٣٠ يونيو كانت ثورة على موروث كبير من كراهية الآخر واختطاف وطن تم وضعه داخل تنظيم، وليس تنظيمًا فى إطار وطن، كانت ثورة على المفاهيم وفلسفة الحكم وروحية الثأر والانتقام من الآخر المختلف معه.

قبل ٣٠ يونيو بسبعة أيام هناك حادثة لا يتوقف أمامها الكثير، وهى مقتل القيادى الشيعى حسن شحاتة فى أبوالنمرس، وحدث ذلك بالضبط فى ٢٣ يونيو ٢٠١٣م، وحدثت بعد ذلك عشرات من حوادث حرائق الكنائس فى مصر، وتم استخدام لغة وأسلوب ومناهج الإقصاء ضد الآخر.

وخروج الناس فى ٣٠ يونيو كان رفضًا لهذا الخيار التاريخى الذى كان مرسومًا وفقًا للإخوان، بأن يستمروا ٥٠٠ عام على الأقل فى الحكم.

وكنت أكتب فى جريدة «الدستور» مقالًا يوميًا، وقبل ٣٠ يونيو كتبت مقالًا بعنوان «عدى النهار»، وأسقطت قصيدة عبدالرحمن الأبنودى التى صاغها عشية ١٩٦٧م، وقلت إن الإخوان هم المغربية وإنه سيخرج نهار ويسطع نور الشعب قريبًا.

وعشية هذا المقال تلقيت تهديدًا من مدير مكتب الإرشاد، يقول لى فيه: «إحنا قاعدين ٥٠٠ سنة وفكر قبل ما تقول».

■ الإخوان كانوا يبررون أفعالهم دائمًا بقولهم: «لسنا دعاة عنف وإن من ارتكب العنف جماعة خارجة عن الإخوان».. ما رأيك فى هذا الكلام؟

- عنف الإخوان بدأ من النصف الثانى من الثلاثينيات مع إنشاء فرق الجوالة، وغيرها من التجمعات التى يبدو ظاهرها خيرًا ولكن باطنها عنف.

الإخوان أنشأت التنظيم الخاص بها وقالت إنه لمقاومة الاحتلال، والشاهد أن ٩٠٪ من ضحاياه مصريون فى مواقع مؤثرة، منهم أحمد ماهر والنقراشى باشا وأحمد الخازندار، وحتى ضد بعضهم، فقد فجّروا الإخوانى سيد فايز بوضع القنابل له فى حلوى المولد.

■ أدبيات الإخوان تحيد بحسن البنا عن العنف وتقول إن التنظيم الخاص نفذ عمليات دون علمه.. ما رأيك؟

- العنف بدأ مع حسن البنا، والإخوان ارتكبت الكثير من أعمال العنف فى فترته، والذى كان يحمل أفكار عنف وتغيير بالقوة وليس بالديمقراطية، وارتكبت فى عهده مناورات سياسية شديدة المكر والدهاء.

والمنشقون عن الإخوان فى تركيا أكدوا أن حسن البنا كان داعيًا للعنف، واستخدم القوة مع المخالف والمعترض، فالقصة ليست بهذه الصورة الوردية.

■ كانت هناك أحداث عنف أساسية مثل اغتيال النقراشى وأحمد ماهر والخازندار.. هذه الأحداث الثلاثة كيف أسست لمنهج العنف بعد ذلك والتى كان منبتها الإخوان؟

- التنظيم الخاص تم تدشينه خلال فترة الأربعينيات، وارتكب أعمال عنف كثيرة بموافقة سياسية من إدارة مكتب الإرشاد آنذاك، لذا كانت أحكام القاضى الخازندار ضد التنظيم، وصادرة لكونه تنظيمًا ينفذ أعمال عنف قائمة على دوافع، ليس أصلها الخلاف السياسى أو الاندفاع أو المجابهة بالفكر والإعلام، بل كانت تلك الأعمال من منطلق واحد وهو القتل العمد لكل من يخالفهم فى الرأى.

