رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. جلال السعيد: كنت مع مرسى فى اجتماع فتلقى اتصالًا هاتفيًا وبعده أقال الجنزورى فعلمت أن سلطة أكبر منه تصدر له التعليمات

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز وجلال السعيد

- الإخوان لم يشاركوا يوم 25 يناير احترامًا لصفقة ضمنية مع نظام مبارك وبعد أن تأكدوا من سقوطه شاركوا فى 28 يناير بضراوة

- مدير سجن الفيوم اتصل بى وأخبرنى بأن قوات «عجيبة» تحاصر المكان بعربات مصفحة ورشاشات وآر بى جى تفوق قوات التأمين عددًا وعتادًا

- ظهور مساجين أجانب على قنوات فضائية خارج مصر بعد الهروب من سجن الفيوم بـ6 ساعات يؤكد أن اقتحام السجون عملية منظمة 

قال الدكتور جلال السعيد، وزير النقل الأسبق، الذى سبق له أن شغل منصبى محافظ الفيوم والقاهرة، إن الرئيس المعزول محمد مرسى لم يكن صاحب اليد العليا فى القرارات التى تتعلق بالحكم وقت وصول الإخوان لسدة الحكم فى ٢٠١٢، مستشهدًا بموقف حدث له مع «مرسى»، حيث كان فى اجتماع من أجل وضع خطة عمل لمشروعات النقل المستقبلية لعرضها على الصين فى أول زيارة خارجية لـ«مرسى»، ووقتها تلقى اتصالًا، ثم أصدر قرارًا بإقالة حكومة كمال الجنزورى، وتعيين هشام قنديل رئيسًا للوزراء. وأضاف، فى شهادته عن حكم الإخوان، فى برنامج «الشاهد»، على فضائية «إكسترا نيوز»، من تقديم الإعلامى الدكتور محمد الباز- أن الجماعات الإسلامية المتطرفة والإخوان تغلغلت فى المجتمع استغلالًا للفقر، وبصفقة ضمنية مع نظامى السادات ومبارك، أو ما يمكن تسميته بحالة التعايش، حيث كان يُسمح لها بتنظيم التظاهرات فى الجامعات واستقطاب الطلاب الجدد وإقامة الندوات، وجميعها أمور محظورة على باقى الأحزاب، وأن النظام كان يسمح لها بالنشاط كنوع من أنواع التنفيس، إضافة إلى ثقته فى قدرته على السيطرة على هذه الجماعات من خلال الأجهزة الأمنية القوية.

■ خرجت من مصر للدراسة فى الفترة من ١٩٧٤ حتى عام ١٩٩٠، فما التغيرات التى طرأت على المجتمع ولاحظتها بنفسك؟ 

- حين خرجت من مصر كان المجتمع المصرى وقتها طبيعيًا، الفتيات يرتدن الجامعة والشباب يذهبون إلى السينما، وحين سافرت للحصول على الدكتوراه فى كندا فوجئت بجيل جديد من المعيدين جاء من الجامعات المصرية، معظمهم بذقون خفيفة، يرتدون ملابس قصيرة، ولم أفهم فى لحظتها أن هذا نتاج تحول ما فى مصر، وحين عدت وجدت تغيرات جذرية، حيث تغلغل الفكر السلفى والإسلام السياسى بشكل واضح، وانعكس هذا على الزى وطريقة الكلام فى الشوارع، وقبل عودتى إلى مصر كنت أسمع عن التقارب الشديد بين مرشد الإخوان عمر التلمسانى والرئيس الراحل محمد أنور السادات.

■ كيف سيطر السلفيون والإخوان على الفيوم منذ سبعينيات القرن الماضى؟

- عقب عودتى من الخارج فى بداية التسعينيات جرى تعيينى عميدًا لكلية الهندسة جامعة الفيوم، وفى هذه الفترة لاحظت تغلغل الفكر السلفى فى الفيوم بدرجة أكبر من أى محافظة أخرى، وأعتقد أن للفقر دورًا رئيسًا فى هذا الأمر.

