رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروت الخرباوى: حسن البنا أصّل فكرة «العنف المؤجل» ضد المصريين ومصطفى مشهور أحب وصف الإرهابيين وقال: «ربنا أمرنا نكون كده»

الكاتب الصحفى الدكتور
الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز و الكاتب ثروت الخرباوى

«الإخوان» زرعت أفرادًا سريين داخل الأحزاب ودفعتهم لتنفيذ اغتيالات لإلصاق التهمة بغيرها
عبدالرحمن السندى برر اغتيال «النقراشى» بقوله «البنا قال لى مين يخلصنا منه»
التنظيم لديه «فقه القاعة» لترتيب الهتاف ومناصرة المتحدثين باسمه خلال المناظرات
هناك بيعتان للإخوان «بيعة الدعوة» للعمل السياسى والنقابى و«بيعة الدم» لحمل السلاح

كشف الكاتب ثروت الخرباوى عن وسائل جماعة الإخوان لإرهاب خصومها فى المناظرات الفكرية التى كانت تعقد فى المناسبات المختلفة، وكيف كانوا ينظمون عملية الهتافات والتشجيع لمناصرة المتحدثين من الجماعة وإبراز آرائهم. 

وخلال حواره مع الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، تحدث «الخرباوى» عن فكرة العنف داخل جماعة الإخوان، وكيف أصّل لها حسن البنا فى أدبيات الجماعة، لدرجة أنه حرض على اغتيال رئيس وزراء مصر محمود النقراشى، إلى جانب القاضى أحمد الخازندار.

كما قال إن الشيخ محمد الغزالى كان متناقضًا فى آرائه، حيث كانت له أفكار متعلقة بفكر الإخوان، وفى الوقت نفسه كان له منظور فكرى مستنير يمارسه فى حياته بصورة مختلفة، لافتًا إلى أن علاقته بالجماعة كانت علاقة نفعية.

■ بداية.. كيف يتم استقطاب الشباب لجماعة الإخوان؟

- ينضم الشخص للإخوان وهو شاب صغير، من خلال العاطفة، والطموح بأن يعيش فى دولة إسلامية، وأن تعود البلاد إلى سابق مجدها، وهو كلام عاطفى، وبعد ذلك يحفظ العضو بعض آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية ثم يقيم الليل.

وإذا نظرنا فى كتاب «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ»، سنرى كيف أن حسن البنا جعل صورته مقدسة وتاريخ الإخوان مقدسًا، فيقرأه الشاب وينبهر، وتقابله حوادث الاغتيالات فيبررونها له بأنها مجرد تهور من الشباب، وأن ما حدث ليس من نهج الإخوان، وأن «البنا» وصف من ارتكبوها بأنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين.

ويقع فى ذهن الشاب الإخوانى أن هؤلاء جماعة دينية، تريد أن يعود الدين للناس وكأنهم هجروه وذهبوا لآفاق بعيدة.

■ ما أقسام البيعة فى الإخوان.. وما هى «بيعة الدم»؟

- هناك بيعتان فى الإخوان، الأولى بيعة الدعوة، بمعنى أن الشخص يبايع ويدخل فى نطاق العمل الدعوى أو السياسى أو النقابى.

والبيعة الثانية هى «بيعة الدم»، أو «البيعة المغلقة» ويتم انتقاء بعض الأشخاص الذين يتمتعون بروح جهادية قوية لها، وبعد هذه البيعة يكون العضو جاهزًا لحمل السلاح.

الليلة.. ثروت الخرباوي ضيف محمد الباز في برنامج الشاهد على إكسترا نيوز |  مبتدا
الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز

من الممكن للعضو أن يظل فى «بيعة الدعوة» حتى يموت، ولكن بعض الأعضاء ينتقلون لـ«بيعة الدم»، ومعنى ذلك أنه لو طلب منه إراقة الدم سيفعل دون أن يناقش، لأنهم درسوا وتعلموا أنه يحق للجماعة تصفيتهم إذا خالفوا الأمر أو أفشوا سرًا، ولهذا قتلوا سيد فايز، لأن بيعته «بيعة دم»، وأعضاء التنظيم السرى كلهم دخلوا فى بيعة الدم، وهو التنظيم الذى أقيم على أكتاف عبدالرحمن السندى وأحمد حسين مصطفى ومصطفى مشهور.