ولهذا تم، أيضًا، قتل النقراشى باشا على أيدى هذا التنظيم بعدما أصدر قرارًا بحل جماعة الإخوان، فبدلًا من أن يلجأ التنظيم للقضاء قرر قتله واغتياله، وهذا التنظيم ليس حزبًا، لكنه شكل سرى للعمل فى دولة، لذا حل هذا التنظيم كان أمرًا حتميًا، فالتنظيم غير خاضع لأى قانون من قوانين الوطن، ولهذا يمكن القول إن إزاحة الآخر المختلف فى الرأى بالقتل فكرة تم تأسيسها على أيدى جماعة الإخوان.

والإخوان كانوا يسيرون وفق منهج استخدام العنف ضد الآخر المصرى والسياسى، وعدم استبدال هذا الخلاف بالحوار أو عن طريق اللجوء للقضاء، وهذه هى عقيدة الإخوان التى لمعت بذورها فى كتابات حسن البنا أواخر الثلاثينيات، ثم تم تأصيلها من خلال الفعل المسلح خلال فترة الأربعينيات، وبعد ذلك اكتملت هذه العقيدة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

■ بعد ثورة ١٩١٩م تأسست حالة من الوحدة فى المجتمع المصرى تحت شعار «الهلال والصليب» ثم جاءت هذه الجماعة بعد سنوات لتفتت هذا الشعار.. وأعتقد أن هذا التفكير أكبر من حسن البنا، أى أنه توجد جهة فى الخارج كانت تخطط لتفتيت الوحدة الوطنية المصرية من خلال استخدام الجماعة.. هل تتفق معى فى هذا التفكير؟

- نعم، عند تحرير الحدث وقراءته قراءة موضوعية نتأكد أن هناك أصابع وأدوارًا خارجية كان لها تأثير واضح فى تأسيس جماعة الإخوان عن طريق التمويل، ونعلم جميعًا كمؤرخين الدور البريطانى من خلال شركة قناة السويس ودورها فى تمويل الإخوان بمبلغ تأسيسى ضخم، وهذه الأصابع البريطانية فى تأسيس الجماعة وتمويلها ليست ابتغاء لوجه الله، حيث كان الهدف من التمويل تفرقة الهلال عن الصليب، أى تدمير الوحدة الوطنية المصرية.

كما أشار الكثير من الدراسات التاريخية إلى أنه كان توجد حركة مصرية كبيرة نتجت عن ثورة ١٩١٩م لإسقاط الخلافة العثمانية عام ١٩٢٨م بكل مآسيها على الشعب المصرى، حيث عانت الدولة المصرية كثيرًا فى أثناء هذه الخلافة.

وكان التعداد السكانى فى مصر فى بداية فترة هذه الخلافة ٩ ملايين نسمة، وفى نهاية الفترة وصل التعداد إلى ٣ ملايين نسمة، نتيجة ما اتبعته الخلافة العثمانية من أسلوب التهجير بالقسوة والقتل، مع تفشى الأمراض والأوبئة وانتشار الفساد، وهذه الخلافة كانت شديدة القسوة على الشعب المصرى، واستبدال هذا الحكم القائم على وهم الخلافة الإسلامية كان يتطلب شكلًا شعبيًا يتقاطع مع دور بريطانى إنجليزى بقهر الحركة الوطنية، فكان الإخوان هم الأداة التى ستعيد هذه الخلافة؛ لذا هذه الدعوة الإسلامية التى حملها تنظيم الإخوان كانت استجابة لمطالب إقليمية ودولية استعمارية.

