رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الاحتياطى آمن"| مصر تنجو من أزمة الحبوب الروسية: مخزون القمح يكفى 6 أشهر.. ولدينا 22 مصدرًا للاستيراد

أزمة الحبوب
أزمة الحبوب

فيما يواجه الملايين حول العالم خطر الجوع بسبب النقص الحاد، الذى ستشهده الأسواق فى المعروض من القمح، فإن مخزون مصر من السلعة الاستراتيجية آمن تمامًا.

مصدر التشاؤم العالمى نابع من رفض روسيا تمديد اتفاقية السماح لأوكرانيا بتصدير القمح المعروفة باتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب، الذى جرى التوصل إليه فى يوليو من العام الماضى، ما يعنى أن موسكو ستتوقف عن السماح للسفن بدخول موانئ أوكرانيا لحمل الحبوب وإطعام الملايين فى مختلف الدول.

هذه الخطوة ستتسبب فى نقص حاد بكميات القمح المتاحة للتصدير، كما سيرتفع سعره لأرقام خيالية، لكن مصر فى مأمن من كل هذا بفضل حسن تدبير القيادة السياسية التى أسست لعلاقات صداقة متينة مع الدب الروسى، فضلًا عن تنويع مصادر استيراد القمح عقب الانسحاب الرسمى من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية. 

وأولت القيادة السياسية أهمية كبرى لإنشاء صوامع تخزين الحبوب كخيار استراتيجى يكفل تأمين رصيد كافٍ من احتياطيات القمح، لترتفع سعة الصوامع إلى ٣.٥ مليون طن، مقارنة بنحو ١.٢ مليون طن فى السابق، ومن المستهدف زيادتها إلى ٥ ملايين.

«التموين»: شراء 3.8 مليون طن قمح محلى من المزارعين

كشفت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن شراء كميات من القمح المحلى من المزارعين وصلت إلى ٣ ملايين و٨٠٠ ألف طن منذ بدء التوريد فى أبريل الماضى. كما جرى استيراد نحو ٥ ملايين طن قمح روسى فى الفترة من فبراير ٢٠٢٢ وحتى فبراير الماضى، وتتوقع «التموين» توريد ما يزيد على ٤ ملايين طن قمح محلى خلال موسم التوريد الحالى، من إجمالى إنتاج محلى يقدر بـ٩ ملايين طن فى ٢٠٢٣.

ووفق اللواء شريف باسيلى، العضو المنتدب، الرئيس التنفيذى للشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، فإن هناك نحو ٢٢ منشأ لاستيراد الأقماح للسوق المصرية.

وجرى خلال الفترة الماضية استيراد قمح من ليتوانيا وبلغاريا وألمانيا بأسعار مناسبة وجودة عالية تتطابق مع المواصفات القياسية المصرية.

وتؤمّن مصر نحو ٨٠٪ من القمح عبر التعاون مع روسيا، وهناك اتفاق مع صربيا على توريد نحو مليون طن قمح لمصر عبر بلغاريا ورومانيا، من خلال ميناء كونستانتا الرومانى إلى ميناءى الإسكندرية ودمياط، إلى جانب توريد كميات من الذرة الصفراء لتلبية احتياجات مربى الدواجن.

وأقرت الدولة عدة إجراءات لتأمين مخزونها من القمح أبرزها رفع سعر توريد الإردب فى موسم ٢٠٢٣ بهدف تشجيع ودعم المزارع.

وقال الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، إنه جرى الاقتراب حاليًا من تحقيق المستهدف من شراء القمح المحلى خلال العام الجارى والبالغ ٤ ملايين طن، مشيرًا إلى أن احتياطى البلاد من القمح يكفى ٥.٨ أشهر.

وأضاف الوزير أنه جرى التوسع فى إنشاء الصوامع، لترتفع السعة التخزينية الإجمالية إلى ٣.٥ مليون طن بتكلفة ٧.٤ مليار جنيه، مقارنة بنحو ١.٢ مليون طن فى السابق.

