رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تهديد الحريات الفنية!

أن تصدر نقابة المهن التمثيلية بيان إدانة بشأن مشهد حواري في مسلسل؛ فهذه كارثة تهدد الحريات الفنية في الصميم، وتعيدنا إلى الوراء مئة عام على الأقل، ومهما يكن خلاف النقابة مع ما تضمنه الحوار، باعتباره يتعرض لدراسة الفن نفسه، فإن الطبيعي هو الاستماع، وتأمل ما يطرحه الحوار، والتفاعل معه بإيجابية حتى لو كان خلافا!
ثم إن الحوار على لسان شخصيات درامية، أي ليست حقيقية، وتخضع لأحداث مؤلفة عليها أن تسير في مسارها إلى أن تتضح الرؤية بكاملها، وسواء اتفقنا على العمل مجملا أو لم نتفق؛ فإن النقد الموضوعي هي الوسيلة الوحيدة للتعامل معه كالمعتاد أو كما يجب الاعتياد.
ورد الحوار القصير "عدة ثوان" بين ممثلتين في الحلقة الثامنة من الجزء الثالث من مسلسل "ليه لأ"؛ كان إشادة بالدراسة في أكاديمية الفنون على حساب الدراسة في أقسام المسرح بكليات الآداب. قد يبدو الأمر غير عادل هكذا، لكنه عادي ومقبول للأمانة؛ لأن كثيرين يفضلون الأكاديمية على سواها فعليا، إلا أن أحدهم، من المنتمين إلى كليات الآداب، التقط الخيط وأثار ضجة وتبعه آخرون بلا روية..
جميل طبعا أن تدافع النقابة عن الدراسة الفنية في كليات الآداب، نافضة ثوبها من الانحياز إلى الأكاديمية، ولكن غير الجميل بالمرة أن تطالب بقص المشهد كله ليقينها بأن الدراسة الفنية بالآداب كأختها بالأكاديمية، نظريا وعمليا، والأساتذة هم الأساتذة؛ فالأمر ليس محسوما هذا الحسم، والأخطر أنها هكذا تعامل رؤية الدراما معاملة رأي الواقع، والفن ليس هو الحياة مهما بدا انعكاسا لها وتعبيرا عنها في كثير من الأحايين!!
الموهبة في آخر الأمر هي الغالبة، الدراسة مكملة وحسب، والممثل الناجح ناجح ما دام موهوبًا، ولو نجح أصلا فمن النادر أن يسأله أحدهم: أين درس؟ بل المأساة التي يجب أن توليها النقابة عناية فائقة: من أين يتسلل غير الدارسين، بل غير الموهوبين بالأساس، إلى الشاشات؟!
المطالبة بشطب جهد فني، ولو ضئيل، أمر مزعج ومخيف، لن يجعل المؤلفين واثقين بعد ذلك، ولا الممثلين ولا الفنيين، وسيفتح أبوابا من الاعتراض المجاني على كل عبارة تقال في فيلم أو مسلسل أو مسرحية!
الفن معناه أننا نبني بناء مختلفا عن البناء الواقعي، يتطلب مثله أن نتحلى بالجرأة، وأن نملك عقلا مفكرا طوال الوقت، يقدر على خلق الجديد المثير للنقاش، كذلك منطقا ليس كالمنطق السائد الذي ينتظم الأشياء، بل ربما نقيضه، وأما محاكاة المعاش، بذات أنماطه، فتعني أننا فشلنا ونضحك على أنفسنا قبل الجماهير، والنقابة داعم فوق أن تكون رقيبا. 
المسلسل، أخيرًا، من تأليف ورشة سرد تحت إشراف السيناريست مريم نعوم، وبطولة نيللي كريم وصلاح عبد الله وعايدة رياض ونادين فاروق ومعتز هشام وأحمد طارق، وإخراج نادين خان.