رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. حازم عطية محافظ الفيوم الأسبق: إرهابيو الإخوان أحرقوا مبنى المحافظة وحاولوا قتلى بعد يوم واحد فقط من تعيينى

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز وحازم عطية

تولى الدكتور حازم عطية، أستاذ الحضارة المصرية بجامعة حلوان، منصبه محافظًا للفيوم فى ظروف بالغة الصعوبة، أعقبت فض اعتصام رابعة العدوية فى عام ٢٠١٣، وفور انتقاله إلى مقر عمله فى ديوان عام المحافظة واجه عنف جماعة الإخوان الإرهابية بشكل لم يخطر له على بال، إذ أشعلت عناصر الجماعة النيران فى مبنى المحافظة، ومقر إقامة المحافظ، فى محاولة لاغتياله، لولا أن تم إجلاؤه بمعرفة القوات المسلحة. وفى حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أدلى الدكتور حازم عطية، محافظ الفيوم الأسبق، بشهادته على جرائم الإخوان تجاه أهالى المحافظة، وإحراقهم المبانى والكنائس، والجهود التى بذلتها الدولة لإعادة ضبط الأمور، وتنمية موارد المحافظة، وتنفيذ مشروعات متعددة لخدمة شبابها، بالإضافة إلى شرح رؤيته العملية لكيفية القضاء على التنظيمات الإرهابية المتطرفة. 

■ ماذا حدث عند ذهابك لمبنى محافظة الفيوم لتسلم عملك يوم فض اعتصام رابعة؟

- عندما تم تعيينى محافظًا للفيوم كانت خلفى أحداث فى القاهرة، والفيوم كانت معقلًا للجماعة الإرهابية وجماعات أخرى، لكنى لم أتخيل أن الوضع بهذا الشكل، فبعد أن تفقدت المكاتب فوجئت بلواء شرطة يتصبب عرقًا وهو يقول لى: «أنا حكمدار الفيوم، وإحنا محاطين من كل جهة، والذخيرة اللى معايا خلصت ومعايا ٤ جنود مصابين من الشرطة، والقوات المسلحة لازم تتدخل»، ثم تركنى وذهب.

عندها رجعت لمكتبى لاحظت وجود دخان كثيف فى حوش مبنى المحافظة، كان هناك كاوتش يحترق وقنابل مولوتوف يتم إلقاؤها على المبنى، فى رد فعل لما يحدث فى فض اعتصام رابعة العدوية.

وبعدها دخل علىّ عميد من القوات المسلحة وعرفنى بنفسه بأنه المستشار العسكرى للمحافظة، وقال لى: «عندى تعليمات بضرورة مغادرة المبنى»، فرفضت فى البداية لأنى لم أكن متأكدًا من هويته، لكن بعدها أوصلنى بهاتف وحدثنى الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع وقتها، وقال لى عبارات مقتضبة جدًا.

■ ما تفاصيل مكالمتك مع وزير الدفاع آنذاك؟

- وزير الدفاع قال لى: «سيادة المحافظ.. أمام مبنى المحافظة فيه مدرعة (فهد).. حضرتك هتركبها ومعاك ٤ جنود مصابين»، وأغلق الهاتف.

وبالفعل خرجنا من المبنى على الفور، ونزلنا إلى بهو مبنى المحافظة لنركب المدرعة، وقد انتشر فى المكان زجاج مكسور ومياه على الأرض، وفوجئت بشخص ينادى: «سيارة المحافظ تحترق»، لأن سائقها جرى إلى السيارة خلف مبنى المحافظة رغم الأحداث لأنها «عُهدة»، وبعدها أُصيب بطلقة فى ذراعه.

ثم ركبنا المدرعة وكنا أكثر من ٢٠ شخصًا، رغم أن المدرعة كانت تتسع لثمانية أفراد فقط، ونظرت من فتحات المدرعة «فلقيت ناس بيجروا ورانا ومعاهم بنادق آلية، وكنا سامعين الرصاص مثل المطر فوق المدرعة».

