رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القادم أحلى.. فصبرٌ جميل

فى إطار التوقعات الإيجابية للاقتصاد المصرى، كشف تقرير أعده بنك ستاندرد تشارترد عن تصدره المركز السابع عالميًا، ضمن قائمة أكبر عشرة اقتصادات عالمية بحلول 2030.. وتوقع التقرير، الذى نشرته وكالة بلومبيرج، أن يسبق الاقتصاد المصري، من حيث حجمه المتوقع وصوله إلى نحو 8.2 تريليون دولار، كلًا من روسيا واليابان وألمانيا.. وقال التقرير إن الصين ستكون أكبر اقتصاد فى العالم بحلول 2020، وفقًا لتعادل القوة الشرائية والناتج المحلى الإجمالى، وسيتراجع نموها إلى 5% بحلول 2030، حيث سيصل حجم اقتصادها فى عام 2030 إلى نحو 64٫2 تريليون دولار، تليها فى المركز الثانى الهند بحجم اقتصاد يصل إلى 46٫3 تريليون دولار، حيث قدر التقرير أن تنمو الهند فى عشرينيات القرن الحالى بنسبة 7٫8%، محتلة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم فى 2030.. وتتفوق الهند على أمريكا، حيث حلت الأخيرة فى المركز الثالث بنحو 31 تريليون دولار، يليها بفارق كبير الاقتصاد الإندونيسى فى المركز الرابع بنحو 10٫1 تريليون دولار، وخامسًا حل الاقتصاد التركى بحجم يصل إلى 9٫1 تريليون دولار، وفى المركز السادس البرازيل بـ8٫6 تريليون دولار، وبفارق طفيف جاء الاقتصاد المصرى فى المرتبة السابعة، بحجم اقتصاد يصل إلى 8٫2 تريليون دولار، تلتها روسيا فى المركز الثامن بحجم اقتصاد يعادل 7٫9 تريليون دولار، وتاسعًا حلت اليابان بحجم اقتصاد يصل إلى 7٫2 تريليون دولار، وجاءت ألمانيا فى ذيل القائمة بالمركز العاشر، بحجم يصل إلى 6٫9 تريليون دولار.
فى الوقت نفسه، توقع البنك الدولى ارتفاع معدل النمو فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 1.9%، مؤكدًا أن مصر من أهم دول المنطقة التى ستشهد ارتفاعًا فى النمو خلال العام الحالي، ليصل إلى 5.6%، مدفوعًا بالإصلاحات الاقتصادية التى يتم إجراؤها، وبزيادة الاستثمارات وارتفاع معدلات الاستهلاك الخاص.. وحذر تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر عن البنك الدولى أمس من تراجع معدل النمو الاقتصادى العالمى، ليصل إلى 2.9% عام ٢٠١٩ بدلًا من 3% فى العام الماضي، وذلك مع تنامى مخاطر التجارة والاقتصاد، كما توقع انخفاض معدل النمو فى الدول المتقدمة إلى 02%.
إذًا، هي نجاحات كبرى يحققها الاقتصاد المصرى فى ظل الإنجازات التى تحدث داخل الدولة من مشروعات قومية ضخمة، وهو ما ساعد فى زيادة موارد مصر من تدفقات الاستثمار الأجنبى وعائدات قناة السويس المرتفعة ونمو الاحتياطى النقدى.. وكشف تقرير لمؤسسة "ماعت" أن الاقتصاد المصرى يتمتع بقدرات تنافسية فى الاقتصاد العالمى، ويحظى بثقة مجتمع الاستثمار والمؤسسات الدولية المعنية، التى تبقى على توقعاتها وانطباعاتها المتفائلة لمستقبل الاقتصاد المصرى.. إذ توقع بنك الاستثمار الأميركى "جولدمان ساكس" تغيرًا كبيرًا في أكبر الاقتصادات العالمية، والتي سيعاد ترتيبها من جديد، إذ سيصعد الاقتصاد المصرى إلى المرتبة السابعة عالميًا، متقدمًا على كل اقتصادات أوروبا، مع ناتج محلى إجمالى يتجاوز عشرة تريليونات دولار.
وهنا يقفز السؤال: هل تُخمن هذه الكيانات والمؤسسات العالمية لتقول عن اقتصاد مصر ما سبق الإشارة إليه، أم أنها تستند في تقييماتها إلى حقائق على الأرض؟.
الحقيقة أن إنجازات الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو أكبر من أن يتم التعامى عنها، إذ أن الاقتصاد المصرى كان يعانى من مشكلات كبيرة للغاية خلال فترة الاضطراب السياسى، حيث انخفضت معدلات النمو عن 2%، ووصلت البطالة لمعدلات قياسية فى ظل تدهور الأوضاع والحوادث الإرهابية المتكررة، وكانت هناك صعوبة كبيرة فى إقناع المستثمر بالعمل فى ظل هذه الأحداث المضطربة، ولكن مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم، بدأت مرحلة تثبيت الدولة المصرية بصورة تدريجية، وتضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى مجموعة من المحاور، أبرزها إعداد برنامج الإصلاح الاقتصادى 2016- 2019، الذى اتخذ فيه الاقتصاد مسارًا تصاعديًا، وكانت هناك المشروعات القومية الكبرى التى نجحت فى تحريك الاقتصاد بمراحله الأولى.. وقد شهدت هذه المرحلة أيادٍ تبنى وأخرى تحمل السلاح، فنجحت الدولة المصرية فى فرض الأمن والاستقرار بعد 30 يونيو، وكانت حريصة على استغلال الزخم الذى حققته من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادى لمساعدة المواطن، فامتصت تداعيات كورونا بصورة كاملة حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية، فلم تؤثر فقط على توفير الزيوت والقمح، بل أثرت على معدلات التضخم، إلا أنه ورغم كل العوائق إلا أن الاقتصاد المصرى ما زال مستقرًا ولديه قابلية للنمو والازدهار.. لماذا؟.
