رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دون مناسبة.. فى محبة سيادة النقيب


كتبت من قبل عن واحد من قناعاتى التى أرى أنها فضيلة غائبة عن مجتمعاتنا العربية، إذ نكتب ونمتدح ونجهد عقولنا فى تذكر فضائل الناس فقط عندما يرحلون.. أما حين تراودنا الرغبة فى الكتابة أو الإشادة بموقف أو مسيرة لواحد من الأحياء، فإننا نجد أنفسنا بين أمرين ينتهى الموقف معهما بأن نرفع القلم عن الورق ونتوقف عن إحقاق الحق والإشادة بمن يستحقون، لمجرد أنهم أحياء.
ويرجع قرارنا بالسكوت لأن الشخص الذى كنا نعتزم الكتابة عنه واحد من اثنين: فهو إما قريب منا وهنا نصمت حتى لا نتهم بالمجاملة لحاجة فى النفس أو نفاقًا أو تملقًا، وإما أن يكون ذلك الشخص بعيدًا عنا وهنا قد يكون الاتهام أنك تسعى لمد جسور المحبة مع هذا الشخص لمصلحة تخطط لها. وعند هذه المرحلة يكون القرار بالسكوت التام عن اتخاذ هذه المبادرة التى قد تحفز هذا الشخص أو ذاك على مزيد من العطاء، وقد تشجع غيره على تقليده.
على كل الأحوال كان قرارى أن أشكر من يستحق الشكر وأمتن لصاحب الفضل طالما كان هذا التوجه بغير هوى ولا غرض شخصى، وإن كنت أسعى لتأمين نفسى بعدم الحديث عن رئيس مباشر أو صاحب سلطة فإن كنت أضمن نفسى وأثق فى قلمى، لكننى لا أضمن تفسيرات الناس وقسوة أحكامهم. تلك مقدمة طالت قليلا، لكنها كانت ضرورية أفسر بها مقصدى لأولئك الذين اتخذوا أحكاما مسبقة على نوايا البشر وضمائرهم. 
وهنا أنطلق إلى الشخصية التى قررت الإشادة بها اليوم دون معرفة شخصية بينى وبينه، ولا هى حتى لقاءات ودية جمعتنى به. أكتب عن الدكتور أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية. نبهنى إلى جهد زكى النقابى مرض عضال تعرض له زميل مخرج إذاعى راحل وكانت تكاليف العلاج و الجراحة تتطلب أموالا طائلة لا تفى بها تلك الجنيهات التى يتقاضاها العاملون فى هذا الصرح العظيم. وهنا انتبه الزميل المريض إلى كونه عضوا بنقابة الممثلين، ولجأ إلى نقيبه د. أشرف زكى فلبى الرجل النداء قدر المستطاع وعلى ضوء اللوائح. 
وأتى أمر الله إذ توفى الزميل بعد رحلة علاج طالت نسبيا، فأظهر النقيب كرما جديدا بأن تكفل بمصاريف الجنازة بل والعزاء أيضا. وهنا اكتشفت أن الرجل يفعل ما يفعل ليس لغرض انتخابى أو من باب جمع الأنصار، وإلا فما حاجته للاستمرار فى دعم أسرة زميل نقابى رحل، إنه العطاء لأجل العطاء إذن. ومنذ ذلك الموقف سعيت لمتابعة جهد النقيب أشرف زكى. وخلال متابعاتى المتقطعة تلك، تساءلت أين الرجل كممثل– بعيدًا عن العمل النقابى– فهو كممثل ومخرج وأستاذ مسرح أكاديمى، فضلا عن منصبه النقابى يمكن أن يكون وجها حاضرا فى معظم المسلسلات حتى لو من باب المجاملة و ساعتها كان سينافس بيومى فؤاد بشدة فى عدد مرات الظهور. لكننى فسرت الأمر بأنه ضيق الوقت وسط انشغاله بعمل نقابى حقيقى يستغرق جل وقته.
وحين جاءت الثورة وتداعياتها بادر بالاستقالة من منصبه النقابى، مؤثرًا السلامة ومبتعدًا عن الغوغائية التى سادت الموقف حينها. وعندما استقرت أحوال البلاد والعباد استدعاه زملاء مهنته من جديد، فلبى النداء وفاز برئاسة النقابة بعد نحو أربع سنوات من التخلى. ويستمر عطاء الرجل النقابى ليفوز بالمنصب للمرة الخامسة فى آخر انتخابات أجريت فى مارس الماضى بعد أن حصد أصواتًا تقدر بنحو ثمانية أضعاف عدد الأصوات التى حصل عليها أقرب منافسيه. لأتذكر يومها ذلك المثل الإنجليزى الذى تعلمته من أستاذى الأمريكى فى الجامعة وترجمته «إن هؤلاء الذين يمنحون الحب لا يحصدون إلا الحب».
وذلك هو ما عكسه استقبال الفنانين لنقيبهم خلال افتتاح المهرجان القومى للمسرح المنتهية فعالياته منذ أيام قليلة، حين أشاد رئيس المهرجان الفنان محمد رياض بدعم النقيب ومساندته له، فإذا بعاصفة من التصفيق تملأ جنبات المسرح مصحوبة بهتافات «بنحبك يا أشرف»، ليرفع لهم يديه موجهًا لهم التحية فى محاولة فاشلة منه لإخفاء دموعه. 
نادر هو فى حواراته الإعلامية نفس ندرة ظهوره كممثل، لكننى حظيت بحوار معه ديسمبر الماضى حين أقدم على افتتاح دار للمسنين من كبار الفنانين أهداها للنقابة القائد العربى المثقف سمو الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة. جاءت تلك الدار كأحدث إنجاز يضاف لزكى الذى سعى بعلاقاته لحفظ كرامة الفنانين نجوما كانوا أو مغمورين حين تدور عليهم الأيام دورتها.
تحية لهذا النقيب النشط والذى أرى أن تجربته ستظل ماثلة أمام كل أعضاء نقابته، بل وأمام غيرهم ممن لم يجدوا فى نقاباتهم من يحنو عليهم ويتفرغ لخدمتهم وللدفاع عن مهنته كما يفعل النقيب د. أشرف زكى نقيب الممثلين.