رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سِحر الفلوس

تأمُّل أحوالنا يؤكد استمرار جوهر الاستعباد، فها نحن نعيش فى هذا العالم التعيس، المتحضر شكلًا الهمجى مضمونًا، المتعصب والعنيف خلقًا ودينًا وطباعًا، المتخم بآليات الاستغلال الطبقى والقهر الذكورى والعنصرى، الممتلئ بأوكار الفقر والبطالة والجريمة المنظمة والعشوائية، يجنى أرباحه الخيالية من تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة والأعضاء البشرية، والبلطجة المحلية والدولية والحروب، وتأجيج وتمويل النعرات الدينية.
فى العلاقات بين أعلى وأدنى، ينظر الطرف الأعلى إلى نفسه باعتباره الصيّاد القوى البارع فى نصب الفخ، والطرف الآخر الأدنى هو الفريسة الضعيفة التى تقع فى الفخ.
وعملية الصيد هذه بين طرف أعلى وطرف أدنى أقدم مهنة فى التاريخ، مهنة أدرك بها البشر أنها هى مصدر البقاء على قيد الحياة، ومصدر الغذاء ومصدر الماء، ومصدر القوة ومصدر الاستعلاء، والهيبة.
وإن كنت أغفر للكائنات الأخرى، مثل الطيور والحيوانات، أنها للبقاء على قيد الحياة لا بد لها من الصيد، فإننى مع البشر أعتبر ذلك الفعل جريمة أو عارًا يدعو إلى الخجل والاشمئزاز لا إلى الافتخار والتباهى بالتفوق.
هل هذا معقول؟ إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يقتل ويصطاد الآخرين وهو لا يشعر بالجوع ولا يحتاج إلى سفك الدماء لكى يبقى على قيد الحياة، بل يقتل وهو شبعان على عكس الطيور والحيوانات، حتى المتوحشة والمتنمرة، التى لا تقتل ولا تصطاد إلا لتأكل أو تطعم صغارها.
قال جورج برنارد شو «26 يوليو 1856- 2 نوفمبر 1950»: عندما يريد الإنسان أن يقتل نمرًا يسميها رياضة، وحينما يريد النمر قتله يسميها شراسة.
وقال فيثاغورس «570- 495 ق. م»: طالما أن الإنسان يقتل ليأكل لحم الحيوانات، فلن يشعر أبدًا بالهناء والطمأنينة والسلام.  
أكره هذه العقلية الدموية التى تقف وراء الصيد، وتنفرنى الدوافع النفسية المريضة لعملية الاصطياد، عقلية الصياد الأقوى والفريسة الأضعف، الصياد الذى يخطط ويتربص ويراقب ويترقب ويتجسس ويخطف ويعد المصيدة باحتراف، وعندما تقع الفريسة يحتفل ويفرح ويأكل ويشرب، ويسمى الأمر انتصارًا وتفوقًا.
إن الانتصار فى أى معركة مرهون بوجود تكافؤ بين الأطراف المتعاركة، وإلا يصبح بطشًا وغدرًا واستغلالًا للطرف الأقل تكافؤًا ولا يدعو للفخر والاحتفال، وهذا منطق نجده فى العلاقات الإنسانية بين الأفراد، بين النساء والرجال، وبين الجماعات والدول، فى أى علاقة هناك من يصطاد وهناك من تخدعه المصيدة، هناك من يطعن بالسكين وهناك من يسيل دمه، هناك من يأكل وهناك من يؤكل، هناك من يختبئ ويرتدى قناعًا مخادعًا، وربما لا يبالى ولا يختبئ ويقتل دون أقنعة، ربما فى الماضى كان القتل دون أقنعة، حديثًا يتم القتل إما بدون أقنعة أو بقفازات حريرية وبكلمات ملتوية تسمى الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية.
إن 15% من سكان العالم الآن يسيطرون على مقدرات ومصائر واختيارات 85%، فأى عدالة حقيقية يمكن تخيلها؟ هذا ما نتج عن تراكم واستمرار حضارة الدم والقتل وصيد الأقوياء «الأعلى» للضعفاء «الأدنى»، لا أنكر الاكتشافات العلمية المعرفية والتقدم التكنولوجى، لكن العالم أحمق وفوضوى.
وضع إيمانويل كانت «22 أبريل 1724- 12 فبراير 1804» فارقًا كبيرًا بين العلم والحكمة، فالعلم معرفة منظمة، أما الحكمة فحياة منظمة، وتتناغم الفوضى والحماقة مع ترسيخ عولمة «رأس المال أهم من الإنسان».
هذا بالإضافة إلى أن التقدم المعرفى والتكنولوجى مكرس لخدمة من لديهم أساسًا الفائض الوفير، ومن أصلًا يتمتعون بامتيازات الأثرياء المستثمرين فى التراكم الخيالى لرأس المال.
العالم ممتلئ بالعديد والكثير من الأديان الموروثة، لكن عندما يظهر المال فإن الجميع لهم دين واحد لا يثير التعصب والانقسامات «الفلوس»، أنانية رأس المال لا تفهم أن النبل الإنسانى هو أن نعطى أكثر مما نأخذ، وألا نقطع الغابات من أجل قطعة واحدة من الخشب، أو نقطع الأشجار لحصد بعض الثمار، أشبه العالم بسجن كبير، بالعلم الزائف الذى هو أخطر من الجهل، وبالحرية الزائفة التى هى أبشع من العبودية، ما يضمن بقاءنا طواعية داخل الأسوار.
-----------------------
من بستان قصائدى 
أريد أن أشعر 
أن جنسية الوطن التى أحملها 
أكثر من بيانات وتواريخ 
ختم هنا وختم هناك 
توقيعات غريبة كأنها 
من كوكب المريخ 
كلام مبهم لا أحتاجه 
مجرد حبر على الورق 
أريد أن أجد فى الوطن 
مَنْ يزرع صحرائى 
إذا غاب عنها المطر 
يطعمنى يدفئنى يسقينى يداوينى 
يصرخ محذرًا أن حريتى فى خطر 
وطن يجيد فن السباحة 
وأنا أوشك على الغرق