رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرن من الدماء.. صبرة القاسمى: الإخوان جعلوا النساء دروعًا بشرية فى «رابعة» ومنعوا خروج الشباب من «الممرات الآمنة»

المحامى صبرة القاسمى
المحامى صبرة القاسمى ومحمد الباز

٢٠ عامًا أمضاها المحامى صبرة القاسمى، الباحث فى شئون الإسلام السياسى مؤسس الجبهة الوسطية لمكافحة التطرف، فى صفوف التنظيمات الإسلامية المختلفة، أدرك خلالها أن كل تيارات الإسلام السياسى خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية، التى ظلت دائمًا تلعب دور المحرض على العنف دون أن تمارسه علنًا إلا حين تصبح فى بؤرة الصراع. 

فى حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، تحدث صبرة القاسمى عن خلاصة تجربته مع جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجماعات الإسلامية، وأكد أن عناصر الجماعة لا يتعلمون من دروس الماضى ولا يحبون الشعب المصرى، بل يرغبون فى معاقبته بعد تصديه لهم خلال ثورة ٣٠ يونيو، مشيرًا إلى أن الجماعة تعمل على بناء مظلوميتها الخاصة، رغم اعترافات عناصرها بممارسة العنف وبالتورط فى حوادث التفجير والاغتيال المختلفة، على رأسها حادثة اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات.

 

■ ماذا عن بداية انضمامك للجماعات الإسلامية؟

- بداية انضمامى للجماعات الإسلامية كانت فى عام ١٩٨٥، وكنت وقتها شابًا صغير السن وقليل الخبرة، وأعجبت بشعارات وأفكار هذه الجماعات، ومنها الإخوان والسلفية والجهاد الإسلامى والجماعة الإسلامية، وأبناء هذه الفترة انخرطوا فى هذه الجماعات حتى سنة ١٩٩٠، وكانوا موزعين عليها، وكان الشاب يبدأ إخوانيًا ثم ينتقل إلى الجماعة الإسلامية أو العكس.

وكنت حينها فى الإسكندرية، وكان الداعية وجدى غنيم له لسان خطير وأسلوب ساخر، وكان يبهر الشباب بمعارضته نظام حسنى مبارك، والإنسان عدو ما يجهل، وقد كان الشباب يجهلون نظام الحكم وكيف توفر الدولة الأمن للمواطن، وتعمل لصالحه، ولو كان لدى أى شاب مشكلة فإنه يعمل على الانتقام من الدولة بسببها، والمتنفس وقتها هو الانضمام للجماعات الإسلامية.

وكنت من ضمن الناس الذين وقعوا فريسة لهذا البوق، وجدى غنيم، وعشت تجربة طويلة امتدت من ١٩٨٥ إلى ٢٠٠٥، أى أنى عاصرتهم فى كل الظروف مدة ٢٠ سنة، وتنقلت بين الجماعات، منذ بدأت مع الدعوة السلفية وتعلمت الفقه وحفظت أجزاء من القرآن ثم ذهبت إلى مساجد الإخوان، وبعدها التحقت بالجهاد الإسلامى، واشتركت معهم فى بعض الأشياء المناهضة للبلد، وحُكم علىّ وقتها ودخلت السجن، فى أبريل ١٩٩١، بعد اتهامى بالانتماء إلى الجماعات الجهادية.

■ متى أدركت دور جماعة الإخوان الإرهابية فى تغذية العنف؟

- خلال فترة وجودى بالسجن، ووجودى مع عناصر الإخوان والجماعات الإسلامية، رأيت أن جماعة الإخوان تحرض على العنف ولا تمارسه إلا عندما تكون فى أتون الصراع، كما رأيت أن كل تيارات الإسلام السياسى واحدة، وتصب فى بعضها البعض، وكل الجماعات التكفيرية خرجت من رحم جماعة الإخوان، بداية من نقل سيد قطب أفكار أبوالأعلى المودودى، أى أن الإخوان تغذى عمليات العنف، وتعاونها فى ذلك أبواق السلفية.

فمثلًا، محاولات اغتيال جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسنى مبارك لا يمكن لأحد أن ينكر دور الإخوان فيها، لأن الأساس الفكرى لكل الجماعات الإرهابية، ومنها «داعش»، هو بعض أفكار سيد قطب، كما أنه قبل نشأة جماعة الإخوان لم يكن هناك عنف فى مصر، بل إن الجماعة منذ نشأتها تحرض ضد كل الأنظمة، حتى الأنظمة التى تؤويها حاليًا ليست بمنأى مستقبلًا عن عنفها، حتى وإن ادّعت كذبًا أنها بعيدة عن العنف.

