رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التجار واللعب فى مزاج المصريين

 أعرف أن التدخين ضار جدًا بالصحة.. وأن الشركة المنتجة للتبغ تنشر تحذيرًا متكررًا مطبوعًا على علب السجائر.. وأعرف أن السؤال المتكرر على لسان الأطباء على اختلاف تخصصاتهم كلما زرت أحدهم هو: وماذا عن التدخين؟.. نعم أعرف.. وهناك ١٨ مليون مصرى على الأقل يعرفون لكنهم لن يتوقفوا عن التدخين.. وهذا ما يعرفه اللاعبون الكبار فى سوق التبغ جيدًا وعلى أساسه يرسمون خطط البيع والتجارة فى هذه السوق الضخمة. 

فى مثل هذا التوقيت من العام الماضى ذكر تقرير موثّق صادر عن الشركة الأكبر فى مصر.. وتبعه تقرير آخر لشعبة الدخان باتحاد الصناعات المصرية، أن المصريين استهلكوا ما يزيد على سبعين مليار سيجارة فى سنة.. ويقدر التقرير نفسه حجم اقتصاد التبغ فى البلاد بـ١٧ مليار جنيه.. هو عالم فسيح يعمل فيه البعض من أيام محمد على.. ويعمل فى استيراده الآلاف منذ قررت حكومة الخديو وقف زراعة الدخان واللجوء إلى الاستيراد لتحصيل جمارك أعلى من ضريبة الدخان من ناحية، ولاستخدام الأرض فى زراعة القطن من ناحية أخرى.. لذلك فعندما نقول إن ما يحدث فى سوق التبغ فى مصر حاليًا عبث فى أدمغة ومزاج أهل مصر فنحن لا نبالغ. 

 

كل يوم بسعر.. قفزات متتالية فى أسعار السجائر الشعبية بشكل غير مسبوق.. وكل دكان وسوبر ماركت عامل سعر لنفسه، واللى عاجبه يشرب واللى مش عاجبه يخبط راسه فى أقرب حيط أو فى جدار جهاز حماية المستهلك.. ما أشاهده يوميًا من خناقات بين الباعة والمشترين أمر ينذر بالخطر وبتشوهات غير مستحبة فى علاقات الناس وجيرانهم المغلوبين على أمرهم من سطوة الموزعين والتجار الكبار.. ليس معقولًا أن تزيد علبة السجائر الشعبية بمعدل عشرة جنيهات يوميًا، حتى تساوت بأسعار السجائر المستوردة.. والأغرب هو محاولات التجار تعطيش السوق بالتخزين لأيام طمعًا فيما هو أكثر.. السيد رئيس شعبة الدخان من جهته قال كلامًا غريبًا عن التسعير والحكومة التى تتباطأ بشكل غير مفهوم فى إعلان التسعير الضريبى، والذى يقدره البعض بزيادة لا تتجاوز جنيهين، فيما زادت الأسعار بمعدل ثلاثين جنيهًا على الأقل.. الرجل حمّل البرلمان أيضًا جزءًا من أسباب الأزمة وبخاصة لجنة الخطة والموازنة.. ما يجرى فى سوق التبغ يحدث أيضًا فى سوق السكر.. وكلاهما سلعة لا يستطيع المصريون الاستغناء عنها.. والكلام عن ضبط الأسواق ودور الأجهزة الرقابية والمحلات عبث أكبر، فهذه الجهات غير موجودة أصلًا.. والخلاص منها وتوفير ما ينفق على موظفيها أرحم وأكسب للجميع.. ربما نجد تدخلًا عاجلًا خلال أيام من وزارة المالية والبرلمان لإعلان ذلك التسعير الضريبى المزعوم.. ولكن مَن يستطيع السيطرة على جشع التجار؟.. مَن يستطيع أن يعيد حركة السوق إلى ما كانت عليه؟.. لا أعرف إن كانت لوزارة التموين ومباحث التموين علاقة بالأمر من عدمه.. لكننى أعرف أن خللًا ما يحدث فى تشابكات علاقات المتعاملين مع هذه الأسواق.. غلت اللحوم.. فتوقف المربون.. غلت الأعلاف فتوقف الجزارون... غلت السجائر على الجزارين والمزارعين والمربين فماذا يفعلون؟.. كل فرد فينا يعرف أنه عضو فى جماعة اسمها الشعب، فإذا ما قرر تحت ضغط هولاء الفسدة من التجار الذين وصفهم رئيس شعبة الدخان بالحيتان، إذا ما قرر كل فرد فينا أن يتعامل منفردًا فسيحدث ما لا يحبه أحد.. كل منا سيجلد الآخر إذا ما وقع تحت يده.. سنصير أفرادًا.. اللعب فى أدمغة المصريين ومزاجهم ليس متاحًا.. فى ظل هذا الحر الخانق وفى ظل تلك الأزمات التى يعيشها العالم.. فى وسط هذه الظروف التى تعبر فيها بلادنا بصعوبة غير مسموح لبعض الأفراد أن يعبثوا بسلام الناس وأدمغتهم.. وعلى الذين يملكون اتخاذ القرار وتنفيذه فى دواوين الحكومة والبرلمان.. نحذركم من التأخير... ففى مثل هذه الحالات فى العجلة.. السلامة.