■ حضرت المناظرة الشهيرة بمعرض القاهرة التى كان أطرافها فرج فودة ومحمد أحمد طنطاوى ومأمون الهضيبى، والتى قال فيها الأخير «نحن نتعبد لله بالنظام الخاص».. ما كواليس تلك المناظرة؟

- المناظرة أقيمت فى معرض الكتاب بحضور الإخوان ونائب المرشد حينها مأمون الهضيبى، وكانت سببًا فى ألا أكمل طريقى فى «بيعة الدم»، وجعلتنى أتردد وأتساءل: هل أستمر فى جماعة الإخوان أم لا؟

وذهبت للندوة كغيرى بتكليف من الإخوان، وكان هناك ما يسمى بـ«فقه القاعة»، وهو توجيهات هدفها الانتصار للمناظر من الإخوان، وكانت هناك توقيتات للهتافات داخل القاعة، ويُحدد متى نهتف «الله أكبر»، ومتى نقول «إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية»، فكل كلمة لها توقيت ولجنة نظام.

وهذه الهتافات تكون لمؤازرة من يتحدث من الإخوان، أو لإحداث إرهاب نفسى لمن يناظره، فالمسألة مخططة.

وتحدث فرج فودة بأن هناك أشياء حدثت من الإخوان لا علاقة لها بالإسلام، لكنهم جعلوها ترتدى ثوب الإسلام والدين منها برىء، فكان يدافع عن صحيح الإسلام ويوضح عدد الجرائم التى ارتكبها الإخوان.

وقال إنه فى عام ١٩٤٦ فجر الإخوان ٧ أقسام شرطة، وتساءل ما علاقة ما نفذه التنظيم السرى والذى قيل إنه أنشئ لمقاومة الإنجليز بتفجير أقسام الشرطة، وكذلك اغتيال المستشار أحمد الخازندار، رئيس محكمة جنايات القاهرة، وأحمد ماهر و«النقراشى» رئيسى وزراء مصر؟

■ كيف استقبل الإخوان كلامه؟

- الكلام الذى قاله كان يهز أى إنسان، وكان له تأثير على الإخوان الذين أقسموا «قسم الدعوة»، والذين ينظرون إلى الاغتيالات على أنها هفوات، ورد مأمون الهضيبى على كلامه قائلًا: «نحن نتعبد لله بأعمال الجهاز السرى للإخوان».

وقبل ثورة ١٩٥٢ فجر الإخوان أقسام الشرطة واغتالوا «النقراشى» و«الخازندار»، وصولًا لمحاولة اغتيال «عبدالناصر».

كلام مأمون الهضيبى المسئول الرسمى بالجماعة، خرج أمام الناس جميعًا، وأنا واحد من الناس ما تعبدت لله بهذه الاغتيالات ولا التفجيرات، ولكن وقع فى قلبى أنها انفلاتات من الإخوان ويغفر الله لمن ارتكبها بدافع الغيرة أو الحماس.

وحينها، الناس الذين كانوا داخل القاعة استقبلوا إشارة «الله أكبر»، والجميع هتف بها، ووجدت نفسى أهتف معهم، وهذا يبين خطر العقلية الجمعية على الفرد، وبعد انتهاء الندوة خرجت وجلست منفردًا، وسألت عن سبب هتافى، وهل الكلام الذى قيل صحيح أم لا؟

ولمت نفسى كثيرًا وظللت أبحث من وقتها، يناير عام ١٩٩٢، فى تاريخ الإخوان، وأعدت الدراسة بشكل كامل، خاصة دراسة تاريخ حسن البنا.

■ أية قناعة تكونت لديك بعد ذلك؟

- كنت فى حالة ارتباك، ومشاعرى لا تريد أن تصدق أن جماعة الإخوان ارتكبت هذه الاغتيالات عن قناعة.