وقد نمنا فى هذا اليوم فى استاد الفيوم، ووصلتنا الأخبار باشتعال النيران فى مبنى المحافظة وفيلا المحافظ أيضًا وعندما ذهبنا فى اليوم التالى لتفقد الفيلا وجدنا لافتات وعبارات مكتوبة على الجدران من قِبل عناصر الجماعة الإرهابية، مثل «يسقط حازم عطية»، و«حازم عميل»، وعبارات من هذا النوع.

وفى مبنى المحافظة كانت الغرف ساخنة جدًا من أثر النيران وكان كل شىء محروقًا ولا توجد أجهزة، وشهود العيان أبلغونا بأن سيارات نقل جاءت بالليل وسرقت أجهزة التكييف والكمبيوتر والهواتف وغيرها، كما كان مقر سكنى فى محافظة الفيوم قد تحوّل إلى هيكل خرسانى بعد حرقه، ومديرية الأمن أصبحت مقر سكنى ومكان عملى فى الوقت نفسه، لمدة ٣ أشهر، وبعدها انتقلت لأحد الفنادق بالفيوم لمدة ٩ أشهر.

■ كيف تم كل هذا التدمير والحرق والسرقة؟

- الفيوم كانت معقلًا للجماعات الإرهابية، فهم متغلغلون فى القرى والنجوع بأعداد كبيرة جدًا، وظلوا لمدة ٧ أشهر تقريبًا بعد كل صلاة جمعة يخرجون فى مظاهرات، وكان حظر التجوال يبدأ منذ الساعة الثانية ظهرًا.

■ هل هناك منشآت أخرى تعرضت لعنف «الإرهابية»؟

- بالطبع، هناك ٦ مبانٍ تابعة للمحافظة تعرضت للحرق، فالإخوان كانوا ينتقمون من الشعب، ومبنى محافظة الفيوم أُعيد تأهيله بعد عنف الإخوان بـ٢٧ مليون جنيه، كما أُعيد تأهيل فيلا المحافظ بـ٣.٥ مليون جنيه.

■ ماذا عن الكنائس؟

- الكنائس الموجودة فى الفيوم تأثرت جدًا بسبب أعمال العنف، وقد ذهبت وصوّرت الكنائس التى احترقت، وكانت هناك ١٢ كنيسة تم حرقها، وزرت الكنيسة الرئيسية فى الفيوم، وكانت من أولى الزيارات الرسمية فى اليوم الثالث من تولى منصبى.

وأثناء وجودى بالكنيسة، سمعت أصواتًا بالخارج، وعندما سألت عرفت أنها لبعض المعترضين على وجودى بالكنيسة فى أول زيارة رسمية لى كمحافظ، من باب إثارة الفتنة.

سألت وقتها مدير الأمن عن مسجد رأيته فى طريقى للكنيسة، فأخبرنى بأنه مقابلها، لذا وبعد انتهائى من الزيارة قررت الترجل وصلاة العصر بالمسجد وأممت المصلين، ووقتها نشرت جريدة «الأهرام» صورة وعلقت عليها: «محافظ الفيوم يزور الكنيسة ويؤم المصلين بالمسجد لقطع المزايدة».

■ كيف تمت إعادة تأهيل المبانى المتضررة، وكم تكلفت؟

- تم رصد مبالغ مالية وتخصيص ميزانية لإعادة تأهيل وترميم الكنائس، وهو ما تم فى فترة وجيزة، وقبل الانتهاء من مبنى المحافظة وسكن المحافظ، لأن بعض الكنائس دُمر تمامًا، والبعض الآخر تم تدمير أجزاء منه.

ووصلت تكلفة ترميم الكنائس وإعادة تأهيلها إلى ١٨ مليون جنيه تكلفتها الدولة، كما كانت توجد مبانٍ أخرى تتبع المحافظة قد تضررت مثل مديرية التموين، ووصلت التكلفة الإجمالية لإعادة التأهيل إلى ١٢٠ مليون جنيه، وهذه الفاتورة دُفعت فى الفيوم فقط لمواجهة عنف الإخوان. 