■ الإخوان أسسوا فكرة أن «المختلف معى أُقصيه بالقتل» مثلما حدث مع «الخازندار» وأحمد ماهر، من واقع اهتمامك الأساسى فى دراستك للماجستير «الدين والدولة من خلال الإخوان وعبدالناصر» رأيت أن الإخوان أسسوا مظلومية كبيرة جدًا من واقع علاقتهم بـ«عبدالناصر» بأنه مَن سجنهم ومَن عذبهم.. كيف تقرأ هذه الفترة وسمات عنف الجماعة فى هذا التوقيت؟

- من المؤكد تاريخيًا وليس بانحيازاتى الأيديولوجية المصرية الوطنية، أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر انفتح على الإخوان فى بداية ثورته، وأعاد جماعة الإخوان التى تم حلها من قبل، من خلال زيارته قبر حسن البنا، كما قدم لها عروضًا وزارية فى الحكومة التى كان سيتم تشكيلها بعد الثورة.

ولم يترك الرئيس الراحل مساحة للاختلاف مع الإخوان، وكان يرى أن الجماعة ساندت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م ولو بالصمت، أو من خلال الحشد الجماهيرى التابع لها، ولكن فى الحقيقة الكتلة المحركة الأساسية لهذه الثورة كان الجيش المصرى والضباط الأحرار، إضافة إلى غضب الشارع المصرية آنذاك.

وبدأت جماعة الإخوان فى الصدام بعد ثورة ٢٣ يوليو، من خلال كتلة جامعة القاهرة الطلابية، عن طريق رفض إعطاء أى منصب فى الجهاز الوزارى سوى لعناصر إخوانية، أى أنه كانت هناك مطالبة كاملة من الإخوان بالسيطرة على الثورة.

الإخوان بدأوا فى التفاوض مع المستعمر الإنجليزى من خلف ظهر النظام الجديد الحاكم، وكان المعلن أن التفاوض من أجل الجلاء، ولكن فى الحقيقة كان التفاوض من أجل الوصول للحكم، وهى نفس الفكرة التى تكررت فى ٣٠ يونيو، وهذا السبب الأساسى وراء حل الجماعة عام ١٩٥٤م وهو التخابر والتواصل مع الإنجليز.

وتضمن بيان الحل الذى تم إصداره فى ١٤ يناير عام ١٩٥٤م من الرئيس الراحل عبدالناصر أكثر من عشرة أسباب لحل الجماعة، وكان من بين الأسباب فكرة تشكيل جيش موازٍ للجيش الوطنى، والتفاوض مع المستعمر فى الوقت الذى تكون فيه الدولة بحاجة إلى مساندة وطنية لتخطى الأزمة، وتأسيس روح العنف فى الأجيال الصغيرة، وكانت البداية مع طلاب جامعة القاهرة.

ووضعت حادثة محاولة اغتيال الزعيم فى المنشية، النظام، أمام خيار شعبى، واستخدم عناصر الإخوان العنف فى المناطق الشعبية آنذاك وفى الجامعات، ودفعوا الشعب إلى المطالبة بالوقوف أمام الجماعة والتصدى لأفعالها.

وبدأ الإخوان الصدام مع النظام بعد الثورة، كما أن قرار الحل الذى تم إصداره من جمال عبدالناصر سبقته مقدمات طويلة من الصراعات والالتفاف للتفاوض مع المستعمر.

وحاول النظام خلق مساحة للتفاوض مع الإخوان، ولكن الإخوان عقيدتهم الإقصاء الجسدى للمخالف، وبالتالى تمت محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية من أحد التنظيمات التابعة للجماعة.

وأظهرت التحقيقات، التى ضمّنتُها فى الموسوعة التى أصدرتها عن تنظيمات العنف الدينى فى مصر من عام ١٩٢٨ لـ١٩٤٨ لـ٢٠١٨، أن ما جرى فى المنشية كان حادثًا مخططًا له من أحد التنظيمات، وتم تقديم تنفيذه أسبوعًا من التاريخ المخطط له، حيث كان يريد التنظيم التخلص من جمال عبدالناصر كونه القوة المؤثرة فى الحركة الثورية، واستثمار النظام الناصرى لما جرى فى المنشية أمر طبيعى، لذا يمكن القول إن الذى دبّر لهذا الحادث هو غباء وعدم رضا الإخوان عن تقاسم الحكم والسلطة، وهذا الغباء السياسى لاحق الإخوان فى جميع محطاتهم التاريخية، حيث تكرر الأمر فى ٣٠ يونيو، عندما عرضت القوات المسلحة المطالب الشعبية على محمد مرسى، ولو حباهم الله قليلًا من الذكاء لكانوا قد قبلوا تلك المبادرة الشعبية المبكرة بدلًا من الثورة عليهم والتخلص منهم خلال أيام.

