رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوارات «بريكس».. ماذا يحدث فى قمة التجمع بجنوب إفريقيا؟

بريكس
بريكس

يترقب العالم أجمع انعقاد اجتماع قمة تجمع «بريكس»، الذى تستضيفه جنوب إفريقيا، غدًا وبعد غد، وما سيتقرر عنه من قرارات اقتصادية، وتطورات جوهرية فى بنية التجمع، الذى بات رقمًا مهمًا فى عالم متعدد الأقطاب، خاصة أن دوله الخمس الحالية، وهى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تشكل معًا نحو ٣١٫٥٪ من حجم الاقتصاد العالمى، و١٨٪ من حجم التجارة العالمية، و٢٦٪ من مساحة العالم و٤٣٪ من سكانه، بالإضافة إلى أنها تنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمى من الحبوب.

ومن المتوقع أن تصوّت دول «بريكس»، أثناء هذه القمة، التى دعت إليها ٦٧ دولة و٢٠ ممثلًا لمنظمات دولية، على انضمام أعضاء جدد إلى التجمع، بعد أن أبدت ٢٣ دولة رغبتها فى الانضمام إلى «بريكس»، من بينها مصر والجزائر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وفلسطين، وأيضًا الأرجنتين وإندونيسيا.

وفى هذا الإطار، التقت «الدستور» كلًا من الوزير مفوض منجى على بدر، المفكر الاقتصادى عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، والسفير إبراهيم الشويمى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، للتعليق على قمة «بريكس» وجدول أعمالها الحالى، والملفات الموضوعة على طاولتها، بالإضافة إلى الحديث عن آفاق توسع التجمع، وتأثير ذلك على الأوضاع العالمية المضطربة، ودوره فى بناء عالم جديد متعدد الأقطاب.

عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة: أولوية لتوسيع العضوية وتقليص هيمنة الدولار على المدفوعات الدولية

قال الدكتور منجى على بدر، الوزير المفوض والمفكر الاقتصادى عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، إن تجمع «بريكس» يسعى لإثبات بصمته الجيوسياسية بما يتناسب مع النطاق الاقتصادى الجماعى لدوله، إذ يمثل أعضاء التجمع أكثر من ٤٢٪ من سكان العالم، وأكثر من ٢٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وذلك منذ تم تأسيس التجمع رسميًا عام ٢٠٠٩، وضم الصين وروسيا والهند والبرازيل، ثم انضمت إليه جنوب إفريقيا فى عام ٢٠١٠. 

وقال «بدر»، لـ«الدستور»: «تجمع بريكس يستهدف الدفاع عن مصالح دول العالم النامى والنهوض باقتصاد الجنوب العالمى، وتشييد هيكل دولى أكثر شمولًا وتمثيلًا وعدلًا، وكلها أهداف إيجابية جذبت العديد من الدول للانضمام للتجمع، مع رغبة بعض الدول فى إعادة التوازن العالمى الذى يميل بشدة للمصالح الغربية».

وأوضح أن اجتماعات قمة «بريكس» فى جوهانسبرج بدولة جنوب إفريقيا، خلال الفترة من ٢٢ إلى ٢٤ أغسطس الجارى، تأتى فى وقت حرج عالميًا، إذ ما زال الصراع الروسى الغربى على أرض أوكرانيا مشتعلًا، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين تزداد حول تايوان، كما يزداد اشتعالًا صراع الكبار على كنوز وموارد إفريقيا، فى النيجر والسودان. وأضاف: «دعت جنوب إفريقيا ٦٧ من قادة العالم لحضور فعاليات القمة، ما يدل على اهتمام بريكس بتعزيز نفوذه، فى ظل التوجه لمناقشة عدد من القضايا المهمة، منها توسيع عضوية التجمع والتعاون النقدى والأمن الغذائى وتقليص هيمنة الدولار على المدفوعات الدولية، وهى الموضوعات التى طُرحت للمناقشة فى القمم السابقة، مع بحث التبادل التجارى بالعملات الوطنية بين الدول الأعضاء، الذى ارتفع إلى ٤٢٢ مليار دولار فى آخر ٥ سنوات». 

وأشار عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة إلى أن قضية توسيع عضوية «بريكس» تأتى ضمن بنود القمة، مع وجود توجه للتوسع، مضيفًا: «حاليًا تسعى ٢٣ دولة للانضمام إلى التجمع، بما فيها مصر وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية، وسط تحفظ كل من الهند والبرازيل على توسع التجمع دون معايير وقواعد يتم الاتفاق عليها، فى حين تدفع كل من الصين وروسيا وجنوب إفريقيا للتوسع، وقد توافق القمة على انضمام عدد من الدول لـ(بريكس)، منها مصر».