■ كيف واجهت الفكر الإخوانى بالفيوم؟

- فكرت فى مدخل للشباب، لأنهم كانوا فى سن ٢٠ و٢٣ عامًا، وكانوا لا يعرفون شيئًا عن فلسفة الجماعة ولكن تم استقطابهم، وبحكم عملى فى الآثار كنت أعلم أن الفيوم من المحافظات الثرية جدًا، كما أنها قريبة من القاهرة، ويمكن عبرها تنشيط السياحة الداخلية والخارجية.

وكنت أعرف أن «قصر قارون» بالفيوم تتعامد عليه الشمس يوم ١٧ ديسمبر، لكن لم يكن هناك اهتمام إعلامى بذلك، فقررت إحياء الفكرة وتسليط الأضواء عليها، لهذا تم إعادة تأهيل المنطقة والاحتفال بتعامد الشمس على القصر، واتصلت بسفراء الدول المصدرة للسياحة لمصر ودعوتهم للاحتفالية، وتم إعداد مسرح أمام المكان وتجهيز الإنارة وكان شكله قد أصبح رائعًا بعدما كان مهجورًا.

وفكرت فى تنظيم مهرجان موسيقى الشعوب بالفيوم قبلها بيوم، واتصلت وقتها بوزير الثقافة وأخبرته بالفكرة ورحب بها، وتمت دعوة ٧ دول للمشاركة بالمهرجان، ولبت الدعوة بمشاركة فرق تقدم موسيقى فلكلورية لكل دولة، وشارك ٦ سفراء للدول المعنية بالسياحة فى المهرجان، وباتوا فى الفيوم ليلتها، وفى اليوم التالى شاركوا فى احتفالية تعامد الشمس على «قصر قارون».

■ مواجهة هذا الفكر بالثقافة والآثار.. هل وجدت مقاومة من الإخوان؟

- الاحتفالية كانت فى منطقة يوسف الصديق، وهى أحد معاقل الإخوان وقتها بالفيوم، وفى الطريق المؤدى لـ«قصر قارون» وضعنا لافتات ترحيب بالضيوف، لكنى قبلها بيوم وبعد الساعة الثانية فجرًا فوجئت بمدير الأمن يخبرنى بأنه تم تدمير اللافتات من قِبل الإخوان، وبأنهم غطوها بـ«الإسبراى»، لكن تمت إعادة كتابتها مرة أخرى قبل الفجر.

والمهرجان أُقيم لدورتين، وفوجئت بأحد سفراء الدول المشاركة يخبرنى باختلاف طريقة استقبال أهالى الفيوم لهم، وقال لى إن الأهالى فى السنة الأولى كانوا يلقون عليهم الحجارة وكانوا غير سعداء بوجودهم، لكنهم فى العام الثانى وجدوا أن الأطفال يستقبلونهم بالتصفيق، لأن الأهالى اكتشفوا أن السياح يحملون الخير لهم، كما رأوا أنه تم رصف الطرق وإضاءتها وزراعة الأشجار، وبعد احتفالية تعامد الشمس كان هناك بازار مفتوح وإفطار بلدى.

وأخبرنى مدير الأمن وقتها بأن عددًا من أهالى الفيوم يريدون حضور الحفلات وعرض سلعهم أمام السياح، فأخبرته بموافقتى على حضورهم ومشاركتهم.

ولم يتم الاكتفاء بإقامة احتفالية موسيقى الشعوب مرة واحدة، بل تم إرسالها إلى أربع أو خمس قرى لتقديم هذه الفنون فى تلك القرى، ولأنها لم تكن تحتوى على مسارح توجهنا نحو مراكز الشباب لتقديم العروض، لأن الدولة المصرية عملت على الاهتمام بالريف، وقررت أنها لا تقدم الخدمة فقط ولكن تقدم خدمة تؤدى إلى ارتياح نفسى عند الأهالى، مثلما يحدث فى مشروع «حياة كريمة»، الذى يجعل المواطن يشعر بأن الدولة مهتمة به.