وعرفت أنه سبق لعمر عبدالرحمن، الأب الروحى للجماعة الإسلامية الإرهابية، أن استوطن الفيوم فى ستينيات القرن الماضى، ونشر فكره السلفى المتشدد هناك، ووجد بيئة خصبة لنشر الفكر المتشدد والأفكار التكفيرية والمتطرفة، والشوقيين، أتباع الإرهابى شوقى الشيخ، ظهروا فى قرية كحك، إحدى قرى الفيوم.

وكانت لدىّ علاقة طيبة مع أهل الفيوم، ولاحظت نشاط وسطوة السلفيين فى الجامعات، حيث كانوا يستقبلون الطلاب الجدد فى بداية كل عام ويرشدونهم لأماكن المحاضرات والسكن الجامعى لاستقطابهم، وكانت هناك أرضية خصبة لتغلغل الفكر الإخوانى بين الطلاب.

وأعتقد أنه فى فترة التسعينيات كان هناك تعايش بين النظام والإخوان، وكان يُسمح لهم بالتحرك فى بعض المساحات، مثل تنظيم التظاهرات داخل الجامعات لمهاجمة إسرائيل بسبب اعتداءاتها على الفلسطينيين، أو السماح بنجاح عدد من المنتمين للإخوان فى انتخابات مجلس الشعب.

وأرى أن التظاهرات التى كان الإخوان يديرونها فى الجامعات نوع من أنواع التنفيس المسموح به، وأن النظام كان يغض الطرف عنها ثقة فى قدرته على السيطرة على الجماعات الإسلامية فى أى وقت.

النظام كان يسمح للتنظيمات الإسلامية بممارسة النشاط السياسى داخل الجامعات مع أنه أمر محظور على الأحزاب، وكانت هناك مكبرات الصوت ومسيرات داخل الجامعة تحشد الآلاف ثم تختفى فجأة، والإخوان هم من قدموا الدعم اللوجستى لهذه التظاهرات، وكنت أعلم أن هناك بيوتًا مؤجرة بجانب الجامعة لتغذية التظاهرات بكل أوجه الدعم.

العديد من التظاهرات التى تشهدها الجامعات نظمها الإخوان من منطلق التنفيس، ومن منطلق استعراض القوة، وحين بدأت الدعوات للتظاهر فى يناير ٢٠١١ أعلن الإخوان عن أنهم لن يشاركوا فيها، فيما يبدو احترامًا للصفقة الضمنية مع نظام مبارك وقتها، ولكن بعد عدة أيام وبعد أن تأكدوا من سقوط النظام شاركوا فى ٢٨ يناير بضراوة.

■ ما قصة تعرفك على محمد بديع المرشد العام للإخوان؟

- بدأت قصة التعارف بنشاط طلابى، عندما طلب مجموعة من الطلاب بكلية الهندسة استقدام الدكتور محمد بديع لعقد ندوة تثقيفية فى الجامعة، ولم أكن أعرفه ولم أقابله، وتكرر الأمر نفسه بعد عام، ولم ألتقه رغم حضوره لإلقاء المحاضرات بكلية الهندسة جامعة الفيوم للمرة الثانية، وفى هذا اليوم كان هناك حفل إفطار فى رمضان، فدعوته لتناول الإفطار مع أسرة الكلية، وتعرفت عليه فى هذا اليوم، ولكن لم أركز مع هذا الاسم، وهو ظهر بشكل رسمى فى تقديم خطاب مرسى فى جامعة القاهرة، ووقتها كنت وزيرًا للنقل فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى.

وحين أعلنوا اسم المرشد العام للإخوان، قلت فى نفسى إن الاسم والشكل مألوفان بالنسبة لى، ولم أكن أذكر الواقعة، وفى احتفال حلف اليمين للحكومة عام ٢٠١٢ كنت أسمع مجموعة من الأشخاص يلتفون لحراسة شخص مهم، وكان «بديع»، وذكرنى بنفسه وقال لى إن بيننا «عيش وملح»، ودار حديث قصير بيننا.