وأكد أن التجمع سيناقش فكرة تقليص هيمنة الدولار على نظام المدفوعات الدولية، وهى الفكرة التى طُرحت للمناقشة فى القمم السابقة، وتشمل المقترحات زيادة استخدام العملات الوطنية فى التبادل التجارى، وإنشاء نظام سداد مشترك للدول الأعضاء، فيما يُرجَّح أن توصى القمة بتشكيل لجنة فنية لدراسة مقترح إطلاق عملة مشتركة.

وأفاد «بدر» بأن قمة «بريكس» لا تخطط لاستخدام عملتها المرتقبة بديلًا للدولار، وهى العملة الاحتياطية العالمية حاليًا، ولكن يُنظر إلى هدف إنشاء عملة مشتركة للتجمع بغطاء ذهبى على أنه هدف متوسط وطويل الأجل، خاصة بعدما بدأ العديد من أعضاء التجمع فى تسوية مبادلات تجارية ثنائية بالعملات المحلية.

واستطرد: «زادت المبادلات التجارية بين أعضاء بريكس إلى ٤٢٢ مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، وسيكون بنك التنمية الجديد أداة لإبرام مثل هذه المبادلات التجارية».

وأردف: «تشير التوقعات إلى أن ثلث عمليات الإقراض التى سيقوم بها البنك ستكون بالعملات المحلية بحلول عام ٢٠٢٦، وبنك التنمية الجديد تم إنشاؤه فى عام ٢٠١٥ ليكون منافسًا لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وليكون بمثابة ثقل موازن لتأثير الدول المتقدمة فى الهيكل الاقتصادى عالميًا، وانضمت مصر فى وقت سابق للبنك، وهناك العديد من الدول فى الشرق الأوسط وآسيا، بلغ عددها ١٢ دولة، مهتمة بالمساهمة فى رأسمال بنك التنمية الجديد».

ونوه عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة إلى أن الصراع الروسى الأوكرانى، الذى بدأ فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، سيكون على جدول أعمال القمة، إذ سبق أن صوّتت البرازيل فقط لصالح قرار للأمم المتحدة الذى يدعو إلى إنهاء الصراع ويطالب روسيا بالانسحاب، بينما امتنعت الصين والهند وجنوب إفريقيا عن التصويت.

وتابع: «هناك أيضًا مبادرة إفريقية لإحلال السلام، وكان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى هو أول من دعا للسلام فى مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فى نوفمبر ٢٠٢٢، فى ظل معاناة معظم اقتصادات العالم من الآثار السلبية للصراع، وربما تتقدم القمة بمبادرة للسلام لإنهاء الصراع».

وذكر أن أسعار الغذاء المرتفعة تسببت فى تضرر فقراء العالم، خاصة فى إفريقيا، وسيكون الأمن الغذائى على جدول أعمال القمة، خاصة بعد الإجراءات التى اتخذتها الهند وروسيا، التى فاقمت الوضع الغذائى الصعب، إذ وضعت الهند- التى تمثل ٤٠٪ من تجارة الأرز فى العالم- قيودًا على صادرات الأرز لحماية سوقها المحلية، باستثناء صادرات الأرز البسمتى، فى حين انسحبت روسيا من مبادرة البحر الأسود التى تضمن المرور الآمن لصادرات الحبوب الأوكرانية بسبب عدم تنفيذ الغرب كامل بنود الاتفاقية، التى تتضمن تسهيل صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

ولفت «بدر» إلى التنافس المتزايد بين الدول الكبرى على موارد وثروات إفريقيا، وعودة جماعات الإرهاب والمرتزقة للقارة، خاصة فى النيجر والسودان، مضيفًا: «من المنتظر إدراج هذا البند على جدول أعمال القمة بغرض تعظيم استفادة الأفارقة من ثرواتهم، وبدء تنمية حقيقية فى القارة، والعمل على احترام ثقافة الشعوب الإفريقية، بعيدًا عن الدعاوى الغربية التى قد تتناقض مع ثقافة إفريقيا، والعمل على وقف الصراعات والحروب بالوكالة فى دول القارة لمنحها فرصة لإحداث تنمية اقتصادية مستدامة».

وأكد الوزير المفوض أن مصر تحرص منذ خمسينيات القرن الماضى على اتباع سياسة عدم الانحياز لأى معسكر شرقى أو غربى إلا بما يحقق مصالحها، مشيرًا إلى أن انضمام مصر لتجمع «بريكس» سيساعد فى زيادة تجارتها الخارجية، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، مع المساعدة على تخفيف الضغط على العملات الحرة باستخدام العملات الوطنية فى تسوية المبادلات التجارية، وتغطية وارداتها بسلع متوسط أسعارها أقل من السلع الواردة من الدول الغربية.