وأذكر أنى فى نهاية الثمانينيات حضرت مع وجدى غنيم فى مسجد الهدى، وأنا أطلق عليه لقب «الشيخ البهلوان»، فهو ساحر فى الكلمات، ووقتها سأله أحد الشباب، وكان اسمه صلاح محمد إبراهيم عبدالجواد، وقال له: «إن حسنى مبارك يحكم بغير ما أنزل الله ويعذب المسلمين فى السجون فهل يجوز قتله؟»، فرد وجدى غنيم بأسلوبه الساخر: «مين قالك متعملش حاجة ضده؟».

والجملة خرجت بطريقة ساخرة، لكنها فى عقيدة الشاب أصبحت فتوى باغتيال مبارك والعمل ضد أجهزة الدولة، وبعد ٣٠ يونيو وعزل محمد مرسى لو نظرنا لتصريحات وجدى غنيم سنجدها كلها ضد أجهزة الدولة.

■ هل هناك ترابط بين الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان؟

- طبعًا، الجماعة الإسلامية هى ظل لجماعة الإخوان فى جامعتى القاهرة والإسكندرية، وكل العناصر المتورطة معها تربّت مع الإخوان فى الجامعات، فهى المحرك الأساسى وصاحب الفكرة، لكن الإخوان أرادوا للجماعة الإسلامية أن تتخذ هذا الاسم لكى يعلنوا تبرئتهم منها بعد ذلك.

فجماعة الإخوان دائمًا ما تلعب دورين، دورًا بشوشًا دون عنف ودور المحرض على العنف، وقد قال الإخوانى محمد البلتاجى إنهم قادرون على إيقاف العنف فى سيناء. هذه العبارات تدل على نفاق الجماعة، وعلى الدور الذى تلعبه على بعض الأراضى لصالح دول أخرى، بنفس الطريقة والسيناريو، فهى التى تحرك المشهد.

■ هل الجماعة تكره مصر والمصريين؟

- الإخوان لا يتعلمون من دروس الماضى، ولا يحبون الشعب المصرى، ولا يتمنون الرخاء لهذا البلد على مدار تاريخهم، فقط تهمهم مصلحة الجماعة، فخيرت الشاطر ومرشد الإخوان حاليًا محمد بديع طلبا منى- أمام المحامى مختار نوح وأثناء وجودنا بالسجن فى بداية الألفينات- أن أجد وسيطًا مع الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك لإبلاغه بأن الجماعة مستعدة لدعم جمال مبارك فى الانتخابات، ولكن بشرط أن تستفيد.

وقد ناقشتهم وقتها، وقلت: «هنفترض إننا وصلنا لمبارك.. فأول سؤال سيتبادر للعقول هو كيف تتحول الجماعة من معارضة مبارك إلى موالية لجمال مبارك؟»، وردوا علىَّ وقتها وقالوا: «هذه هى السياسة.. والمهم أن تستفيد الجماعة».

■ الجماعات التكفيرية تبيع بعضها وتغير أفكارها من أجل المصلحة.. فكيف رأيت ذلك؟

- هناك بعض الحوادث القريبة فى ريف إدلب والشمال السورى المحتل لو تم تتبعها سنرى أن الطيران الأمريكى يستهدف عناصر من تنظيم «داعش» هناك، وهذه العناصر يربطها خيط رفيع ببعض العناصر الجهادية التى تعيش تحت مظلة الإخوان فى دولة إقليمية، ومنهم محمد الغزلانى، المتهم فى أحداث كرداسة، الذى كان موجودًا فى منصة رابعة.

وعمومًا أجندة الإسلام السياسى فى العالم العربى وفى شرق آسيا ومناطق محددة فى أوروبا مرتبطة أساسًا بأهداف التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وهذا هو الجزء الخطير الذى لا بد أن ينتبه له الجميع، وقد انتبهت إليه بعض دول أوروبا، من بينها النمسا مؤخرًا، فأدرجت الإخوان على قوائم الإرهاب، لأن هناك شبكة كبيرة يقودها التنظيم الدولى للإخوان، وتعمل فى الخفاء وخلف الستار، ولكن الأحداث على الأرض توضح أنه اللاعب الأساسى والمحرك لكل الجماعات.

