رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البحث عن الحقيبة الفارغة!


لا أحد يبحث عن الحقيبة الفارغة بالتأكيد.. الجميع يبحثون عن الحقيبة الممتلئة، ومهما يكن الامتلاء إلا أنه مغر قبل المعاينة حتى، الحقيبة الثقيلة مرغوبة والخفيفة لا، والعجيب أن كثيرين منا تفرغوا للبحث عن الحقيبة الفارغة التي لا تحوي شيئا (لا يعني الفراغ هنا خلوا مطلقا من الأشياء قدر ما يعني خلو الأشياء المحتواة من المعاني التي تثقلها حقا).. ما أقوله حقيقي للأسف، ولو تأمل الناس الحياة تأملا ثاقبا وركزوا على ما يجري فيها لشاهدوه بعيونهم ولمسوه بأيديهم واندهشوا طبعا، ولكنها الدهشة التي تزول بالتكرار وتمحي بالاستمرار.. 
المسألة كخبر تافه لا وزن له، وألوف الأشخاص وربما ملايين، يرددون سطوره بلا تفكير، وينشرون فحواه في الأرض حريصين على إثبات صحته، والأخطر أنهم يطورونه مع الوقت، وكلما ذهب إلى الموت جددوه وبعثوه، قد يقول لهم مئة قائل، من أهل الصدق، إن خبرهم لا شيء فإذا بكلام هؤلاء الصادقين يعزز رسوخ الخبر في نفوسهم، بل يعتبرون الصدق، وهم يعرفون أنه كذلك، نوعا من الكذب المتعمد لصرفهم عن ما اطمأنت إليه نفوسهم، وهكذا دواليك!!
اختلال فظيع ضرب الواقع ضربا أتلف منطقه، ولعل الأسباب مفهومة، بعضها متاعب نفسية أصابت البشر من كثرة ما تعرضوا للخذلان، بخل إخوانهم عليهم وتخليهم عنهم، وأصابتهم أيضا من فرط ضياع الحقوق الواضحة، ومن شدة ما فقدوا الثقة بأنفسهم وبالآخرين، إلى جانب أسباب عامة قاسية كالانهيارات الاقتصادية والتفسخات الاجتماعية، والعالم الذي بات مهددا بالفناء لو غضب غاضب من الذين يتصارعون وفي قبضاتهم أطنان من الأسلحة النووية الفظيعة المهلكة..
لم يعد أحد يصحو وفي يقينه الخير، يلقي صباح الخير في طريقه إلى العمل، لو كان لديه عمل، ويسمعها من غيره بطول الطريق، لكنه ليس منتظرا خيرا بالمعنى الذي يجعله هادئ الدواخل، بل يغلي، والباقون مثله، بيد أنهم جميعا حفظوا التحية، وصاروا يلقونها ويسمعونها من غيرهم كيفما اتفق..
في إحدى المحطات أعلن المذياع عن وجود حقيبة فارغة بمكتب ناظر المحطة؛ فضحك المسافرون ولم ينظر أحدهم إلى حقائبه التي أمامه، ولما أعلن، في مرة أخرى، عن حقيبة تضم أشياء مهمة؛ تحسسوا حقائبهم مبالغين وعدوها عدا، لكنهم نسوا، في المرتين، أنهم يهتمون اهتماما غريبا بالفارغة، في أيامهم وأحداثهم، وقد لا يبالون بالممتلئة، والمثال الأقرب توضيحا أن الإنسان كثيرا ما يهرب من عمله المزدحم بالمسئوليات، يضجر منه فيغادره طويلا، يلبي نداء صحبته اللاهية سرمديا؛ فتتراكم عليه أمور كان يجب أن ينجزها عاجلا، يستلذ اللعب شاعرا أنه الأفضل حتى تحدث له مشكلات تفضي إلى خسرانه لوظيفته..      
لنكن مع الترويح عن الأنفس، وما إليه، إذا أصابنا الملل، ولكن ليتنا نكون مقتصدين في الأمر؛ هذا هو العدل وهذه هي الحكمة!