لمست بعض الود فى هذا الحديث، لأنه كان أقوى شخص فى مصر فى هذا الوقت، ويرأس الدكتور محمد مرسى، وكنت من الوزراء الذين قابلوا «مرسى» مرات قليلة، وكان يخطط لمشروعات قوية بين مصر والصين، وطلب مقابلتى لاصطحابى معه وتحضير ملف خاص للنقل لمناقشته مع الجانب الصينى، وحضر اللقاء الدكتور عصام الحداد، وكان وزير الخارجية الفعلى فى عهد الإخوان، ومعظم الإخوان كانوا يمارسون نشاطهم التنظيمى عبر كيانات أخرى مثل الشركات والتجارة.

■ هناك معرفة سابقة أيضًا بينك وبين القيادى الإخوانى عصام الحداد فكيف نشأت؟

- كنت الأمين العام للمؤتمر القومى للنقل عام ٢٠٠٢، وكان يلزم أن تكون هناك شركة داعمة للمؤتمر كنوع من أنواع الرعاية له، وقيل لى من أحد الأصدقاء، الذى أصبح وزيرًا للنقل فى حكومة الإخوان بعد ذلك، إن الدكتور عصام الحداد صاحب شركة كبيرة مختصة بتنظيم المؤتمرات ويستطيع مساعدة هذا المؤتمر، وبالفعل حدث تعاقد بين الشركة ووزارة النقل آنذاك.

وحضر هذا المؤتمر رئيس مجلس الوزراء آنذاك الدكتور عاطف عبيد، كما شارك فى المؤتمر نصف الحكومة بالكامل.

وبعد انتهاء الجلسة الأولى من المؤتمر بدأ التحضير للمعرض الخاص بالشركات الراعية للمؤتمر، والأمر تطلب من عناصر الشركة المنظمة أن يظهروا سيطرتهم على ما يجرى فى العرض، ولهذا تلقيت سؤالًا مباشرًا من رئيس المراسم فى مجلس الوزراء عن هؤلاء الأشخاص، وأخبرته بأنهم فريق يتبع الشركة المنظمة.

■ ما تفاصيل لقائك بالرئيس المعزول مرسى بمقر الرئاسة؟

- الرئيس المعزول محمد مرسى طلب مقابلتى بمقر الرئاسة لتنفيذ خططه التعاونية التى كان يرغب فى تنفيذها مع الصين، وألغى أكثر من لقاء من أجل استكمال الاجتماع معى الذى امتد أكثر من ساعتين.

وكان هناك فى نفس اليوم اجتماع محدد مسبقًا للجنة العليا لمياه النيل، التى يرأسها رئيس الوزراء كمال الجنزورى، وكان يحضرها أربعة وزراء، هم وزراء: النقل، والخارجية، والموارد المائية، والكهرباء، وكان هذا الاجتماع مقامًا فى هيئة الاستثمار، ولهذا أبلغت مجلس الوزراء بأننى جاءنى استدعاء للرئاسة من أجل مقابلة الرئيس.

وبالفعل بعد انتهاء اجتماعى مع «مرسى» ذهبت سريعًا لهيئة الاستثمار لحضور اجتماع مجلس الوزراء، وعندما وصلت إلى مقر الهيئة كان هناك بعض الأحاديث الجانبية التى تشير إلى احتمالية حدوث تغيير وزارى جديد.

وأثناء الاجتماع أعطى الدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء، ورقة للدكتور حسن يونس، وزير الكهرباء، وطلب منه أن يقرأ ما فيها، وبعد أن أنهى القراءة، طلب منا «الجنزورى» تهنئة الدكتور هشام قنديل، وكان وزيرًا للرى، على توليه منصب رئيس مجلس الوزراء، وبكل عفوية قلت له بتعجب وسخرية: «هشام مين؟ تقصد ده؟!».

وبعد معرفتى بالتغيير الوزارى الجديد استرجعت اجتماعى مع «مرسى»، عندما أخبرنى بأنه سوف يعود لى بعد إجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء، حيث كان هذا الاتصال يتضمن قرار التغيير الوزارى، ومنذ هذا اليوم علمت جيدًا أن «مرسى» و«المرشد» يتلقيان قراراتهما من جهات عليا أخرى.

وبعد اجتماع «الجنزورى» مع الوزراء لإبلاغهم بالتعديل الوزارى الجديد بدأت مشاورات تشكيل الحكومة فى اليوم التالى مباشرة، وكنت أول مرشح تمت مقابلته.