ووقت اغتيال «النقراشى» تم إجراء مناظرة داخل الإخوان لسؤال حسن البنا عن الواقعة، بحضور عبدالرحمن السندى، وحينها قال «السندى» إنه سمع المرشد يقول «من يخلصنا من هذا الرجل»، وقال أيضًا: «فهمت هذا الأمر على أنه أمر بقتله، لأن أنا بتاع السلاح فى الجماعة، ولو كان من سمع هذا الكلام رجل دعوة، كان سيصلى ويقوم الليل ويدعو الله على النقراشى فقط».

وحدث خلاف حول: هل هذا الأمر مع حسن البنا، وهل يتحمل الإخوان دية القتيل أم لا؟ لكنهم قالوا إن الحكومة هى من تتحمل الدية، والشيخ «الباقورى» كشف عن اغتيال أحمد ماهر، على يد الإخوانى محمود عيسوى الذى كان فى السابق عضوًا فى الحزب الوطنى ومحاميًا، ويعمل فى مكتب أحد المحامين.

وكشف «الباقورى» عن أن التنظيم السرى نشر أعضاءه داخل الأحزاب السياسية حتى إذا حدثت اغتيالات تنسب لهذه الأحزاب، ولذلك دارت الشبهات وقتها أن الحزب الوطنى هو من ارتكب عملية الاغتيال، لكن الشيخ الباقورى هو من كشف عن ذلك.

 

الليلة.. ثروت الخرباوي ضيف محمد الباز في برنامج الشاهد على إكسترا نيوز |  مبتدا
الكاتب ثروت الخرباوى 

وعدت للقراءة، ورأيت أن أحمد ماهر و«النقراشى» كانا من الشباب الثائر فى ثورة ١٩ ضد الإنجليز، وتمت محاكمتهما أمام محكمة عسكرية إنجليزية فى مصر، وحكم عليهما بالإعدام، وترافع عنهما الزعيم الوفدى مصطفى النحاس فى «الاستئناف» وصدر لهما حكم بالبراءة.

وهذه الربكة موجودة لدى كثير من الأشخاص، وتجعلهم يعودون لمراجعة الأفكار، وحينما راجعت الأفكار وجدت أن حسن البنا يقول كلامًا عن العنف، وأن هذا عقيدة قائمة وراسخة لدى الإخوان، وهو ما يعرف بالعنف المؤجل، وعندما تستنفد الإخوان أدواتها تلجأ إليه.

وقال حسن البنا «إننا ذات يوم سنستخدم القوة فى مواجهة قومنا، ولكننا حينما نستخدم القوة سنكون شرفاء فننذر قومنا أولًا، ثم نتحمل كل التبعات»، وسألت نفسى «هو بيقولها بشكل صريح إزاى؟ الواحد قرأها وعدت على دماغه ومخدش باله من مدلولها»، وكنت قرأت ذلك وقتها بإعجاب شديد، ورأيت كيف أن المشاعر تتسبب فى تزييف العقول، والعقل يستقبل شيئًا على غير معناه الصحيح.

وحاولت أن أعرف تفاصيل حول شعار «السيفين» لدى الإخوان، وسألت مصطفى مشهور وعمر التلمسانى عن هذا الشعار، رغم أن الأخير يشار إليه أنه من أهل الوسط والاعتدال وما إلى ذلك، و«مشهور» يشار إليه بأنه «أبو هانى» مسئول التنظيم السرى والرجل العنيف، وقالا لى نفس الكلام: «إن السيفين دول، سيف للداخل، وسيف للخارج».

السيف الموجه للداخل يعنى أن الناس لن تقتنع بمنهج الإخوان، فلا بد من إجبارهم على الإقناع، أما السيف الموجه للخارج فهو يعنى غزو العالم، وهو رمز للقوة، لذلك وضع حسن البنا كلمة «وأعدوا» تحت السيفين، والمصحف أعلى الشعار.

مصطفى مشهور وقتها قال: «بيقولوا إن الإرهاب وحش، الإرهاب كويس، ومذكور فى القرآن، وربنا بيأمرنا إننا نكون إرهابيين»، مستشهدًا بقول الله تعالى: «ترهبون به عدو الله وعدوكم».

