رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا وإفريقيا ورؤية مصر

تلك، إذن، هى النسخة الثانية من القمة الإفريقية الروسية، والتى جاءت، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال جلستها العامة، فى ظروف دولية بالغة التعقيد، ومناخ عام يتسم بدرجة عالية من الاستقطاب، وتغيرات وأزمات متلاحقة باتت تمس القواعد الرئيسية التى تأسس عليها النظام الدولى بمفهومه الحديث، ووضعت دولنا الإفريقية فى مواجهة عدد ضخم من التحديات، التى لا تؤثر فقط فى قدرتها على استكمال مسارها التنموى، وإنما تهدد أمنها وحقوق الأجيال القادمة.

القمة، التى استضافتها مدينة سان بطرسبرج الروسية، أمس وأمس الأول، الخميس والجمعة، استكملت ما بدأته النسخة الأولى، التى تم إطلاقها فى أكتوبر ٢٠١٩، خلال رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى، بجهود مشتركة بين الرئيسين السيسى وبوتين، وأثبتت الوثائق التى صدرت عنها عمق العلاقات الاستراتيجية والروابط المهمة، التى تجمع الدول الإفريقية بالجانب الروسى، والآفاق الواسعة، لتعزيز العلاقات القائمة بين الطرفين، خاصة فى المجالات محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها تعزيز السلم والأمن ومكافحة مهدداته، وكذا تفعيل مسارات التنمية الاقتصادية، بالتركيز على قطاعات البنية التحتية والتصنيع الزراعى والتحول الصناعى، بالاستفادة من التكنولوجيا الروسية، بالإضافة إلى تعزيز الصلات الثقافية والروابط التاريخية بين الشعوب. 

فى أربع نقاط، أو محاور، طرح الرئيس السيسى «رؤية مصر» بشأن الظرف الدولى الراهن، وأسس تعميق التعاون الإفريقى الروسى القائم، تحت مظلة شراكتنا الاستراتيجية، بدأها بتأكيده أن الدول الإفريقية ذات سيادة، وإرادة مستقلة، وفاعلة فى مجتمعها الدولى، وتنشد السلم والأمن، وتبحث عن التنمية المستدامة، التى تحقق مصالح شعوبها أولًا، ويتعين أن تبقى بمنأى عن مساعى الاستقطاب فى الصراعات القائمة.

صياغة حلول مستدامة للصراعات القائمة فى عالمنا اليوم، كانت هى النقطة الثانية، وفيها طالب الرئيس بأن تتأسس هذه الحلول على أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولى، بما فى ذلك التسوية السلمية للنزاعات، والحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها، إلى جانب ضرورة التعامل مع جذور ومسببات الأزمات، خاصة تلك المتعلقة بمحددات الأمن القومى للدول، وكذا أهمية الامتناع عن استخدام أدوات إذكاء الصراعات وتعميق حالات الاستقطاب، كتوظيف العقوبات الاقتصادية خارج آليات النظام الدولى متعدد الأطراف.

تأسيسًا على هاتين النقطتين، شدّدت النقطة الثالثة على ضرورة الأخذ فى الاعتبار احتياجات الدول النامية، وعلى رأسها دول القارة الإفريقية، فى ظل التداعيات شديدة الوطأة على اقتصاداتها، جراء الصراعات والتحديات القائمة، وبالتحديد فى محاور الأمن الغذائى، وسلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة. وفى هذا الشأن، أكدت مصر، بلسان رئيسها، أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد الدول الإفريقية على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة تدعم النظم الزراعية والغذائية. إضافة إلى ضرورة التوصل إلى حل توافقى بشأن اتفاقية تصدير الحبوب، يأخذ فى الاعتبار مطالب كل الأطراف ومصالحها ويضع حدًا للارتفاع المستمر فى أسعار الحبوب. 

.. ولأن التطورات الدولية المتلاحقة وتداعياتها، التى باتت تمس كل أرجاء العالم، تحتّم وجود صوت إفريقى، مؤثر وفعال، داخل المحافل الدولية القائمة، لكى يصل موقف دول القارة ويتحقق القدر المطلوب من التوازن عند مناقشة القضايا ذات التأثير المباشر على مصالحها، أعرب الرئيس السيسى، فى النقطة الرابعة، عن تطلعه إلى أن تحظى المطالب الإفريقية فى إطار مجموعة العشرين، ومساعى إصلاح المؤسسات التمويلية الدولية، بدعم الشريك والصديق الروسى. كما أعرب، أيضًا، عن تطلعه إلى استمرار التنسيق فى إطار الشراكة المحورية، متمنيًا دوام التقدم والازدهار للشعب الروسى الصديق وكل الشعوب الإفريقية الشقيقة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر، كما أكدت بلسان رئيسها، وكما يؤكد الواقع، ملتزمة باستمرار انخراطها الجاد والمخلص فى جهود تعميق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ودول القارة السمراء، إيمانًا منها بالفرص المتاحة، ومساحات التعاون الواسعة، سواء على المستوى الوطنى، من خلال تسخير أدواتها وإمكاناتها، وتفعيل التعاون القائم بين الشركات المصرية ونظيراتها الروسية، فى المجالات ذات الاهتمام المشترك، أو على المستوى القارى، عبر رئاستها اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الاتحاد الإفريقى للتنمية «النيباد»، وريادتها ملف إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد الصراعات.ç