■ كنت محافظًا للفيوم وقت اندلاع أحداث يناير ٢٠١١، فماذا حدث فى هذه الفترة العصيبة؟ وكيف كانت تدار الأمور؟

- ٢٥ يناير كانت فترة حرجة وشديدة الصعوبة على جميع العناصر التى كانت تتولى المناصب الحكومية، والتأريخ الحقيقى ليناير يبدأ بيوم ٢٨، والفترة من ٢٥ إلى ٢٨ يناير كان يشوبها التوتر والارتباك. فى يوم ٢٥ يناير كنت فى جولة تفقدية شملت جميع أنحاء الفيوم، ولم ألحظ وجود أى مؤشرات على نية الناس للخروج، لكن بعد عودتى للسكن علمت أن ميدان التحرير شهد تظاهرات، وكنت يقظًا حتى علمت بخروج الثوار من الميدان بعد الـ١٢ مساء هذا التاريخ.

وفى صباح ٢٦ يناير تلقيت اتصالًا من رئاسة الجمهورية، وكان مخططًا أن يكون هناك حدث متعلق بجمعية محمد علاء مبارك الخيرية، وكان عبارة عن التجهيز لزواج ١٠٠ عروس بالفيوم، وكان من المفترض أن يقام بمحافظة الفيوم، وكان السؤال الذى وُجّه لى من الرئاسة: «هل المحافظة مهيأة لهذا الحدث أم لا فى ظل التوتر الذى تشهده مصر من يوم ٢٥ يناير؟»، وأخبرت الرئاسة بأن الفيوم هادئة ولا توجد بها أحداث شغب مقلقة، ولا يوجد مانع لإقامة هذا الحدث الخيرى.

وتلقيت توجيهًا من الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك بتأجيل الاحتفال لعدة أيام لحين التأكد من استقرار الأوضاع.

وقررت العودة للقاهرة فى صباح يوم ٢٧ يناير بعد بقائى بالفيوم لأربعة أسابيع متتالية، وكانت الأجواء متوترة للغاية فى القاهرة، لهذا توجهت إلى قصر الأميرة فوزية على بحيرة قارون بالفيوم، حيث كان هذا القصر مكان استراحة مؤقتة للمحافظ، وبالصدفة كانت هناك مشكلة فى الإرسال الفضائى، فتليفزيون القصر لا تبث عليه سوى قناة الجزيرة فقط، ولا أعرف السبب، وهذه القناة كانت تعطى إيحاءً بأن شيئًا ما يحدث فى مصر، لهذا أرسلت ابنتى وزوجتى إلى القاهرة سريعًا فى فجر يوم ٢٨ يناير، ثم عدت لمكتبى بالفيوم فى مبنى المحافظة، وكنت الوحيد الموجود فى المبنى، وتلقيت اتصالًا من الرئيس الراحل حسنى مبارك فى الـ٨ صباحًا ليعرف آخر أخبار الفيوم، وقلت له إنه لا توجد مظاهر شغب فى الفيوم، وقال لى حينها: «خلّى بالك من أهل الفيوم يا دكتور جلال».

وفى مساء اليوم التالى تلقيت اتصالًا من الدكتور زكريا عزمى، وأخبرنى بأن الرئيس يريد التواصل معى من أجل الاطمئنان على الوضع الأمنى بالفيوم، لكنه مشغول للغاية، لهذا أخبرته بأننى بدأت ألاحظ استجابة فى المحافظة للمشاركة فى التظاهرات، وأن قوات الشرطة بالمحافظة مصابة بخلل ما، وأن المحافظة تخلو من وجود أى قوات أمن مركزى.

وطلبت منه أن يرسل لى قوات من الجيش، وبعد نصف ساعة تلقيت اتصالًا من اللواء حسن الروينى، وكان قائد المنطقة المركزية، وأخبرنى بأن قوات صاعقة فى طريقها للفيوم، وبالفعل وصلت القوات فجر هذا اليوم، وقمت بتحديد أماكن تواجدها سريعًا.