وهذه الكلمة لها مدلول فى الآية القرآنية يختلف عن فهمه، وكلمة الإرهاب والإرهابيين التى أصبحت مصطلحًا يستخدم دائمًا، صارت تستخدم لأنها مربوطة بارتكاب الجرائم بالسلاح، فى زمن آخر كان يمكن أن يوصفوا بالقتلة والسفاحين، وهذه الأمور جعلتنى أتوقف، إلى أن تركت الإخوان، وقابلتك وقلت لى «اكتب تجربتك والانتقادات التى لديك»..

وأنا استمددت القوة من يقينك بأن تجربتى من الممكن أن تفعل شيئًا، وكتبت ٣ مقالات، الأولى تكلمت فيها فى بدايتها عن الذى قاله مأمون الهضيبى «نحن نتعبد لله بأعمال الجهاز السرى للإخوان قبل الثورة»، فوجئت بعدها بك وأنت ترسل لى ردًا بأنهم أنكروا هذا الكلام، وهناك اثنان من الأصدقاء كانا متفقين معى على هذا الكلام، ولم أذكر أسماءهما، ثم سحبا ردهما، لأن مأمون الهضيبى كتب ردًا باسمه على كلامى، وأنكر ما قلته، أنت قلت لى «إحنا عايزين فيديو أو تسجيل»، وظللت أبحث عن مقطع الفيديو لمأمون الهضيبى وهو يقول فيه «نحن نتعبد لله بأعمال الجهاز السرى»، لأن باقى الفيديوهات والتسجيلات كانت قد حذفت منها هذه العبارة، ونشرتها بجوار رد مأمون الهضيبى على كلامى، وقلت: «مأمون الهضيبى يرد على مأمون الهضيبى، فمن الكذاب فى القصة ويوارى سوءته».

■ حدثنا عن واقعة اغتيال فرج فودة؟

- فرج فودة- رحمه الله- كانت لديه قدرة غير عادية على توصيل الفكرة إلى عموم الناس بسهولة وبساطة ومنطق، وهذا مكمن خطورته، لأن فكرته صحيحة من ناحية، وكلامه له منطق من ناحية أخرى، لذلك كانت هناك تعليمات مشددة دائمة داخل الإخوان بـ«محدش يتابع أو يقرأ لفرج فودة».

وأنا كنت أقرأ بعض مقالاته التى تنشر فى جريدة الأحرار، وكنت أجد نوعًا من المنطق فى حديثه، لكن كنت أشك فى الدوافع التى دفعته لقول ذلك، «انت بتقول كده ليه، انت أكيد بتقول كده عشان مش عايز الإسلام».

وهناك حقائق كانت تُغفل، مثلما يقول الشاعر «عَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ، وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدى المَساوِيا»، وكان هناك سخط كبير على فرج فودة، وكعضو داخل الإخوان فأنت لن ترى الكلام الحسن الذى يكتبه أو الذى يقوله.

وحدثت مناظرة فى نقابة الأطباء بين فرج فودة وسليم العوا ومحمد عمارة، واكتسحهم جميعًا، وبعدها نبه الإخوان: «محدش يتفرج على المناظرة دى، ومحدش يشوفها»، لأنها كانت مسجلة فيديو ومسجلة على «كاسيت»، وحينها قالوا «متتوزعش»، ثم حُملت بعد زمن على موقع «اليوتيوب».

وأريد أن أقول شيئًا لم يتحدث عنه أحد من قبل، كان من ضمن المتهمين فى قضية قتل فرج فودة محام، وأنا كنت أعرفه معرفة وثيقة جدًا وهو ينتمى إلى الإخوان، وأنا حضرت معه جلسات إخوانية من قبل، وحصل على حكم بالإدانة، و«محدش قال إنه إخوان»، وخرج من السجن بعد ٢٥ يناير، وعندما فتح مكتبه فى الزاوية أهديته كتبًا قانونية، ومشاعر الإخوان على مقتل فرج فودة كانت سعيدة جدًا.

