رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات الجمهورية الجديدة.. مصر وثمن الحياد واستقلال القرار

تواجه الدول تحديات دائمة ومستمرة في مسيرتها وتاريخها، ومع تغير الأزمنة والأنظمة تتغير التحديات وتتطور مع تطور المجتمع وتوسعه وتفرع طبقاته ومؤسساته، وهو ما يحدث مع الجمهورية الجديدة كمرحلة جديدة تمر بها مصر حاليًا.


فالجمهورية الجديدة لها تحدياتها ومشاكلها التي تعمل الدولة على تجاوزها وحلها من أجل مستقبل أفضل لمصر والمصريين، في هذه المساحة نحاول تسليط الضوء على أبرز هذه التحديات، لعل الإشارة تكون عاملًا مساعدًا للجهود الكبيرة التي تتم من أجل غدٍ مصري أفضل.


اليوم نتطرق لقضية مهمة تشغل بال الكثير من المصريين المهتمين فعلًا وحقًا بقضايا الوطن، هل تتعرض مصر لضغوط وربما ضربات شرسة سياسيًا واقتصاديًا بسبب مواقفها الخارجية، والتي كان من أهمها خلال العام ونصف العام الماضيين الموقف من العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا أو ما اصطلح على تسميته بالحرب الأوكرانية الروسية.

خلال هذا الأسبوع شاهدت حلقة من برنامج "العالم هذا المساء"، على قناة بي بي سي عربي الفضائية، تم خلالها استضافة كل من هند الضاوي الكاتبة الصحفية المتخصصة في العلاقات الإقليمية والدولية من القاهرة، ومارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشئون العسكرية والسياسية من واشنطن.


كانت الحلقة تناقش، وبشكل أساسي، سؤال لماذا تضغط الولايات المتحدة على مصر لإرسال ذخائر إلى أوكرانيا؟ وهل بالفعل الهدف الأمريكي عسكري أم سياسي؟ وهل تحتاج الولايات المتحدة وكل حلفائها من الدول الأوروبية لذخائر مدفعية من مصر مع كل المصانع والأسلحة والتقنيات الموجودة لديهم؟
الكاتبة الصحفية هند الضاوي أكدت، في حديثها، أن الهدف بالنسبة لأمريكا سياسي وليس عسكريا، وذلك لأن مصر قررت منذ بداية الحرب في أوكرانيا ما بين روسيا وما بين المعسكر الغربي الوقوف في منطقة الحياد النسبي، وعدم الانسياق وراء أي محور من المحاور الموجودة والتخندق معه، وأن مصر ترى في تعدد الأقطاب عالميًا فرصة مهمة لها لبناء شراكات متنوعة قائمة على التعاون وليس التبعية، مشيرة إلى أن هذه الضغوط التي تمارس إعلاميًا على مصر، وربما في مجالات أخرى تهدف لإعادة مصر إلى مظلة الوصاية الأمريكية.


الجزء المهم الآخر كان كلام مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، والذي قال إنه كان واحدًا من المسئولين عن برنامج المعونة الأمريكية إلى مصر، فقد قال إن الأمر الذي تحتاج أن تفهمه مصر أنها إذا لم توفر لأوكرانيا قذائف مدفعية فإن هذا سوف يؤدي إلى موت مواطنين أوكرانيين ودمار البنية التحتية في أوكرانيا، وأن مصر يجب أن تدعم أوكرانيا وإلا فإنها تكون في موقف الداعم للقصف والغزو الروسي، والكلام هنا على لسان مارك كيميت، والذي تابع قائلًا إن الولايات المتحدة الأمريكية  تقدم لمصر مساعدات عسكرية بقيمة مليار و400 مليون دولار  وأن مصر ربما لن تحصل على هذه  المساعدات.


الجزء الأكثر أهمية في كلام "كيميت" المسئول الأمريكي السابق والبارز كونه كان مساعدًا لوزير الخارجية الأمريكي السابق للشئون العسكرية والسياسية، وبالتالي فهو يدرك خطورة ما يقوله ولا يلقى بالكلام عبثًا في الهواء، عندما يقول إن مصر تعلن أنها تريد أن تكون حيادية، ولكن على مصر أن تفهم أن الحيادية لها ثمن وأن هذا الثمن لن تتحمله وتدفعه النخبة بل المواطنون المصريون العاديون.


كان هذا هو الجزء الأهم في الحلقة وقد تكفلت الكاتبة الصحفية هند الضاوي بالرد على كلام مارك كيميت، وما يمكن اعتباره تلويحات بإجراء ضد مصر أو ما يجول بخاطر بعض صانعي القرار والمستشارين في واشنطن.


كلام المسئول الأمريكي السابق البارز يؤكد أن مصر تسير في طريق صعب من أجل الدفاع عن استقلال إرادتها وإرادة شعبها واستقلال مواقفها النابعة من الحفاظ على مصالح الشعب المصري والوطن الغالي، وأن القيادة السياسية التي تعمل على تكوين علاقات متوازنة وعلاقة الند بالند مع جميع الدول على اختلاف أحجامها وقوتها، لم تقبل بأن تحاول أي جهة أو دولة فرض شروط علينا، أو القبول بالعدول عن مواقفها المعروفة في مختلف القضايا، وحيادها المعلن من قضايا بعينها وأنها لن تكون تابعة لطرف أو آخر في هذه القضية أو تلك.


وربما كان البعض نسي أو يتناسى أن مصر كانت أحد أبرز الأقطاب المؤسسة لحركة عدم الانحياز إبان فترة الحرب الباردة بين معسكري الكتلة الغربية والكتلة الشرقية أو اختصارا أمريكا والا تحاد السوفيتي، ولكننا كمصريين لا يجب أن ننسى ونغفل أن مصر اليوم في عصر الجمهورية الجديدة تعمل على إحياء هذا المبدأ المهم وهذه الحركة الدولية، وأننا يجب أن نكون واعين جيدًا أن الحياد أو استقلال القرار له ثمن يدفع، وهو ما قد يفسر لنا الكثير مما يدور حولنا داخليًا وخارجيًا.