رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السعادة ليها ناس.. وناس!!

السعادة هبة من الله.. كما يراها الفيلسوف "آرسطو"..أو هي فضائل الأخلاق، كما عرّفها "افلاطون"..باختصار السعادة هي الشعور بحالة من الرضا واعتدال المزاج.
الطريق إلي السعادة يبدأ بالسلام مع النفس، وكيف ترسم الإبتسامة علي وجهك، ومتطلبات السعادة قد تكون كلمة طيبة، أو عمل محبب للنفس، أو عبادة خاصة مع الله...عليك أن تختار وأن تحدد معالم الطريق إلي السعادة والبهجة، فالأمر ليس صعبا.. لقد فعلها شعب المغرب الحبيب في حفل سمع دوي فرحته في كل أرجاء الدنيا، حين تحول جمهور الحضور إلي "كورالا" من حفل أقامه المايسترو الشاب "أمين بودشار"، ردد الحضور كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي "جانا الهوي جانا"، حفل زلزل الوطن العربي كما وصفته وسائل الإعلام ورواد السوشيال ميديا. الموزع الموسيقي "أمين بودشار" قرر أن يعطي ظهره لفرقته الموسيقية ويقود جمهوره من الحضور  الذي تجاوز المئات، وبعيدا عن النشاز والقدرة علي ضبط الإيقاع، تعالت الأصوات بالغناء كأفضل كورال، لو أن "عبدالحليم حافظ" علي قيد الحياة لن يرضي عن هذا الجمهور بديلا يردد معه "جانا الهوي جانا".
فكرة عبقرية غامر بها الشاب المغربي الذي عشق الموسيقي منذ طفولته، سافر إلي فرنسا ليعمل في مجال دراسته في الهندسة، ولكن عشقه للموسيقي جعله يغامر باستقراره المهني، ليؤسس لفرقة موسيقية ويخرج بها من الروتين المعتاد  لإحياء ليالي عربية في العاصمةالفرنسة، وكان الجديد الذي قدمه أن يكون الجمهور"مطربا" وليس مستمعا أو متلقيا لما يقدم له ، إلا أن  هذه الفكرة التي اعتمدت علي الدمج بين الفرقة الموسيقية والجمهورلفتت نظر الوطن العربي بما قدمه "بودشار"من أغني التراث المصري والمغربي والعربي بشكل عام... 
نجح الموزع الموسيقي المغربي في قيادة جمهور قادر علي الغناء دون تدريب مسبق، بل يكفي أن يكون هذا الجمهور محب للغناء ويتذوق الموسيقي .
اعتماد "بودشار" علي التراث المصري ليس وليد الصدفة، الموسيقي المصرية هي سفير عربي لكل الدنيا، هي الأنغام التي لايخطئها أحدا، إنها احد أذرع القوة الناعمة..الموسيقي أحد مصارد السعادة التي  تبهج النفس.  
ان تجربة الماسيترو المغربي يجب أن نتوقف عندها كثيرا بعد أن أصبحت ظاهرة أولي باهتمام الجميع لما لها من تأثير نفسي عميق، نجد جمهور الحضور لحفلات "بودشار" تحيط  بهم السعادة وترتسم الفرحة علي وجههم، يبدو أنهم تركوا كل همومهم ومشاكلهم خارج قاعة الحفل، جاؤوا للغناء محملين بالطاقات الإيجابية، عازمين علي الفرحة، وعاجب علينا أن نشكر هذا الجمهور الذي أهدانا فرحته عن قصد أو دون قصد... نتمني أن نري مثل هذه الحفلات في مصر.. خير لنا من أن نشدوا بفرحتنا من أن  نصرخ بهمومنا ، ولاسيما أن المصريين من القدم هم من عرفوا الموسيقي ، هم من كتبوا السلم الموسيقي، فعالم الرياضيات الشهير "فيثاغورت" كان يري الكون يصدح بالموسيقي، وأن ثمة نغم تربط بين حركة الكواكب والنجوم، ولذا جاء إلي مصر وامضي نحو اثنين وعشرين عاما يتعلم فيها علوم الموسيقي والحكمة إلي جانب علم الفلك، وبات معروفا ان "فيثاغورث" الاغريقي قد تعلم نظام السلم الموسيقى في مصر. فالمصري القديم اهتم بالموسيقي ودمجها في حياته العامة والخاصة، كانت جزء من طقوسه اليومية، وكانوا يختلقون الفرصة لإقامة الليالي السامرة  بالعزف والغناء، ويدعون إليها الأهل والأصدقاء، وكما سجلت جدران المعابد  فى أحد المناظر الشهيرة بمقبرة "مرروكا" أن أحد النبلاء يستمتع بعزف زوجته له على آلة الهارب. الموسيقي ليست لعب ولهو أو للتسلية، إنها فن من أرقي الفنون، فهي لغة يفهمها كل البشرويستوعبها الانسان في كل مكان علي وجه الأرض بلا حواجز. ويؤكد علماء النفس مدي تأثير الموسيقي علي تحسين التفكير الإبداعي وقدرة الشخص علي مواجهة المشكلات وتقديم حلولا ابداعية واكتساب أنماط مختلفة للتفكير، وكما أن الموسيقي تحقق التخيل الإبداعي ، والقدرة علي انتاج أفكار جديدة تتسم بالمرونة يمكن أن نتغلب بها علي جزء كبير من الطاقات السلبية التي تسيطر علينا وبعض مشاكلنا الحياتية... هيا نغني ونملأ الأرض طربا!!