رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السوشيال ميديا التى صارت مخيفة!

فيما مضى كنت أغلق صفحتي في السوشيال ميديا مللا، والآن صرت أغلقها من الخوف.. الملل بسيطة أسبابه، وأبرزها التكرار، أما الخوف فمعقد الأسباب وتعقيد أسبابه يضاعف من الإحساس به!!
لماذا أخاف وليس في يد أحدهم هناك مسدس يمكن أن يطلق رصاصه باتجاهي؟! كان هذا السؤال مبدئيا، مع بدايات الشعور بالخوف، ولم تكن ثم إجابة مقنعة، وبعد تأمل ثاقب وجدت مسدسات بأيدي الجميع، ووجدت نفسي في مرمى الخطر. المسدسات كلام خاطئ بالغ التأثير، وأخبار لا ثبات لصحتها، وترندات مستفزة وتافهة لا تنتهي البتة، وفحش مقصود، وجهل مركب، ورسائل صادمة، وشائعات لا حدود لها، وفيديوهات وصور تستفز الأرواح، وموسيقى كأنها أصداء نفخ الشيطان..
لقد امتلأت السوشيال ميديا بالحروب والأكاذيب، وصار التبليك والحذف أكثر بكثير من الإضافة، والزيف أكثر بكثير من الحقيقة، والمجاملة أعلى نبرة من الصدق، لم تعد المودة سائدة كما كانت فيما فات، ولم يعد الغرض هو التعارف ولم يعد استعادة الذكريات، بل التجسس والشجار المؤسف والجدال الفارغ والمعايرة الذميمة..
بدأت أنا أرى الوجوه ليست طيبة، وكنت أراها طيبة، وبدأت أرى الأسماء المشهورة ليست مستحقة لشهرتها.. الأكيد أنني لا أتكلم عن الجميع، لكنني، بكامل الأسى، أتكلم عن قطاع عريض من المستخدمين، وليس عن جماعات محدودة بالمرة!
كل من أرادوا الإصلاح في هذه الساحة العابثة فشلوا، وكل من قاوموا الفساد المنتشر المتوغل يئسوا من مقاومته أو سقطوا فيه دون أن ينتبهوا إلى سقوطهم المرير.. الزحمة مهلكة ولو منظمة فكيف بالزحمة التي بلا نظام؟!
لا أدعو هنا أحدا لإغلاق صفحته، ولو مؤقتا، كما أفعل أنا، ويفعل قليلون غيري باستمرار، لكنني أدعو الناس الذين هجروا الواقع هجرانا مبينا واستقروا هناك أن يكونوا مبصرين لا عميانا، وأن يتفحصوا الأسئلة قبل الإجابات، ويتأملوا الآراء قبل شروعهم في التفاعل معها والتعليق عليها، حتى الرموز التي يضعونها على البوستات أيا كانت، رموز الإعجاب وما إليها، يجب أن تخرج منهم بحساب لا بتلقائية؛ لكيلا تدينهم في آخر الأمر، ويجب أن تكون هي التي في ضمائرهم فعلا..
أنا لست واحدا أنا أمثل كثيرين بالطبع وأنا خائف؛ لأن الدماء أغرقت الصفحات والناس العابثون يرون الدماء سائلا عاديا أحمر اللون، ولأن الروائح الكريهة جللت المكان الفسيح، ولا يزال السكان الغافلون يشمونها وردا عطريا، وهكذا مما صار عبئا ثقيلا على نفوس الطامحين الأنقياء..
كل ما علينا، لو شئنا البقاء معززين مكرمين في فضاء السوشيال ميديا، أن نتفق على فساد فادح أصابا مداها، وانحراف مخز شملها فسود وجهها بأكمله.. بعد ذلك يمكن أن يعود البيت الأثير أثيرا مجددا؛ إذ يمكننا ترتيبه بحيث لا تتشابك الخيوط مرة أخرى، وهنالك قد نطمئن بعد مخاوفنا الرهيبة!