■ كيف ترى بالضبط واقعة محاولة اغتيال «عبدالناصر» فى المنشية؟

- تدبير الإخوان لاغتيال الزعيم فى حادثة المنشية كان تدبيرًا حقيقيًا، ولدىّ جلسات مع بعض قيادات الإخوان، منهم عصام سلطان، الذى يعتبر نسيب مرشد الإخوان حسن الهضيبى آنذاك، أكد خلالها أن حادثة المنشية حقيقية ومدبرة تمام التدبير.

واستثمار النظام الناصرى الجديد حادثة المنشية يعتبر شيئًا طبيعيًا ومنطقيًا، كما أنه يعتبر ذكاء من النظام ويحسب له. 

والزعيم عبدالناصر تعرض لمحاولة قتل خلال حادثة المنشية بالفعل، فكان من الطبيعى أن يجفف منابع هذا الفكر الذى قاد إلى حمل السلاح حتى لا يتكرر الأمر مرة أخرى.

وجماعة الإخوان أخطأت بسبب الغباء السياسى التاريخى الذى حباها الله به، وهذا الغباء يتجلى فى عدم استثمار اللحظات التى بها انفراجة للعودة وممارسة الديمقراطية. 

جماعة الإخوان تفتقر إلى الديمقراطية، وجينات الإخوان وبنيتهم غير ديمقراطية، وبالتالى هم يرفضون التعايش مع فكرة الديمقراطية وتقاسم السلطة وتداولها. 

وعلى الرغم من أن الإخوان أرادوا أن يستثمروا الأحداث فى تصدير المظلومية تاريخيًا، إلا أن مئات الكتب عن بطولات الإخوان وتعرضهم للأعمال القمعية والتعذيب الرهيب الذى مارسه نظام عبدالناصر عليهم، ومزاعم القتل الرهيب الذى جرى لقيادات الإخوان، كشفت فى المحصلة عن أن كل الذين أُعدموا طيلة الحقبة الناصرية من الإخوان لم يتعد عددهم التسعة أشخاص، منهم ٦ أشخاص فى عام ١٩٥٤م، و٣ أشخاص فى عام ١٩٦٥م، والتاريخ عكس ذلك من خلال الكتب. 

وقد تم الإفراج عن العشرات من معتقلى الإخوان تباعًا فى الحقبة الناصرية، منهم سيد قطب الذى كوّن تنظيمًا بمجرد الإفراج عنه.

والجماعة هى من وضعت فكرة إقصاء المختلف بالقتل، وكذلك الإمعان فى الانتقام، وبعد عام ١٩٥٤م سيد قطب كان فى السجن وخرج، ومعظم كتابات سيد قطب تمت كتابتها فى السجن، ما يعنى أنه كانت متروكة له المساحة، فكيف له إذا كان يتعرض للتعذيب أن يكتب ويؤلف، وبعد خروجه كوّن تنظيمًا آخر. 

كما كان عام ١٩٦٥م كاشفًا أكثر من عام ١٩٥٤م، فالمبدع وحيد حامد عندما نفذ الجزء الثانى من الإخوان، وكتب مشهدًا بديعًا للفنان الذى جسّد شخصية سيد قطب، وهو الفنان محمد فهيم، نجد كيف كانت مساحة الحرية التى رأيناها أمامنا التى أُعطيت لسيد قطب آنذاك وزيارات أخته إليه فى السجن، وتكشف عن أن الأمر لم يكن بنفس الصورة التى تم تصديرها إلينا فى السبعينيات والثمانينيات من مجازر وتعذيب وقتل.. إلخ، الإخوان أنفسهم لم يعترضوا على هذه المساحة من الحرية التى ظهرت فى المسلسل، حيث أشادوا ببعض الوقفات به. 