الليلة.. ثروت الخرباوي ضيف محمد الباز في برنامج الشاهد على إكسترا نيوز |  مبتدا
الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز و الكاتب ثروت الخرباوى 

وأذكر الشيخ محمود مزروعة من قيادات قسم الدعوة فى الإخوان، وكان دائمًا يصلى فى المسجد الليبى بمدينة نصر، والذى قال عن الذين قتلوا فرج فودة: «هؤلاء الشباب جاءوا لى وقالوا لى فيه واحد دون تحديد اسم بيعمل كذا وكذا، وهذه حرب على الإسلام، وأن الدولة لا تحاكمه، فقال: يقام عليه حد الردة، ومن الذى يقيم الحد، الدولة، وإذا تقاعست الدولة عن إقامة حد الردة ينفذها أى إنسان غيور على دينه»، وبناءً على هذا الكلام تم اغتيال فرج فودة.

والشيخ محمد الغزالى الذى كتب كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، وبالمناسبة هذا الكتاب كانت به قفزات فقهية رائعة، وأنكر أحاديث للبخارى ومسلم، وكفره السلفيون، أذكر حينها أنه قال: «فرج فودة ارتد، والكلام اللى كان بيقوله يمثل ردة واضحة وظاهرة لا تحتاج إلى تأويل، ويجب أن تقيم الدولة حد الردة عليه»، وأقوال وكتابات «الغزالى» كانت مغايرة لفكره.

■ الشيخ «الغزالى» عبارة عن لغز.. كان يظهر طيلة الوقت ضد المفكرين.. فى لحظة أنه رجل مجدد، ولحظة أخرى تجد أنه يكفر الآخرين ويخرجهم من الملة.. كيف ترى ذلك؟ 

- الشيخ محمد الغزالى تتمثل شخصيته يقينًا فى رواية «دكتور جيكل ومستر هايد»، وهو كتب كتابًا فى فترة الستينيات يتهم حسن الهضيبى بأنه ماسونى، وعندما قرر الإخوان نشر هذا الكتاب فى السبعينيات طلبوا حذف الفصل الذى يحتوى على هذا الاتهام، ووعدوه بأنه مقابل هذا النشر سيتم توزيع الكتاب توزيعًا ضخمًا جدًا، فقبل وحذف هذا الكلام.

والشيخ محمد الغزالى كان قد ترك تنظيم الإخوان وحكى فى بعض كتبه أنه هو والشيخ سيد سابق كانا يسيران فى منطقة المنيل، وقابلا شخصًا مسئول شعبة من شعب الإخوان، وقال لهما إنهما خرجا من الدين بتركهما الإخوان، فسخر منه الشيخ الغزالى وقال عنه «كأن الكلام الذى قاله لم يخرج من أذنى إلا ليقع على الأرض».

وقال «الغزالى»: «الإخوان يكفرون الناس، ومسألة التكفير لا ينبغى لأحد أن يتجرأ عليها بهذا الشكل»، وقال كل هذا الكلام فى فترة الستينيات وهو يحكى عن خلافاته التى حدثت بينه والإخوان.

وهناك مشهد لافت للشيخ محمد الغزالى عندما تم تنصيب حسن الهضيبى مرشدًا للإخوان، حيث اتفق «الغزالى» مع مجموعة من النظام الخاص الرافض لحسن الهضيبى، وخرجت مجموعة بسيارات لتحتل مكتب الإرشاد وأجبروا حسن الهضيبى على إمضاء تنازل عن موقع المرشد، أى أنه كان رجلًا عنيفًا شديدًا، ومن ثم جاء مهدى عاكف بمجموعة أخرى لتقف ضدهم، والإخوان كانوا وما زالوا حتى الآن يستغلون الشيخ الغزالى، وقد وافقهم على هذا الاستغلال. 

وأذكر خطبة العيد لـ«الغزالى» فى مسجد مصطفى محمود، وكان يحضرها الآلاف، ويقف فيها الشيخ ويتحدث عن المضمون الفقهى الخاص بجماعة الإخوان فى ثنايا الخطبة، كما كان له دور كبير فى نشر أفكار الإخوان فى فترة السبعينيات والثمانينيات هو ومجموعة من الشيوخ. 

وأحد أعضاء الإخوان سأل مرشد الإخوان حامد أبوالنصر عن الشيخ الغزالى، وحول صحة الأخذ منه من عدمه، فرد عليه حامد أبوالنصر «ظفر أصغر واحد فيكم برقبة الشيخ الغزالى»، وبرر قوله بأن الشيخ الغزالى خرج من التنظيم. 