مساعد وزير الخارجية الأسبق: مناقشة وتوقيع العديد من الاتفاقات والصفقات التجارية والاستثمارية

قال السفير إبراهيم الشويمى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن قمة «بريكس» من الأحداث الاقتصادية المهمة على الصعيد الدولى، مشيرًا إلى أن القمة ستركز على تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى بين الدول المشاركة.

وأضاف أنه من المتوقع مناقشة وتوقيع العديد من الاتفاقات والصفقات التجارية والاستثمارية التى تعزز التدفقات التجارية مع الدولة المشاركة، وكذلك سيتم تبادل وجهات النظر حول قضايا اقتصادية عالمية مثل أسعار الطاقة والهجرة غير الشرعية والأمن الغذائى. 

وأشار إلى أن محاولة الاستغناء عن الدولار صعبة جدًا، حيث توجد اتفاقات بين هذه الدول والدول الغربية والتعامل فيها يكون بالدولار، ولكن يمكن لدول «بريكس» أن تتعامل فيما بينها بالعملة المحلية وسيكون هذا شبيهًا بنظام الصفقات المتكافئة، مشددًا على أنه فى جميع الأحوال لا يمكن الاستغناء عن الدولار بشكل كامل ويمكن الاستغناء عنه جزئيًا. 

ولفت إلى أن هناك بعض الاتفاقات التجارية الجديدة مثل الشراكة الاقتصادية الشاملة للشرق الأوسط وأمريكا الشمالية «CPTPP» واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة «RCEP» التى تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، وقد تؤدى زيادة حجم التجارة بين هذه الدول إلى تراجع الاعتماد على الدولار فى عمليات التجارة والاحتياطيات.

وأكد وجود عدة عوامل تلعب دورًا فى استمرارية الدولار كعملة احتياطية، ومن أهم هذه العوامل قوة الاقتصاد الأمريكى، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر اقتصاد فى العالم ولديها عملة ثابتة ومستقرة، لافتًا إلى أن الدولار يُستخدم فى التجارة الدولية بشكل واسع ويعد قناة لتبادل الموارد والسلع بين الدول.

ونوه بأن هناك تحركات وتحولات فى النظام المالى العالمى قد تؤثر بدورها على دور الدولار كعملة احتياطية فى المستقبل ببعض الدول والمنظمات التى تعمل على تعزيز استخدام العملات الأخرى كاليوان الصينى واليورو كبدائل محتملة، وقد يؤدى التحول نحو نظام متعدد العملات إلى تقليل الاعتماد العالمى على الدولار.

وقال إن روسيا تسعى لزيادة الاعتماد على الروبل الروسى فى التجارة الخارجية وتوقيع اتفاقات تجارية مباشرة بين الدول المشاركة، وتملك موسكو احتياطيات كبيرة من الذهب، وتعزز استخدامه كملاذ آمن فى العمليات المالية، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى يسعى أيضًا لزيادة استخدام اليورو فى التجارة الدولية وتحقيق الاستقلالية المالية. وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق على أهمية مراقبة التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية، فقد تحدث تغيرات فى القوى الناشئة والتحالفات الاقتصادية، وهذا يؤدى إلى تغير فى توزيع القوة الاقتصادية والنقدية على مستوى العالم.

وقال «الشويمى» إن هناك تحركات عالمية تستهدف تطوير سوق الذهب المحلية فى بعض البلدان، ومن المتوقع أن تتم مناقشتها فى القمة، حيث تعزز هذه التحركات استخدام الذهب كوسيلة لتخزين الثروة وزيادة النشاط الاقتصادى المحلى. 

وكشف عن أن الهند تعد إحدى أكبر أسواق الذهب فى العالم وتحظى بشعبية كبيرة، وتهدف الحكومة الهندية إلى تطوير سوق الذهب المحلية وتشجيع الاستثمار فيها، وتم اتخاذ إجراءات للتخفيف من القيود المفروضة على استيراد الذهب وتعزيز الشفافية فى قطاع الذهب.

وتابع أن الصين بدورها تسعى لتعزيز دور اليوان كعملة مرتبطة بالذهب، حيث تم تأسيس بورصة الذهب فى شنغهاى، وأيضًا تعمل روسيا على تشجيع المستثمرين على شراء الذهب وتوفير البنية التحتية لتداوله وكذلك تركيا وكازاخستان وأوزبكستان، وتهدف هذه الجهود لتعزيز النشاط الاقتصادى المحلى، وتعزيز الثقة فى الذهب كوسيلة للحفاظ على الثروة.