رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة الضرائب الدولية

بقدرتها على تجنب سداد الضرائب، ألحقت الشركات متعددة الجنسيات، ولا تزال، أضرارًا بالغةً بالدول النامية، والأقل نموًا، وحرمتها من إيرادات تحتاجها بشدة، لمواجهة الفقر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وسبق أن أكد تقرير أصدره «صندوق النقد الدولى» أن الدول غير الأعضاء فى «منظمة التعاون والتنمية» تخسر إيرادات قدرها نحو ٢٠٠ مليار دولار سنويًا، بسبب قيام تلك الشركات بنقل أرباحها إلى دول منخفضة الضرائب، توصف بالملاذات الضريبية.

تاريخيًا، كان الجدل الدائر حول توزيع السلطات الضريبية يعكس المواجهات بين مصالح الدول النامية والمتقدمة، باعتبار الأولى هى مستوردة رأس المال، والثانية هى التى تقوم بتصديره، غير أن هذا الجدل بات بلا جدوى، بعد أن فقد بعض المفاهيم التقليدية للضرائب صلاحيته. وعليه، بدأت مجموعة العشرين بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، منذ سنة ٢٠١٣، فى إعداد خطة عمل تتكون من خمسة عشر محورًا، انتهت بإعداد تقرير نهائى لكل محور، سنة ٢٠١٥، وكان المحور الحادى عشر فيها يتعلق بمتابعة وتحديث ومراقبة الإجراءات المتعلقة بتطبيق «مشروع تآكل الوعاء الضريبى وتحويل الأرباح».

هذا المحور، أو المشروع، كان نواة أو أساس «الاتفاقية متعددة الأطراف لتنفيذ التدابير المتعلقة بالاتفاقيات الضريبية لمنع تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح» التى جرى اعتمادها فى العاصمة الفرنسية باريس فى ٢٤ فبراير ٢٠١٦، ووقعت عليها مصر فى ٧ يونيو ٢٠١٧. ولاحقًا، تحديدًا فى أكتوبر ٢٠٢١، وافق وزراء مالية ١٣٦ دولة، من بينها مصر، على قرار أصدرته «منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية»، يلزم الشركات متعددة الجنسيات بتخصيص جزء أو حصة عادلة من ضرائبها، لدول «السوق»، أى الدول التى تمارس فيها تلك الشركات أنشطتها.

من هذا المنطلق أكدت مصر، بلسان الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أنها مستمرة فى التعاون مع المنتدى العالمى للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، وتتطلع إلى دعم أقوى للدول النامية فى استيداء أو تحصيل مستحقاتها من الضرائب الدولية، على ضوء ما تم من تحديثات، سنة ٢٠٢٣، فى «خارطة الطريق» التى أعدتها «منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية» بشأن الدول النامية والضرائب الدولية، وصدَّقت عليها مجموعة العشرين.

كان الدكتور معيط يتحدث، أمس الأول الثلاثاء، فى جلسة «الضرائب الدولية» على هامش مشاركته فى اجتماعات مجموعة العشرين، التى تستضيفها دولة الهند الصديقة، وأكد أن الدولة المصرية تدعم كل الجهود الدولية التى تهدف إلى القضاء على التهرب الضريبى، ومعالجة التحديات الضريبية الناشئة عن رقمنة الاقتصاد، والقضاء على الازدواج الضريبى والممارسات الضريبية الضارة، وتحسين آليات تسوية المنازعات، على النحو الذى يجعل البيئة الضريبية العالمية أكثر عدالة وشفافية، ويلزم الشركات متعددة الجنسيات بدفع حصة عادلة من الضرائب، أينما كانت تعمل وتُحقق أرباحًا، حفاظًا على الحقوق الضريبية لشعوب مختلف دول العالم.

وزير المالية قال، أيضًا، إننا مستمرون فى تطوير البيئة التشريعية الضريبية بما يتسق مع المعايير الدولية، على نحو يضمن الحفاظ على حقوق مصر من العائدات الضريبية على نشاط الشركات متعددة الجنسيات، إضافة إلى الاستفادة من النظم الإلكترونية الحديثة والذكاء الاصطناعى فى الارتقاء بمستوى الأداء الضريبى، بما يساعد فى جعل المنظومة الضريبية أكثر تطورًا وتحفيزًا وجذبًا للاستثمار. كما أشار الوزير إلى أن قانون الإجراءات الضريبية الموحد، الذى تم إصداره سنة ٢٠٢٠، وضع إطارًا تشريعيًا يُقنن الإجراءات الضريبية المميكنة، ما أسهم فى إتاحة الخدمات لمجتمع الأعمال إلكترونيًا برقم تسجيل موحد، يتضمن كل أنواع الضرائب.

.. وأخيرًا، بات فى حكم المؤكد أن هيكل النظام الدولى للضرائب، يحتاج إلى إعادة نظر، لضمان حقوق الدول النامية، أو منخفضة الدخل، خاصة فى ظل التحديات الجديدة، التى فرضها التقدم المذهل للاقتصاد الرقمى. وربما تكون الإشارة مهمة إلى أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كان قد أكد ضرورة التعاون فى تطبيق الضرائب الدولية من أجل دعم العمل المناخى وتخفيف حدة الفقر، خلال قمة «من أجل نظام مالى عالمى جديد» التى استضافتها باريس الشهر الماضى.