اتفاق مع الاتحاد الأوروبى لإنشاء صوامع ضخمة شرق العوينات وتوشكى

أشار وزير التموين إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبى لإنشاء صوامع تتسع إلى نحو ٦٠٠ ألف طن فى شرق العوينات وتوشكى.

ولفت إلى أنه لولا هذه السعات التخزينية ما كان لمصر أن تنجح فى مواجهة جائحة كورونا وتداعيات أزمة الحرب الأوكرانية الروسية، حيث كانت أسعار القمح أقل من ٣٠٠ دولار، ولكن بعد الحرب الروسية الأوكرانية وصلت إلى ٥٢٠ دولارًا. وأصدر الوزير قرارًا لتنظيم توريد القمح المحلى موسم ٢٠٢٣ نص على شراء الإردب بـ١٥٠٠ جنيه لنسبة النقاء ٢٣.٥ فما فوق، ويقل السعر إلى ١٤٧٥ لنسبة النقاء ٢٣، وينخفض إلى ١٤٥٠ لنسبة ٢٢.٥.

ونص القرار على أن يكون التوريد لصالح الشركة المصرية القابضة للصوامع والشركة العامة للصوامع وشركات المطاحن التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية والبنك الزراعى.

كما حظر الوزير تداول الأقماح المحلية الناتجة عن موسم حصاد ٢٠٢٣ من مكان إلى آخر إلا بموافقة مديرية التموين التابع لها، كما حذر أصحاب المزارع السمكية والمسئولين عن إدارتها من حيازة الأقماح المحلية أو استخدامها كعلف.

وحذر أيضًا أصحاب مصانع الأعلاف والمسئولين عن إدارتها حيازة الأقماح المحلية واستخدامها كأعلاف أو إدخالها فى صناعة الأعلاف.

كما وجه أصحاب مطاحن القطاع الخاص والمنتجة للدقيق الحر لتدبير احتياجاتهم من القمح المستورد وحظر استخدام القمح المحلى أثناء موسم التوريد إلا بتصريح من وزارة التموين والتجارة الداخلية.

خطط لزيادة الطاقة التخزينية إلى 5 ملايين طن ورفع كفاءة 21 صومعة بتكلفة ٦٠ مليون جنيه

قال الدكتور أحمد كمال، المتحدث الرسمى لوزارة التموين والتجارة الداخلية، إن الدولة تسعى لزيادة مخزون القمح وتوفير احتياجات المواطن من خلال المشروع القومى للصوامع الذى يستهدف فى المقام الأول زيادة الطاقة التخزينية الإجمالية إلى ٥ ملايين طن.

وأوضح «كمال» أنه تُجرى حاليًا زيادة السعات التخزينية لصومعة طهطا من ٦٠ إلى ٩٠ ألف طن بتكلفة ١٢٤ مليونًا، لافتًا إلى أنه تم استحداث وإنشاء بناكر للحفاظ على الأقماح المحلية بسعة ١٤٠ ألف طن فى ٥ بناكر بتكلفة ١٠.٢ مليون جنيه.

وأشار إلى تطوير ورفع كفاءة ٢١ صومعة تابعة لشركات المطاحن بسعة تخزينية بلغت ٥٣٠ ألف طن وبتكلفة حوالى ٦٠ مليون جنيه.

بينما قال اللواء شريف باسيلى، رئيس الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، إن الوزارة لديها طاقات تخزينية تصل إلى ٥.٥ مليون طن، حيث يتم تسلم القمح المحلى من المزارعين فى جميع الصوامع التابعة لوزارة التموين إضافة إلى صوامع القطاع الخاص والهناجر والبناكر.

وأضاف: «الاحتياطى الاستراتيجى من القمح يبلغ ٥ أشهر، وتتم حاليًا زيادة الطاقة التخزينية لـ٦٠ صومعة حقلية على مستوى الجمهورية لتستوعب ١٠ آلاف طن بدلًا من ٥ آلاف للصومعة الواحدة».

