رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابنى لفوق.. امشى لقدام

مارحتش العلمين... ولا أذكر أننى قرأت عنها فى كتاب ما... فقط لمحتها من بعيد عند سفرى إلى مطروح، وكل ما أتذكره من كتابات صحفية عنها يذكرنى بقصة الألغام التى زرعوها فى رمالها أثناء الحرب... ومقابر الذين ماتوا هناك من أجانب مروا من هناك عندما قرر العالم أن يتحارب على أراضينا. 

 

الآن تطل علينا العلمين من الشاشة... صورة ساحرة تداعب خيال الحالمين بحياة أفضل ونسمة هواء فى مدينة مختلفة، حتى وإن لم يحدث ذلك فى التو واللحظة... ربما يحدث فى شهر قادم أو سنة قادمة... المهم أنها عمران جديد وحيوات جديدة تنضم إلى حلوة الحلوات. 

 

لا أعرف لماذا تذكرنى العلمين الجديدة بقصيدة لعمنا فؤاد حداد كتبها أيام حرب أكتوبر، وغناها سيد مكاوى محرضًا على السعى والبناء... تقول... ابنى لفوق... امشى لقدام.... ونحن يبدو أننا استجبنا لنداء عم فؤاد ومضينا خطوات نحو حياة يستحقها المصريون. 

 

تابعت بفرح شديد حفلات العلمين التى تقدمها الشركة المتحدة ولأيام أخرى قادمة... مطربون من كل العالم العربى، ومن كل الأجيال، وجمهور يذهب خصيصًا إلى هناك... ليكتشف بنفسه ماذا فى تلك الصحراء التى كانت مجرد ألغام قابلة للانفجار فى أجساد من يفكر أن يتوه هناك؟... ووسط هذه الاحتفالات أدهشنى وجود شخصيات بارزة من دول عربية شقيقة جاءت لتقضى إجازة قصيرة بالقرب من البحر... بحر مصر الذى لم يعد المتوسط، بل صار منحازًا إلى كل هذه البهجة. 

 

فكرة البناء هى فكرة مصرية خالصة... تلك الأهرام التى تبتسم للعالم منذ آلاف السنوات هى بناء مصرى... ليست شواهد... ولا هى مقابر لإيواء الأجساد... هى مبانٍ تحمل سر المصريين الساعين إلى الخلود... هى رسالة العمران إلى العالم أجمع من بناء مصرى فهم سر الحياة، وأراد أن ينقله لنا وللعالم.. لقد أتينا لنعمرها... نحن الخلفاء على هذه الأرض لنزرعها ونبنيها ونبتهج بها.

 

هذه رسالة العلمين كما أفهمها... وهذا هو سر احتفالنا بها... هناك حكى منير حدوتة مصر... ورقص العرب والأجانب على إيقاعاته، وهم يتنسّمون نعناع جناين المحروسة... القصة مش فى الغناء والرقص... القصة فيما وراء الغناء... هذا بلد يحب الحياة... هذه البلاد تسخر من الذين يذهبون إلى التعاسة... هذه البلاد قادرة أن تمضى إلى الأمام... تبنى لفوق... وتمشى لقدام. 

أعرف الجغرافيا والتاريخ لكننى لا أفهم فى أمور المناخ... ولا أعرف كيف سيكون حال العلمين بعد أن يمضى الصيف... لكننى أتمنى أن تصير أيامها مبهجة وحاضنة لكل ضيوفها صيفًا وشتاء... كما أتمنى وأحلم أن تصير كل الصحراوات التى تحاصر الوادى... علمين أخرى... فهذه الحلوة... حلوة الحلوات... قادرة على عيش حياة تليق بها وبنا.