وهناك معلومة لا بد للناس أن تدركها جيدًا، وهى أنه مع احترامى لكل من خرج من تنظيم الإخوان جميعهم، لكن هناك فارق بين الخروج من التنظيم وبين الخروج من الفكرة، لأن الخروج من الفكرة معناه حدوث قطيعة معرفية مع التنظيم، وكثير ممن خرجوا من التنظيم وقيل عنهم المنشقون عن الإخوان ما زالوا يحملون الفكرة الإخوانية فى ضمائرهم، وقد كان الشيخ الغزالى هكذا، فهو مؤمن بتلك الأفكار التى تعلمها فى الإخوان، كما كان منشدهًا ومعجبًا جدًا بحسن البنا.

وكانت هناك منافع يحصل عليها الشيخ الغزالى من الإخوان بشكل أو بآخر، ومن خلال هذه المنافع ارتبط بالإخوان، ليس ارتباطًا تنظيميًا، لأنه ترك التنظيم، وإنما هو ارتباط بالفكرة، وهو قد وُجد فى دائرة مختلفة بعض الشىء عن الفكرة، ولكن عندما كان يرى أن مصلحته هى العودة للفكرة الأصلية، فإنه كان يعود إليها، فيبدو هذا التناقض وكأنه يريد أن يعجب طائفتين من الناس؛ الأولى طائفة مستنيرة، والثانية متشددة.

وهو ظل على فكرته الإخوانية، وكان فى الوقت نفسه يحب أم كلثوم ويسمعها ويعزف على البيانو، ابنته لم تكن محجبة، وزوّجها للصحفى محمد عبدالقدوس، وبالتالى فإنه كانت له حياة يحياها بشكل وبمنظور فكرى آخر، وظهر ذلك فى كتبه، ما عدا كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث».

والشيخ الغزالى رأى حسن البنا عندما كان طالبًا فى الأزهر، وكان حسن البنا يؤثر فى الصغار ولا يؤثر فى الكبار أبدًا. 

وبعض الذين خُدعوا فى حسن البنا من الكبار سرعان ما تركوه، وقالوا إن هذا الرجل منحرف، ومن أراد أن يقرأ فى تاريخ الشيوخ الكبار فليقرأ وسيجد هذا الكلام، حسن البنا كان ضعيف الحجة، وتأثيره كان على الأطفال، لكن الكبار لم يتأثروا بفكره أو حجته. 

وفى مرة جلست مع الأستاذ محمد حسنين هيكل- رحمه الله- وقال لى إن حسن البنا كان رجلًا عاديًا وليس مؤثرًا، لكن أتباعه هم من قدسوه.

وأتباع «البنا» كانوا معدومى الثقافة والفكر، لذا سهلت السيطرة عليهم، وأتباع الجماعة قدسوه لدرجة أن عمر التلمسانى قال عنه إنه نور فى السموات أنزله الله إلى الأرض ليخالط الناس ويغشى قلوبهم. 

كما أن سعيد حوا، وهو قيادى من قيادات الإخوان فى سوريا، قال عنه إنه ليس مجرد نور عادى، وإنما هو نور مقدس، وإن حسن البنا بعدما قتل، ذهب إلى أعلى عليين فى مقعد صدق عند مليك مقتدر. 

■ حدثنا عن فتوى «الغزالى» فى قاتل فرج فودة؟

- الشيخ محمد الغزالى أفتى فى المحكمة بأن قاتل فرج فودة لا يُقتل، إنما يعزر لارتكابه فعلًا كان واجبًا على الدولة تنفيذه، فمن وجهة نظر «الغزالى» أن حد الردة من المفترض أن تنفذه مؤسسة الدولة، المتمثلة فى الداخلية أو القضاء.

والتهمة التى توجه لقاتلى فرج فودة، من وجهة نظر «الغزالى»، ليست تهمة قتل، لكن تهمة أنهم جاروا على حق الدولة، واغتصبوا حقًا من حقوقها، وبالتالى يكون العقاب بالسجن الخفيف، وكان هذا الرأى بالنسبة لى كارثة فى مسار المراجعات التى بدأت فى يناير ١٩٩٢.