■ اقتحام سجن الفيوم من الأحداث المهمة التى أعقبت ٢٥ يناير، فما المعلومات المتوافرة لديك عن هذه الواقعة الغامضة؟

- سجن الفيوم ليس تابعًا لمحافظ الفيوم، لكنه من السجون التابعة لقطاع السجون بوزارة الداخلية، ويقع جغرافيًا فى محافظة الفيوم، وبالتالى فإن محافظ الفيوم ليست له سلطة على السجن، كما أن تأمينه لا يدخل ضمن اختصاصات المحافظ. 

هناك شخص ما حدثنى أكثر من مرة وسط مئات التليفونات التى كانت تأتى لمحافظ الفيوم فى ذلك الوقت، وفى كل مرة كان هذا الشخص يطمئننى بأن سجن الفيوم بخير، كان يقول لى: «لا تقلق سيادتك الأوضاع آمنة والحالة مستقرة»، وكنت أنسى أن أساله من أنت، وقد سألته فى النهاية وكان اسمه اللواء محمد نجيب، مدير سجن الفيوم، لكن فجأة بعد ساعات انقطعت الاتصالات بينى وبينه، وكنت قد قرأت فى تمام الساعة السابعة مساءً على القنوات الفضائية خبرًا يشير إلى مقتل قائد سجن الفيوم، وبأنه قد حدث اقتحام للسجن وغيرهما من الأخبار. اتصلت بمسئولين بأجهزة الفيوم حتى يأتوا لى برقم تليفون قائد سجن الفيوم، وكلمته واكتشفت أنه مصاب، وقد كان فى الطريق إلى ٦ أكتوبر، حيث كان لا بد من نقله إلى المستشفى، وبالتالى كان على قيد الحياة.

خرجت وقلت تصريحًا بأن قائد سجن الفيوم لم يُقتل، وذلك لأننى كنت قد حدثته منذ دقائق، لكن هذا التصريح كان بمثابة العمل المنكر، حيث شنت علىّ قناة الجزيرة وأخواتها هجومًا كاسحًا، نظرًا لأنهم كانوا قد أعلنوا مقتل قائد سجن الفيوم، وأنا نفيت هذا الخبر، وكنت قد أدليت بهذا التصريح على قناة «الحياة». 

مدير سجن الفيوم أخبرنى عن اقتحام السجن، وبأن السجن كان محاطًا بالإرهابيين وكمية كبيرة من السيارات المصفحة لا حصر لها، وكانت بحوزتهم المدافع الرشاشة و«الآر. بى. جى».

كما قال لى إن السجن مؤمّن جيدًا ولديه أبراج حراسة، وإن لديه تعليمات بالضرب فى المليان، لكن القوة المحيطة كانت أكبر. 

الإخوان ادّعت أن اقتحام السجون كان بناءً على تعليمات وبأنه جرى فتح السجون من الداخل، وهى ادعاءات كاذبة لا صحة لها، لأن مدير سجن الفيوم أخبرنى بأنه توجد قوات «عجيبة» جدًا موجودة حول السجن وأنه لا يعلم مصدرها.

كما أخبرنى بأن كل الإرهابيين كانوا على عربات دفع رباعى ومعهم مدافع ويطلقون النيران حتى اقتحموا السجن بالفعل وخرج كل المساجين، وانطلقوا صوب الفيوم وهم يطلقون النيران فى الهواء، وقد كانت المجموعة التى خرجت من السجن حوالى ٢٠٠٠.

بعد حوالى ٦ ساعات من واقعة اقتحام سجن الفيوم، ظهر قيادى من حزب الله، يدعى سامى شهاب، فى غزة، وكان ضمن نزلاء سجن الفيوم، وهنا سألت نفسى كيف لهذا الشخص أن يخرج من سجن الفيوم، ثم يتجه إلى القاهرة ومنها إلى الإسماعيلية ويعبر القناة ويعبر سيناء ويعبر الحدود ويصل إلى غزة فى خلال ٦ ساعات، ثم يخرج ليتحدث على القنوات الفضائية؟، إلا إذا كانت هذه عملية منظمة، أطرافها جزء منهم فى مصر وجزء منهم خارجها، وبالتالى هناك ترتيب تم لاقتحام السجون.