ويمكن فى الآونة الأخيرة ملاحظة أن هناك تركيزًا على الملف المصرى، فى محاولة لإفشال نجاحات الدولة المصرية، مع التركيز على الإساءة لأجهزة الدولة، وهو أمر يمكن أن يرصده أى مواطن إذا تتبع الأحداث بتجرد.

■ هل باع الإخوان حلفاءهم فى رابعة؟ 

- بالطبع، وهناك دائمًا مشكلتان عند الإخوان، الأولى هى المظلومية التى تدعيها الجماعة، ومحاولة خلق «هولوكوست» لإقناع الجميع بمظلوميتهم، والثانية هى أنهم يزجون بالبنات فى الأحداث، وهذه خسة وندالة، لأنهم يضعون الفتيات فى مقدمة الأحداث.

فى رابعة، كان كل القيادات على علم بموعد فض الاعتصام، وفتحت الدولة عددًا من المعابر لخروجهم، ومع ذلك أصروا على أن يتركوا الشباب ليحمل الأسلحة ويتعامل مع الأحداث فيلقى البعض حتفه ويعتقل الآخرون.

ولو رأينا حجم الأحكام بالسجن والإعدام التى صدرت بشأن قيادات وأبناء جماعة الإخوان لرفعنا القبعة للقضاء المصرى، لأنه قضاء عادل ولم يعاملهم بنفس نظرتهم للمجتمع المصرى، لأنهم يحقدون على المجتمع ويريدون الانتقام من المصريين، ويريدون أن يعاقبوا الشعب المصرى على ثورة ٣٠ يونيو، لكن الأحكام كانت مبررة قانونًا ولم يصدر أى حكم ضد برىء، ولو قارنا ذلك بإحصائيات أحداث العنف التى جرت؛ لوجدنا مئات الشهداء والقنابل والحرائق وحالات الاعتداء على المواطنين ودور العبادة، سواء مسجدًا أو كنيسة.

فى المقابل، الدولة المصرية لم تعتدِ على امرأة أو فتاة، بل عاملتهن بكل رحمة فى أحداث رابعة، ولكن الإخوان هم الذين أقحموا المرأة فى الصراع.

أما عن المظلومية، فهناك وضع استقر واستتب بناء على رغبة الشعب المصرى، الذى وجّه النداء للفريق أول عبدالفتاح السيسى كى ينزل الشارع ويمنع الاقتتال ويحافظ على أرواح المصريين وأركان الدولة المصرية.

والرئيس السيسى لم يتأخر عن الشعب المصرى بل حافظ على الثورة وتصدى لتلك الجماعات، وكل التحية والتقدير للجيش المصرى الذى حمى الشعب ومنع عنف الإخوان.

هذا الوضع أكمله الرئيس عدلى منصور، برغبة الشعب المصرى وإقراره، ثم حصلت انتخابات حرة نزيهة تولى فيها الرئيس السيسى رئاسة الجمهورية، وكان هناك وضع سياسى مستقر، وكل ما تدعيه جماعة الإخوان حول ذلك هو ادعاءات كاذبة، فكل الدول تقر وتعترف بالنظام السياسى الموجود فى مصر، إذن هناك باطل تروّج له الجماعة.

وعمومًا فإن كل رؤساء مصر لم يستطيعوا أن يحققوا ما حققه النظام الحالى فى مساندته الشعب المصرى وقضائه على الجماعة الإرهابية، ففى هذا العصر الشعب المصرى هو الذى لفظ جماعة الإخوان، على عكس الأنظمة السابقة التى كان النظام فيها هو الذى يلفظ الجماعة الإرهابية.

■ ما علاقة التنظيم بأحداث التخريب بعد ثورة ٣٠ يونيو؟

- حادث اغتيال النائب العام هشام بركات خير دليل على سياسة التنظيم فى تلك المرحلة، إذ أعلنت جماعة الإخوان، من خلال فيديو تم بثه لمدة ٣ أيام ثم حذفوه، عن اغتيالهم النائب العام، أى أن الأحكام التى صدرت ضدهم كانت بعد اعترافهم.

وكانت هناك والدة أحد المشتركين فى العملية تدّعى عدم اشتراك ابنها فى القتل وتقول إنه «أرشد فقط عن مكان منزل النائب العام»، ورغم أن هذا كان اعترافًا منها على ابنها، إلا أنها تدّعى أنه مظلوم، وهذا إن دل على شىء فهو يدل على حجم الزيف والضلال الذى تمارسه الجماعة فى خطاب مظلوميتها، وادعائها أن الدولة هى من قتلت أبناءها.

