رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفريقيا شركاء لا أجراء


في ظل عالم يموج بالصراعات السياسية وعدم الإستقرار وحالة من الإستقطاب السياسي الحاد والقوي المتحاربة،  آفاق جديدة ترسمها القارة الإفريقية كشريك صانع لأبجديات العالم الجديد،إفريقيا اليوم باتت أكثر ادراكا لطبيعة علاقتها الخارجية، تحدد معالم أجندتها وهي في طريقها إلي حضور القمة الروسية الإفريقية الثانية بمدينة "سان بطرسبرج" برئاسة "فلاديمير بوتين" وزعماء 17 دولة و49 وفدا إفريقيا.
قمة جاءت في ظروف شديدة التعقيد، يمر بها العالم أجمع والقارة الإفريقية على وجه التحديد،.. زعماء إفريقيا كانت مطالبهم واضحة ومحددة :"يتعين علي روسيا  إنهاء الحرب الاوكرانية على أساس العدل والمنطق، وعودة روسيا إلي إتفاقية الحبوب". ذلك على اعتبار أن القارة الإفريقية الأكثر تضررا من تداعيات هذه الأجواء.
في مقابل ذلك، تسعي روسيا  لتوظيف القمة كورقة سياسية في وجه الغرب والعزل السياسي ضدها، هذا لايعني أن دول إفريقيا تقبل بأن تكون ورقة ضغط بل يجب أن تكون لاعب قوي تعرف كيف تستخدم أوراقها وتحافظ علي مصالحها واستكشاف فرص تعاون مع روسيا في مجالات مختلفة والحصول على الدعم الروسي في التنمية والبنية التحتية ،هكذا تكون السياسة النفعية البراجماتية، ومن ثم يمكن تحقيق أعلي المكاسب والمصالح للقارة السمراء.. انها فرصة سانحة للجميع في ظل عالم يموج بالاضطرابات وعدم الاستقرارومحاولة الأطراف الدولية من أن تكون أفريقيا حلقة من حلقات التنافس الدولي، ولاسيما أن "بوتين" أوضح جدية روسيا في تنفيذ قرارات القمة في كافة المجالات التي طرحها الحضور، كما أعلن أن روسيا وإفريقيا تعملان على تشكيل نظام عالمي متعدد الأطراف.
إن اعلان "بوتين" مواصلة تطوير التعاون مع الدول الإفريقية تأتي تعهدات الرئيس الروسي  في مجملها تصب لصالح إفريقيا، وعلي رأس هذه التعهدات إمداد وتأمين شحنات مجانية من 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب  وتبديد مخاوف وقلق دول إفريقية من توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية في البحرالأسود، استجابة روسيا لمبادرة منح الاتحاد الإفريقي العضوية الكاملة في مجموعة العشرين"، أيضا من أوجه التعاون المشترك التركيز على قطاعات البنية التحتية والتصنيع الزراعي والتحول الصناعي وزيادة المعروض من المنتجات لدعم نمو الاقتصاد الأفريقي خلال المرحلة المقبلة، إلي جانب تنوع الأسلحة والمعدات العسكرية، كما ستتعاون روسيا ودول إفريقيا في مكافحة الإرهاب، وسيتم التصدي لانتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب،كما دعا "بوتين" شباب إفريقيا لحضور مؤتمر الشباب في روسيا وفتح مجال التبادل العلمي وتعلم اللغة الروسية وتوسيع نطاق التعاون بين قطاعي الأعمال الروسي والإفريقي والأمن والعلوم والتكنولوجيا, كما جاء في معرض حديثه الدعم الروسي في مجال الصحة وتقديم برنامج مساعدات للرعاية الصحية بقيمة 1.2 مليار روبل للبلدان الإفريقية...هذا فضلا عن شطب عشرين مليار دولار من الديون المستحقة على دول القارة لروسيا.
العلاقات الروسية الإفريقية ليست وليدة اليوم، بدأ الاتحاد السوفيتي علاقاته مع إفريقيا منذ أربعينيات القرن الماضي، وتحولت العلاقة إلى حضور فاعل في عهد الزعيم السوفيتي "نيكيتا خروتشوف"، تزامناً مع حصول معظم دول القارة على استقلالها، ثم عادت وبقوة ودائما مايقدم "بوتين" روسيا كشريك تجاري للدول الأفريقية وليس منقذا، ويدعو للإستقرار الأمني وخلق شراكات متنوعة نحو التنمية المستدامة وتبادل الخبرات، وأن يكون التعاون عادلا لكلا الطرقين. 
يبدو أن الخلاف السياسي بين روسا والمعسكر الغربي جعل الأخير متربصا بنتائج القمة وملاحقتها إعلاميا بتصريحات لاذعة تقلل من أهميتها، حيث تصدرت بعض وسائل الإعلام الغربية بعنوان: "بحبوب مجانية وأسلحة فتاكة.. لعبة بوتين "الخطرة" ضد الغرب في إفريقيا".. والمراقب للشأن الدولي يلحظ الجميع إعلان وزراء خارجية المعسكر الغربي "لندن وفرنسا والأمم المتحدة" قلقهم من طموح الكرملين من توسيع النفوذ السياسي والإقتصادي في القارة السمراء ويراقبون بقلق عميق نتائج قمة "سانت بطرسبرج"، هذا الأمر لم يكن معلنا أثناء انعقاد القمة الأولي في مدينة "سوتشي 2019" والتي ناقشت العديد من القضايا وان لم تختلف كثيرا عن أجندة قمة 2023،بل هي استكمالا لما جاء في القمة السابقة والمقرر انعقادها بين روسيا ودول إفريقيا كل ثلاث سنوات.
يمكننا القول أن أوراق السياسية الدولية باتت معلنة للجميع، والحرب علي المكشوف وعلي زعماء إفريقيا البحث عن مصالحهم،الفرصة مواتية لفرض مطالبنا وبقوة .. هنا نستدعي كلمة الرئيس الراحل معمر القذافي: "نحن شركاء لا أجراء"