لأن برامج الإصلاح الاقتصادى والمالى والهيكلى التى اتبعتها مصر بعد 30 يونيو تهدف إلى المرونة فى التعامل مع المشكلات والأزمات، فضلًا عن كيفية إيجاد الحلول والخروج من هذه الأزمات، وعلى سبيل المثال أزمة جائحة كورونا، إذ تم توفير اللقاحات والأمصال، على الرغم من تواجد مشكلات كثيرة ببعض الدول الكبرى، تتعلق بالرعاية الصحية والتعامل مع هذه الجائحة إلى جانب اللقاحات والأمصال.. وقد تبنت مصر سياسة إنشاء مشروعات كبرى، منها ما يتعلق بالبنية التحتية لتهيئة المناخ الاستثمارى وجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن تشجيع مزيد من الاستثمارات المحلية، بالإضافة إلى حزمة من القوانين والتشريعات والتعديلات والحوافز، إما من خلال توفير الأراضى بأسعار رمزية أو مبدأ حق الانتفاع، فإذا لم توجد بنية تحتية لما وُجدت أى استثمارات.. لقد حرصت مصر على التوسع الأفقى فى الاستثمارات والاستفادة من الميزة النسبية لكل محافظة، بما يتناسب مع إمكانيات الدولة الكبيرة، من حيث الموقع ووفرة العناصر المتنوعة وتعدد المصادر التى يمكن للدولة الحصول منها على دخل من العملة الأجنبية، فمصر تتمتع بمزايا نسبية عديدة، من وجود خامات وتوافر عمالة وقوى بشرية مدربة وكُلفتها نسبيًا أوفر بكثير من دول أخرى.
وفي ظل حرب الشائعات، لم يسلم الاقتصاد المصرى من سيل الأخبار المزيفة يوميًا وحالات التشكيك المستمرة في قدراته وأدائه، رغم الإشادات الدولية المتعاقبة لمؤسسات مالية عالمية، تؤكد صلابته وتشيد بمعدلات نموه، خاصة في ظروف دولية صعبة بدءًا من جائحة كورونا وصولًا لتداعيات الحرب الأوكرانيةـ الروسية، والتي كانت وما زالت لها بالغ الأثر على اقتصاديات العالم الكبرى بالسلب، بخلاف ما يُحيط الدولة المصرية من مخاطر وتحديات إقليمية جسيمة تحدث في المنطقة.. إلا أن هناك إشادة تعد- في رأينا- بألف شهادة، وهى إشادة رئيس الوزراء الياباني أمام اجتماع منتدى الأعمال المصرى– اليابانى، الذى ترأسه مع الدكتور مصطفى مدبولى، أواخر مارس الماضي، حيث أشاد بقدرات ومعدلات النمو وبيئة الاستثمارات في مصر.
قد يقول قائل: ما أكثر من هذه التصريحات السياسية، لكن هذا مردود عليه، إنه عندما يقول رئيس ثالث قوة اقتصادية في العالم تصريحًا اقتصاديًا مثل هذا، لا بد أن يكون تصريحًا دقيقًا وليس من فراغ، وعندما يكون من رئيس وزراء اليابان، الدولة المعروف أن سياستها الخارجية متزنة وعاقلة، وتوجهها دائمًا اقتصادى بعيدًا عن أي نفوذ سياسى أو عقلية عسكرية تقودها مثل باقى القوى العظمى، فالأمر يكون مختلفًا والتصريح أيضًا يكون مسئولًا وخاليًا من أي توجهات سياسية، خصوصًا أنه أعقبه دعوة من الخارجية اليابانية تشجع شركات بلادها على الاستثمار فى مصر.
والأهم أيضًا أن هذه الإشادة لست كلامية فقط، وإنما عززتها قوة الفعل، حيث أكد رئيس الوزراء الياباني أن مصر لديها استعداد لاستقبال المزيد من الاستثمارات، لأنها تتمتع بمقومات ومزايا لجذب الاستثمارات لا تتوافر فى اليابان، مثل عدد السكان الكبير، ونسبة كبيرة من جيل الشباب بين الفئات العمرية، ومؤكدًا أن هناك أكثر من خمسين شركة يابانية تعمل فى مصر حاليًا، وأن حجم التجارة بين البلدين يبلغ 1.3 مليار دولار.. لذا، فإن الكلام أثبته الفعل على أرض الواقع، فقولًا واحدًا، نحن أمام إشادة بألف شهادة، تعكس قدرة الاقتصاد المصرى في مواجهة الأزمات من ناحية، وتؤكد أن توجه الاقتصادى المصرى على الطريق السليم.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.