ونقيس على ذلك كيفية تلاعب الإخوان بعقول الشباب وأسرهم، يعنى هم يستغلونهم ويقبضون ثمن تحريك هؤلاء الشباب من الخارج.

■ ما آخر تحركات الجماعة على مستوى الخارج والإعلام؟

- كنت مهتمًا دائمًا بمتابعة تحركات التنظيم ومصادر التمويل وطبيعة الشائعات والرد عليها، وعندنا حاليًا نموذج مثل تامر جمال، الذى يتاجر بالشباب عبر خطابه الزائف الذى يضفى على نفسه رداء البطولة، ويدعو لتكوين مجموعات من ٧ أفراد، يسميهم «البراغيث»، وهم موجهون للكتابة على الحوائط للاستعداد للانضمام إلى من يسميهم بـ«السباع».

مجموعة «البراغيث» تعمل على إحداث وبث حالة من العنف والرعب فى صفوف الشعب المصرى، وحرق ممتلكات الدولة المصرية، وحرق خصوم جماعة الإخوان الإرهابية.

وهى أوضاع لا نرغب أن ينخرط فيها أى شاب مصرى عبر انضمامه لتلك الجماعات المتطرفة، حتى لا يضيع عمره وراء حلم زائف، وأمور غير حقيقية، وهذه هى خلاصة تجربتى.

ولا يجب أن ننسى أن الإخوان بعد اغتيال الكاتب فرج فودة أعلنوا رفضهم العنف، لكنهم أيضًا سجدوا سجدة شكر لله داخل السجن، أى أنهم فرحوا لاغتياله، والمدانون فى قتله هم عاصم عبدالماجد وصفوت عبدالغنى، الخائن لعهود الجماعة مع الدولة، ولكل العهود التى اتفقوا عليها، لأنه وافق وأيد، بل كان من الذين سعوا لمبادرة وقف العنف وذهبوا للسجون لإقناع من هناك بمبادرة نبذ العنف، لكنه سرعان ما انقلب على تلك العهود.

والتقارب الذى حدث بين طارق الزمر وصفوت عبدالغنى وغيرهما كان تقارب مصالح، والدين بعيد تمامًا عنه، لأنه برىء من أفعالهم، وما كان بينهم هو لعبة سياسية قذرة، فالدين لا يحرض المصرى ضد المصرى ولا المسلم ضد المسلم.

■ ما طبيعة الخلاف بين صفوف التنظيم فى الوقت الحالى؟

- هناك مشكلة منذ عدة أيام بسبب محمود حسين وإبراهيم منير، فقبل وفاة الأخير كانت هناك كتائب إلكترونية تعمل لصالحه، بأمر من أحمد عبدالرحمن، مسئول هذا الملف، وبعدما استخدم هؤلاء فى الصراع تركهم فى شوارع الدولة الإقليمية مشردين من غير مصروف، فهم لم يحصلوا على جنسية أو أموال أو أى شىء، بل تم استغلالهم مثل ورقة المناديل، وهذا يكشف عن كم أن الشباب مخدوعون فى هؤلاء، حتى إن هناك البعض يفرحون فقط لمجرد ملامسة ملابس هؤلاء الشيوخ الكبار.

متى توصلت لحقيقة جماعة الإخوان؟ 

- توصلت لحقيقة الإخوان وأنا معهم داخل السجن، وأدركت براجماتية الإخوان، وأن مساعدتهم حتى لشباب المساجين جاءت لأنهم يتبعون الجماعة وليس انتصارًا للإنسانية، وبعدما رأيت أنهم يصدرون بيانًا فى الصباح يستنكرون فيه ضرب السياحة ثم يحتفلون فى المساء بمحاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك فى أديس أبابا.

وعنها علمت أن الجماعة الأخطر هى المحركة للعنف وليست الفاعلة له، فالأخطر ليس الشخص العنيف ولكن المحرك للعنف، لأن الدولة تستطيع مجابهة العنف بعنف، ولكن لا تستطيع ذلك تجاه من يحرك العنف ويعمل بالخفاء. الإخوان جماعة خبيثة متعددة الأوجه، وعندما لفظهم الشعب المصرى فإنه لفظ المحرك للعنف والمحرض ومنبع الأفكار والمنفذ أيضًا، فالشعب فهم التجربة وأصبح هناك وعى بمدى كذبهم وزيفهم، وفهموا من هو الظالم فى الحكاية ومن يحرض ومن يبث الشائعات، ومن يحاول إثارة الفتن والبلبلة فى كل الموضوعات.