القنوات الفضائية نقلت خبرًا يفيد بمقتل اللواء محمد البطران، بوصفه مدير سجن الفيوم، وأنا قلت إن رئيس سجن الفيوم ليس اللواء البطران، لأنه كان رئيس مباحث قطاع السجون، وليلة الاقتحام كان فى جولة تفقدية للسجن وعاد من الفيوم إلى منزله فى الساعة الـ٢ صباحًا، وكان أولاده نائمين، فاستبدل ملابسه وخرج الساعة الـ٤ صباحًا، حيث اتجه إلى سجن فى القليوبية واستشهد هناك، وبالتالى فإن اللواء البطران لم يقتل فى الفيوم.

أولاد اللواء البطران لم يعرفوا أنه دخل إلى المنزل وخرج مرة أخرى، وكانت آخر معلومة لديهم أنه كان فى الفيوم، لذلك عندما قُتل اللواء البطران قالوا إنه قُتل فى الفيوم، هذه الواقعة غير صحيحة، وقد كنت على تواصل مع أفراد عائلة اللواء البطران، وبالتالى فإن هذه الأدلة تؤكد أن عملية اقتحام السجون تمت من قبل تنظيمات إرهابية نسقت فيما بينها بالداخل والخارج. 

■ كيف تعاملت مع مظاهرات «إخوان الفيوم»؟ 

- إن المتظاهرين الإخوان كانت لهم طريقة تنم عن خبث، حيث فى البداية كانوا يُحيّون القوات المسلحة، وبالتالى يكون الهتاف هو «الجيش والشعب إيد واحدة»، ليحدثنى بعد ذلك قائد الجيش القريب من المنطقة ويقول لى إن هؤلاء جماعة مسالمون، ومن الممكن أن نجعلهم يقتربون من المحافظة لا مشكلة فى ذلك، وبعد اقترابهم وبمجرد تمركزهم يهتفون «يسقط حكم العسكر»، حيث كانت هذه صيغة وتكنيكًا إخوانيًا بحتًا. كنت أحاول ألا أجعل هناك حالة شقاق كبير بينى كمسئول وبين النواب الذين يمثلون الكتل الإخوانية، حيث كان عددهم كبيرًا، فقد كان نصف نواب الفيوم من الإخوان، وبالتالى كانت تحكمنى فى التعامل معهم علاقة مستقرة وجيدة، لكن مع الثورة تغيرت الأمور، فقد أصبح المحافظ لا يملك التواصل مع القيادة المركزية للدولة، وأصبح مطالبًا بأن يدير شئون المحافظة من تلقاء نفسه.

أتذكر أن معظم النواب كان شيئًا جيدًا جدًا بالنسبة لهم قبل الثورة أن يقول أنا قابلت المحافظ، أو المحافظ رد علىّ فى التليفون، أو أن المحافظ وافق لى على طلب، لكن بعد الثورة تحدثت مع قيادات شعبية فى الفيوم، وقلت لهم: يا جماعة نحن فى وضع لا يجوز أن يكون فيه هذا الشقاق الموجود، خاصة أن الناس لا تتحدث مع بعضها، فحتى تتضح الصورة فى البلد يجب علينا أن نتواصل، فكان ردهم: «إحنا لينا قيادات لا بد أن نرجع لها»، ورد آخر عندما لم يردوا بعدة أيام: «مش وقته»، وبالتالى التعامل اختلف. عرفت فى هذه اللحظة أن جملة «مش وقته» معناها أنهم تمكنوا مركزيًا، وأن ممثليهم الموجودين حولى ليسوا هم أصحاب القرار، وأن هناك ترتيبات للفترة المقبلة. وبعدها حدث استفتاء على الدستور، وتمت الموافقة على دستور «غزوة الصناديق»، وقد كنا ٢٠ محافظًا جرت إقالتنا يوم ١٦ أبريل ٢٠١١م، وكانت محافظة الفيوم من أقل المحافظات التى شهدت أعمال عنف، لأن هناك محافظات مثل محافظة الإسكندرية شهدت إشعال مبنى المحافظة، ومحافظات أخرى اقتحموا فيها استراحات المحافظين.