في ذكرى استشهاده.. من هو القديس تيتوس براندسما الكاهن الشهيد؟
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في مصر بذكرى استشهاد القديس تيتوس براندسما الكاهن الشهيد.
من هو القديس تيتوس براندسما الكاهن الشهيد؟
وُلِدَ "أونو شورد براندسما" في يوم 23 فبراير عام 1881، بقرية أوخوكلوستر – فريزلاند - هولندا، لأبٍ هو "تيتوس براندسما" وأمٍ هي "تشتسكا پوتسما"، يديران معمل لمنتجات الألبان، وقد كانا كاثوليكيين تقيين، يواظبان على الصلاة بالكنيسة، ويُعتبر مسقط رأسه هو ذا غالبية كاثوليكية وأقلية من البروتستانت الكالڤانيين.
وقد صار جميع أولاد تيتوس وتشتسكا مكرسين ماعدا إبنة واحدة.
نعود إلى الصبي أونو شورد، الذي تلقى تعليماً جيداً، والتحق بمدرسة ثانوية يديرها الرهبان الفرنسيسكان بمدينة ميخ، كانت تُعنَىَ بتعليم الأطفال المُنتظر منهم أن يصيروا دعوات تكريسية.
وبالفعل ما توسمه والديه تم، فقد تبلورت دعوته التكريسية واختار رهبنة الكرمل، فالتحق بدير الإبتداء بمدينة بوكسمير، بإسم الأخ "تيتوس براندسما" إكراماً لوالده في سبتمبر عام 1898، ثم قدَّم نذوره الأول في أكتوبر عام 1899، وتمت سيامته الكهنوتية عام 1905.
اهتم الأب تيتوس براندسما بدراسة التصوُّف الكرملي وقصص حياة المتصوفين الكرمليين، وكانت موضوع رسالة الدكتوراه بمادة الفلسفة، والتي حصل عليها من روما عام 1909.
لدى عودته إلى هولندا، درّس الفلسفة بكثير من المدارس الكاثوليكية الهولندية، وكان من رواد الإهتمام بترجمة مؤلفات القديسة تريزا الأڤيلية مُجدِّدة الكرمل إلى اللغة الهولندية حتى تكون مُتاحة للقارئ الهولندي.
كان قد شارك في إنهاء الخلاف بين الكنيسة الكاثوليكية والفنان البلچيكي "ألبرت سيرڤاس" الذي قام برسم مراحل درب الصليب لكنيسة رعية ليئهاجن، والتي حاول تصوير آلام المسيح فيها بشكل غير تعبيري وبمشاهد يظهر فيها العنف الشديد والوحشية على جسد المسيح بشكل غير مقبول في مقاييس الفن التعبيري للكنائس، حيث يتم التعبير عن آلام ونزيف السيد المسيح بشكل مُبسَّط لا يُسبب أذىَ للمتأمل وهذا ما أخذته الكنيسة الكاثوليكية من تحفظات، وفعلياً تم إزالة الكثير من الرسوم الغير مقبولة.
كما كانت تلك المشكلة دافعاً له أن يكتب تأملاته الخاصة لدرب الصليب كرياضة روحية.
كذلك فإن الأب براندسما كان من مؤسسي جامعة نيميخ الكاثوليكية (حالياً جامعة رادبود الكاثوليكية)، وقد عمل بها كأستاذ للفلسفة وتاريخ التصوُّف بداية من عام 1923.
وقد امتاز بتواضعه وإخلاصه الشديد لرسالة التعليم وتواجده المستمر في غير أوقات التدريس للقاء الطلبة وإجابة تساؤلاتهم.
كذلك دخل الأب براندسما مجال الكتابة الصحفية، وكان مُستشاراً كنسياً للصحفيين الكاثوليك بحلول عام 1935.
وقد دُعيَ لإلقاء محاضرات بالولايات المتحدة بأكثر من كلية ومعهد تتبع رهبنة الكرمل.
بعد نجاح الزحف النازي في إحتلال هولندا في مايو 1940، أصبحت رسالة الأب براندسما هي التوعية ضدّ مخاطر إعتناق الأيدلوچيا النازية، التي تمتاز بالوحشية والعنصرية. كان الأب براندسما يُعلن رأيه دون خوف في صُحُف هولندا، وبرغم خطورة نشر هذه التصريحات إلا أنه كان يرى أن التوعية بشجاعة اهم من تجنُّب العواقب.
بالفعل لفتت هذه التصريحات قيادات الإحتلال النازي وبدأت تتبعه.
في يناير 1942، تصدّىَ الأب براندسما لمهمة خطيرة وهي تسليم خطاب بتوصيات مجمع أساقفة هولندا باليد إلى مُحرّري الصحف الكاثوليكية الهولندية، وكانت أهم توصيات المجمع التي تخصّ الصحافة الكاثوليكية هو عدم نشر المراسيم والبيانات الرسمية للنازي، وذلك بما يُخالف أمر الإحتلال النازي منذ استيلائه على هولندا.
وقد نجح الأب براندسما في توصيل الخطاب لحوالي 14 محرراً قبل القبض عليه يوم 19 يناير 1942م خلال تواجده بدير الكرمل بمدينة بوكسمير.
بعد اعتقاله كان قد تنقَّل كسجين بين معتقلات سخييفينينجن وأمرسفورت وكليڤز، تم نقل الأب براندسما إلى معسكر اعتقال داخاو جنوب ألمانيا في يونيو 1942م، وهو من أخطر وأعنف المعتقلات النازية بعد معتقل أوشفيتز الذي شهد استشهاد الكاهن الفرنسيسكاني مكسمليان كولبه.
تدهورت الحالة الصحية للأب براندسما بسرعة كبيرة بعد نقله لمعسكر داخاو، وفقد الكثير من وزنه، كما كانت درجة قسوة التعذيب العالية به والظروف المعيشية السيئة سبباً في هذا التدهور.
تم نقله لمستشفى المعسكر التي لا تختلف كثيراً عن ظروف الزنزانة.
وما هي إلا أيام معدودة وقد يأس المعسكر من إمكانية إستشفائه لإستكمال أشغاله الشاقة، فتم حقنه بعقار قاتل تحت التجربة، مما تسبب في مصرعه في 26 يوليو 1942 عن عمر ناهز الحادية والستين.
وكحال جميع المتوفين في معسكرات النازي تم حرق الجثمان في أفران الغاز الملحقة بالمعسكر لاستخدام الرماد كسماد عضوي.
تعتبر الكنيسة الجامعة الأب تيتوس براندسما شهيداً، كما تم تطويبه رسمياً 3 نوفمبر1985 عن يد القديس البابا القديس يوحنا بولس الثاني.
عام 1968 تم تأسيس معهد يحمل اسمه بمدينة نيميخ متخصص في فلسفة التصوُّف، وقد تم إنشائه بالتعاون بين جامعة نيميخ الكاثوليكية ورهبنة الكرمل بهولندا.
عام 2005 تم اختياره من قِبَل أهالي مدينة نيميخ ، كأعظم مواطن هولندي عاش بالمدينة، وتم تشييد كنيسة بها تحمل اسمه لتخليد ذكراه وبها متحف لصوره وبعض أغراضه الشخصية، وتعتبر هذه الكنيسة مزاره الرئيسي.
تم إعلان قداسته تقديسه في 15 مايو 2022م عن يد البابا فرنسيس.