والإخوان تعمدوا التزييف والكذب فى التاريخ على التاريخ نفسه، بادعاءات المجازر والقتل والتعذيب التى مارسها نظام عبدالناصر عليهم، واستخدموا الكذب كوسيلة لتبييض صورتهم وإظهار غير الحقيقة. المسألة كانت صراع سلطة وصراعًا على الحكم والرغبة فى الانفراد بالحكم وعدم الرضا بفكرة وجود مساحة ديمقراطية مع القوى الأخرى الموجودة والقوى المسيطرة على الحكم، المسألة لم تكن صراعًا بين الإسلام والكفر، وهذا ما جرى سنة ١٩٥٤م.

وفى عام ١٩٦٥م انحاز الرئيس جمال عبدالناصر للناس، وانحاز إلى القطاعات الواسعة التى كانت جماعة الإخوان تخاطبها، وبالتالى فقد سحب الزعيم البساط الاجتماعى والسياسى والاقتصادى، الذى قد يوفر لهم بعد ذلك قدرة على التجنيد. 

سيد قطب جاء فى الزمن الخطأ وبالأقوال الخطأ والفكر الخطأ، وهى فكرة جاهلية وتكفير المجتمع، وفى عام ١٩٦٥م كان واضحًا جدًا وجود تنظيم، وعندما بلغت جمال عبدالناصر معلومة عن طريق المباحث العسكرية بأنه يوجد كتاب لسيد قطب يسمى «معالم فى الطريق» وبأنه يريد طباعته، سمح بطباعته. 

■ ما حقيقة ادعاء الإخوان بانضمام «عبدالناصر» إليهم؟ 

- الشواهد فى عام ١٩٥٤م، وعام ١٩٦٥م، تؤكد أن الإخوان يرفضون الديمقراطية ويرفضون الآخر ويكرهون المجتمع لأنه لا يستجيب إلى انقلابهم. 

والإخوان ادّعوا قديمًا أن جمال عبدالناصر كان منهم، وهو ادّعاء غير حقيقى، فى فترة الأربعينيات كان أغلب الضباط والمثقفين يمرون على كل التنظيمات، فمرّ «عبدالناصر» على الشيوعيين و«مصر الفتاة» والحزب الوطنى وكل القوى الوطنية التى تختلف مع المستعمر، وكانت الإخوان واحدة بين تلك القوى. 

■ فى رأيك.. ما سر القداسة التى نالها سيد قطب؟

- الذى أعطى لميراث سيد قطب تلك القداسة هى نهايته وإعدامه، وقد يكون للنظام الناصرى مبرراته وأسبابه، لكن حدث الإعدام لسيد قطب أعطى قداسة للفكر الذى لم يكن يوزن بمثقال. الأزهر الشريف أصدر عن طريق الشيخ السبكى سنة ١٩٦٥م تقريرًا مفصلًا ردًا على كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» يتضمن مذكرة بديعة ومحكمة وبالآيات القرآنية وبالتنزيل وبالنص، كل فى مكانه. وقد تم توظيف سيد قطب فى إطار المشروع الإخوانى السبعينى والثمانينى والداعشى حتى اليوم، لأن فكر داعش هو فكر سيد قطب، وكتاب «معالم فى الطريق» هو تكفير ليس فحسب للنظام، وإنما للمجتمع والناس، وبالتالى فإن عين ما قام به أبوبكر البغدادى، مفكر داعش، فى كتابه «إدارة التوحش» ستجد أنه هو نفسه كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» ولكن بنسخة ٢٠١٤م، وهى ذاتها المنطلقات التى خرج بها خوارج الإمام على آنذاك، هو ذات الفكر الخوارجى بطبعاته المتعددة.