رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيسبوك.. أدباء يبدعون بعد موتهم

 

 

لأن الأدباء شعب عنيد دءوب فإن بعضهم وفقًا لفيسبوك يواصل تقديم كل جديد حتى بعد قرن من وفاته، فالموت لا يعوق الأدباء عن الكتابة حتى فى أصعب الظروف. وها نحن نقرأ مؤخرًا فى فيسبوك قصة جديدة للكاتب الروسى أنطون تشيخوف، الذى توفى فى ١٩٠٤، تحت عنوان «من أعنف ما كتب فى الأدب الروسى»، وتأتى على لسان الراوى الذى يحكى أنه بعد وفاته جاء إليه أحد الملائكة: «يحمل شيئًا يشبه شاشة التلفاز، وأخبرنى أن التوقيت بين الدنيا والآخرة يختلف كثيرًا، وأن الدقائق هنا تعادل الكثير من الأيام هناك، ثم قام الملاك بتشغيل الشاشة فظهرت زوجتى مباشرةً تحمل طفلًا صغيرًا!، وكانت الصورة مسرعة جدًا».. إلى آخره. 

المشكلة أن تشيخوف عاش وتوفى ولم تكن روسيا قد عرفت التليفزيون الذى يرد ذكره فى القصة، إذ لم يبدأ البث التليفزيونى هناك إلا عام ١٩٣٩، أى بعد وفاة الكاتب بخمس وثلاثين سنة، وبداهة لم يكن تشيخوف ليكتب عن شىء لم يره قط، ولا عرفه.

وفى ذلك السياق ترد أقوال كثيرة تنسب إلى زعماء وأبطال لم ينطق أحدهم بحرف منها، مثال ذلك عبارة ترد على لسان جيفارا مع صورته: «إذا أردت أن تحرر الإنسانية فضع السيجار فى زاوية فمك وانطلق إلى الأمام»! 

ومثل هذا الهجس كثير، ومنتشر، ولا سبيل لوقفه أو تصحيحه. ومع أن نحو أربعين عامًا تفصلنا عن رحيل الشاعر الكبير صلاح جاهين إلا أنه يرسل إلينا من العالم الآخر قصيدة يقول فيها: «عجبى عليك يا مصر يا سابقة فى كل عصر.. وإزاى نصدق وعدك وانتى هاريانا فشر»، ويتناقل الكثيرون ذلك الهراء، الذى لا يمت بصلة للشاعر الكبير، على أنه من إبداع جاهين. 

ووفقًا لما جاء فى فيسبوك فإن نجيب محفوظ، الذى توفى عام ٢٠٠٦، ما زال يكتب لنا ما لم نقرأه قط فى حياته، ومن ذلك ما نشروه مصحوبًا بصورته: «حافظ على الجزء التافه فى شخصيتك، الجزء الذى يجعلك تضحك بلا سبب وترقص بلا سبب، وتبكى بلا سبب وتصرخ بلا سبب، وتحب بلا سبب وتكره بلا سبب، ولا تسألنى ما السبب». وبداهة فإن هذه الأقوال التى تتمحك فى الظرف والرشاقة لا تمت للأستاذ الكبير بصلة. وتلفيق الأقوال، والحوارات، والمقابلات مسألة أقدم بكثير من ظهور وسائل التواصل، وبذلك الصدد يقول جابرييل جارثيا ماركيز فى أحد مقالاته إنه استيقظ ذات يوم فى سريره بمدينة مكسيكو وطالع الصحف، فإذا فى إحداها خبر مطول عن أنه ألقى محاضرة أدبية أمس فى مدينة بالمادى بجزر الكنارى. ويضيف ماركيز: «إن المراسل الصحفى لم يكتفِ بسرد تفصيلى للحدث، بل وقدم عرضًا موجزًا للمحاضرة التى ألقيتها، ولم يكن فى كل ذلك سوى عيب واحد أننى لم أكن فى تلك المدينة منذ عشرين عامًا، كما أننى لم ألقِ طوال حياتى محاضرة واحدة عن أى موضوع فى أى مكان بالعالم». 

التلفيق قديم، لكن وسائل التواصل أفسحت له مجالًا كبيرًا، حيث تنعدم أى مراجعة أو تصحيح وتدقيق، وبعض ذلك التلفيق يتم بحسن نية، وبعضه لأن الناس أحيانًا ينسبون خواطرهم الشخصية إلى كاتب عظيم لكى يحيطوا خواطرهم بهالات الإعجاب، حتى لو كانت موقّعة باسم آخر، المهم أنه كفيل بجلب التقدير لهم.