رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مُول القبة".. رواية الصديق حاج أحمد المقبلة عن "الإمام المغيلي"

الصديق حاج أحمد
الصديق حاج أحمد

يعكف الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد، الذي وصلت مؤخرًا روايته "منّا" للقائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية، على كتابة روايته الجديدة والتي تحمل عنوان "مُول القبة"، وتتناول شخصية الإمام المغيلي.

الإمام المغيلي في رواية جديدة

يعد المغيلي واحدًا من أبرز وأهم الشخصيات الفكرية في أفريقيا خلال القرن العاشر الهجري، فقد قاد ثورة فكرية وإصلاحية في الساحل الإفريقي وأدغال إفريقيا مرورا بمنطقة توات التاريخية، وصدر له عدد من الأعمال المهمة منها "البدر المنير في علوم التفسير"، و"تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين"، و"تنبيه الغافلين عن مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين"، و"شرح الأربعون حديثا"، وغير ذلك من المؤلفات. 

افتتاحية الرواية

وقد نشر الروائي الجزائري صاحب رواية "منّا" جزءًا من افتتاحية الرواية قيد الكتابة وجاء فيها: 

ما إن يبدأ اللّيل في سدل ديجوره على القصر الطيني، المنعّم في هدوئه طوال السنة؛ عدا هذه اللّحظة المرصودة وما بعدها من غروب ليلة وعدة الشريف التلمساني شيخ لَقْصرْ، الذي عَبَرَ الصحراء ووصل الأدغال، حاملا قضايا عقل عصره، وكان معنىً في زمانه، حتى وصفه المؤرخون وأهل التراجم الثّقاة بالذكورة العلمية، على أية حال اللّيلة الحدث المهجّاة في نطق قومه تسمّى؛ ليلة دخولْ الضيافينْ.

الروّاة من أهل الأخبار بفم أتْحَصّفْ القريب جدا من مرقد صاحب القبّة، أجزموا بلا كأد، أنها اللّيلة الوحيدة، التي شذّت وخلقت الاستثناء، الذي قطع هذا الهدوء، بسبب تقاطر الزوّار من كل الجهات، القاصدين فاتحة هذا الإمام العالِم، من صباح اليوم الموالي، المقترنة باحتفاء شرفاء أولاد السّي حمو بلحاج لأسبوع المولد النبوي الشريف بقصر زاوية كنتة المجاور من أرض توات بالصحراء الجزائرية.

تحديدا بالمكان المعروف من فضاءات قصر زاوية الشيخ؛ ساحة الحاجة زينبة أو ديار الطايحين، المطلة شمالا على مقبرة تعلو الأرض قليلا، طويلة نسبيا، يتوسط هذا الطول عند نهاية حوافها الخلفية المقابلة دائما؛ ضريح أبيض سامق، يتشوّفه الرائي من تلك الساحة، حتى في عتمة آخر الشهر، مخروطي الهندسة، مشيّد القبّة، يمكنك القول؛ إنه معمار متفرّد لمن يُدعى مولْ النْهارْ وكفى، يُجيّر كل سنة قبيل فاتحة منتصف نهاره، بجير محليّ، يُسحق ضحى ذلك اليوم على مرمى من مسكنه الأبدي، في أرحاء حجرية رمادية ملساء، مقعّرة الوسط، من طرف أتباعه ومريديه ومحبّيه، وهم يردّدون، في نشوة صوفية صافية؛ (بسم الله أو بسم الله.. يا لفضايلْ بسم الله..).

كما تتوتّد شرق ساحة المشهد، قصبة طينية ذات أسوار وأبراج زرافية، تحجب ما دونها عن أنظار الواقفين غربها، وبحكم أن ذاكرة أحفاده درَجت كابرا عن كابر، توريث مأثرة البقاء بالديار، وعدم ذهابهم لاحتفال شرفاء زاوية كنتة هناك، حتى عاد هذا الاعتقاد مكرّسا أو قُل يدنو قليلا من مرتبة التقديس عند أجيالهم، كل ذلك ألا يتركوا زوّار شيخ زاويتهم، فتلتصق بهم معرّة هجرة ضيوف فاتحة رَكْب جدّهم المغيلي، وفي محاولة بديعة وجادّة صُنعت لمرابطة الديار، وتعويضهم عدم حضور بارود زاوية كنتة؛ كرّم شرفاء قصر أظوى المجاور، أحفاد الشيخ ونزلاءهم بقرص بارود متحوف يجبر الخاطر، حيث ينزل الأظواويون عند ساداتنا أولاد الشيخ، خلال مرورهم لزاوية كنتة، بذلك المكان المذكور من الوقت المعلوم، فتبدأ حلقة بارود أظوى في التشكّل الدائري، بكل طقوس إيقاع البداية والنهاية المعروفة في مخيال أهل توات، وهم يردّدون زرافات، متوالية صيغتها الأخيرة وأصابعهم على الزناد قبل إعلان صوت القرص، في نظرة حميمية خاطفة لمولْ الهولْ، ومركّزة مع القرّاص المشرف، لمن كان منهم جنوبا بحلقة الساحة، ولسان حالهم يقول؛ (مولْ الڨبّة لَمْشيْدة.. مولْ الڨبّة لَمْشيْدة..