رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا نقرأ لأطفالنا؟

أتم حفيدى ثلاث سنوات، وأثناء الاحتفال بعيد ميلاده سألتنى هانيا ابنتى، والدته: بابا.. ماذا أقرأ له من الأدب؟. أول ما خطر فى بالى على الفور اسم هانز كريستيان أندرسن الذى حلت ذكرى رحيله المائة والثامنة والأربعين فى ٤ أغسطس، صاحب الحكايات العبقرية «جندى الصفيح»، و«ملكة الثلج» وغيرهما. هتفت باسمه: أندرسن. مطت ابنتى شفتيها بضجر قائلة: نعم. ومن فرنسا أعرف شارل بيرو الذى قدم أشهر الحكايات مثل «سندريلا»، و«ذات الرداء الأحمر» وغيرهما. وبالطبع هناك أسماء لامعة من روسيا مثل «صموئيل مارشاك»، والكاتبة المدهشة «أجنيا بارتو».. ولا ينسى أحد الكاتب الإنجليزى «لويس كارول» ورائعته «آليس فى بلاد العجائب» التى صدرت فى ١٨٦٥. 

هذا كله جميل، لكننى أسألك: ماذا أقرأ له من الأدب العربى؟ المصرى؟. تحيرت لحظة أمامها وارتج علىّ. العلماء يقسمون الأطفال عادة إلى ثلاث مراحل عمرية، الأولى حتى السادسة من عمر الطفل، ثم من السادسة حتى الثانية عشرة، وأخيرًا إلى ما قبل الثامنة عشرة. ماذا لدينا لنقرأه على أطفالنا وهم دون السادسة؟ أى فى المرحلة الدقيقة التى يتشكل فيها الوجدان مرة وإلى الأبد؟ 

عبرت أمامى رحلة أدب الطفل فى بلادنا التى بدأها رفاعة الطهطاوى حين ترجم وأدخل قراءة القصص منهاجًا فى التعليم المصرى، وبعث برسائل إلى «سلحدار باشا» وكيل الحكومة المصرية المقيم فى لندن يطالبه فيها بأن يرسل إليه كتبًا مطبوعة ومؤلفات للصغار، بحيث «تميل أذهانهم إليها». لكنها البداية التى خيمت عليها العتمة حتى ظهر أحمد شوقى، وهو أول من ألف القصص الشعرية للأطفال، ووضعها فى ديوانه «الشوقيات» تحت عنوان «الشوقيات الصغيرة»، واستفاد شوقى فى تجربته من حكايات لافونتين ذائعة الصيت، وقد أقر بذلك فكتب يقول: «وجربت خاطرى فى نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير». لكن هل ما زالت قصائد شوقى تصلح لأطفال اليوم الذين تطوقهم أدوات التطور العلمى فى عصر مختلف تمامًا؟

برز بعد ذلك بعقود الكاتب المرموق كامل الكيلانى، الذى نال عن حق لقب «رائد أدب الطفل» لأنه تفرغ لذلك وعكف عليه فترك إرثًا كبيرًا، إذ كتب وترجم نحو ألف قصة، نشر منها فى حياته مائتى قصة، وقام أبناؤه بعد ذلك بنشر خمسين أخرى. أيضًا كان الكيلانى أول من خاطب الأطفال عبر الإذاعة فاستمعوا إلى حكاياته المستلهمة من التراث العربى «شهرزاد»، و«مصباح علاء الدين» وغيرهما. ولم يظهر بعد ذلك بمدة سوى يعقوب الشارونى، وعبدالتواب يوسف، ثم خلت الساحة من جديد. بِمَ إذن أنصح ابنتى؟ وما الذى يمكن لها أن تقرأه على طفلها؟ وبعبارة أخرى ما الذى يمكننا أن نقرأه على أطفالنا؟

فى هذا السياق جدير بالذكر ما أعلنه الجهاز المركزى للإحصاء العام الماضى من أن عدد الأطفال فى مصر بلغ أكثر من واحد وأربعين مليون نسمة! ولا يجد هذا العدد الضخم فى سنواته الأولى ما يفتح خياله وينمى معارفه وذوقه، ولا يجد، حسبما قال توفيق الحكيم عن أدب الطفل: «ما يتناسب مع قدرات الطفل، وحاجاته، وقاموسه اللغوى، ومع ثقافته ومع البيئة التى ينتمى إليها». المشكلة هنا أنك لا تستطيع أن تجبر الأدباء على الإبداع فى مجال الكتابة لا للطفل ولا لغيره، لكن يبقى أمل أن يقوم مركز توثيق وبحوث أدب الطفل، والمركز القومى لثقافة الطفل، والمجلس القومى للأمومة والطفولة بعقد مؤتمرات حول أدب الطفل، يدعى إليها الكتاب، للإجابة عن السؤال: ماذا نقرأ لأطفالنا؟، وبعبارة أخرى: أين يمكن أن نجد ما نقرأه لهم. وحينئذ ربما أتمكن من الرد على سؤال ابنتى وأسعد برؤية حفيدى وهو ينصت إلى الحكايات العربية.