كما تم عمل مشروعين فى غاية الأهمية للشباب، الأول هو «شباب الفيوم الزراعى» والثانى «شباب الفيوم الصناعى»، إذ كان يوجد فى المنطقة الصناعية بالفيوم عدد من المصانع والشركات المنتجة، لكن تم الاستيلاء على ١٢ فدانًا من المنطقة الصناعية فى وقت الفوضى، ثم تمكنا من استعادتها.

■ ماذا عن مشروع «الشباب الزراعى»؟

- المشروع كان فى منطقة تبلغ مساحتها ١٢ فدانًا من الأراضى الزراعية، وكان بها محلب ومكان لتربية العجول، وكان المشروع قد توقف لكننا عملنا على إحيائه من جديد، مع إنشاء صوب زراعية للشباب، البالغ عددهم ٦٨ شابًا، واشترطنا أن مَن ينضم إلى هذا المشروع يكون من خريجى كلية الزراعة بجامعة الفيوم، أو المعهد المتوسط الزراعى فى الفيوم. 

ومن خلال هذا المشروع قام الشباب باستئجار هذه الأراضى ودفع إيجاراتها للمحافظة، والعمل على الإنتاج من خلال الصوب، ومن ثم تؤول ملكية الأراضى إليهم بعد تسديد ثمن هذه الأراضى من خلال الإيجارات.

■ ما الدروس المستفادة من تجربة مواجهة الجماعات المتطرفة؟

- أول الدروس المستفادة من هذه التجربة هو أنه لا بد من وجود وقفة حاسمة للأفكار المتطرفة، وذلك من خلال رد الدولة على أعمال العنف لهذه الجماعات بالعنف، أى مواجهة العنف بالعنف. 

أما الدرس الثانى لمواجهة هذه الجماعات المتطرفة فيأتى من خلال التعامل مع أهالى القرى والنجوع التى تستوطن فيها الجماعات الإرهابية، من خلال توفير فرص العمل والثقافة، لأن الثقافة هى مدخل كل شىء.

ومن خلال تجربتى مع محافظة الفيوم، فهى محافظة سياحية قريبة من القاهرة وتبعد عنها بمسافة ٩٥ كيلومترًا فقط، وبالتالى فإنها يمكن أن تكون من المحافظات الثرية جدًا من الناحية السياحية، ومن ثم يمكن توفير فرص عمل كثيرة جدًا فيها للشباب.

وقد تم تنفيذ دراسة متكاملة عن تحويل «بحيرة قارون» لمحمية، أى تحويل البحيرة وما حولها إلى منتج سياحى عالمى، إذ يبلغ طول البحيرة ٤٤ كيلومترًا، ومتوسط عرضها ما بين ٤ و٥ كيلومترات، وبالتالى فهى بحيرة ضخمة جدًا ويمكن الاستفادة منها استفادة عظيمة.

والعمل على تنمية هذه المناطق سوف يغيّر من محافظة الفيوم، وغيرها من المحافظات الأخرى، بحيث يمكن القضاء على التطرف بكل سهولة ويسر، وبأسلوب مقنع جدًا على أرض الواقع.

ما تفاصيل مشروع «الشباب الصناعى» بالفيوم؟

- مشروع «الشباب الصناعى» كان رد فعل من محافظة الفيوم على استيلاء الإخوان على ١٢ فدانًا فى المنطقة الصناعية، وبعد استعادة هذه الأراضى تم تنفيذ ورش صغيرة، تبلغ مساحة الورشة الواحدة ١٠٠ متر، لإجمالى ١٤٤ شابًا، يعملون لإنتاج المواد الخام التى تحتاجها المصانع المتواجدة فى منطقة كوم أوشيم، حيث توجد مصانع ورق وزجاج وغيرها.

والشباب استأجروا تلك الورش ودفعوا إيجاراتها للمحافظة، وبدأوا فى عملية الإنتاج، على أن تؤول ملكية هذه الورش لهم بعد دفع إجمالى إيجارات تساوى قيمة الوحدة.