ورصدت الدولة التمويل الخاص لمشروع الصوامع، حيث وفرت له كل أنواع الدعم لتحديثه وتطويره وإنشاء صوامع جديدة، ونظرًا لأهميتها أنشأت الدولة صوامع حديثة فى كل محافظات الجمهورية لتخزين القمح وحفظه على أحدث نظم تكنولوجيا التخزين فى العالم وتطبيق النظم الحديثة فى إدارتها.

وتم إنشاء العديد من الصوامع منذ عام ٢٠١٤ حتى من بينها تلك التى تم تشييدها من المنحة الإماراتية والقرض السعودى ومبادلة الديون الإيطالية.

وسيلعب التحول الرقمى ونظام ميكنة الصوامع دورًا حيويًا فى حوكمة منظومة القمح وضبط إيقاعها، وسيحدد بشكل واضح حجم الوارد والصادر والمنصرف دون تدخل من العنصر البشرى القابل للخطأ، وهو ما يجعل المعلومات الموجودة مستقبلًا أكثر دقة وإحكامًا.

وتشمل المنظومة الرقمية المستهدف تنفيذها كامل عملية التخزين بدءًا من دخول السيارات المحملة بالأقماح حتى إتمام عملية التفريغ مرورًا بالفرز والميزان بمتابعة من القائمين على غرفة التحكم إلكترونيًا من مقر الشركة القابضة.

ويجرى العمل على قدم وساق نحو التحول الرقمى الذى تنفذه الشركة فى نحو ٢٢ صومعة، ويشهد الموسم المقبل تحول ٧٢ صومعة للمنظومة الرقمية، والتى ستضبط عملية التوريد والتخزين وتحكمها بقدر لن يسمح بأى تلاعب أو هدر فى المستقبل القريب.

وتتمتع مصر بالريادة فى تخزين الغلال وحمايتها من التلف بأساليب لم تكن معروفة للعالم، حيث عرف المصرى قديمًا طريقة صنع الصوامع بعناية فائقة مكنته من حفظ الحبوب من عوامل الرطوبة والتلف، حتى أُطلق على مصر «صومعة العالم».

ومؤخرًا، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتطوير «الشون» لتصبح بنفس كفاءة الصوامع التى تنفذ على مستوى الجمهورية، وأيضًا ربط الصوامع على السكك الحديدية والنقل النهرى بهدف خفض تكلفة النقل البرى، والهدف من هذه القرارات والإجراءات هو الحفاظ على القمح وتجنب إهداره.

خبراء: بدائلنا كثيرة.. علاقاتنا متميزة بالأطراف الدولية.. ولا توجد أزمة فى الأسواق

أكد خبراء فى صناعة الحبوب أن قرار روسيا بوقف العمل باتفاق الحبوب الأوكرانية لا يؤثر على مصر، لأنها أمّنت مخزونًا استراتيجيًا من السلع وعلى رأسها القمح، يكفى لمدة ٦ أشهر.

وقال مجدى الوليلى، عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إن اتفاقية الحبوب التى وقعتها روسيا فى ٢٢ يوليو ٢٠٢٠ كانت تتضمن مرور صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود تحت مظلة تركيا وروسيا والأمم المتحدة. وأضاف أن هذه الاتفاقية كانت تنفذ تحت شروط معينة، إذ طلبت روسيا فى المقابل ربط البنك الزراعى الروسى بالسويفت الدولى، وإلغاء الحجز على الأموال الروسية فى أوروبا وأمريكا، إضافة إلى ٥ شروط أخرى، من بينها تأمين اللوجستيات فى روسيا. وبيّن أنه بسبب عدم تنفيذ تلك الشروط وتلبية رغبة روسيا خلال المدة المحددة أعلنت موسكو عن إلغاء الاتفاقية، متابعًا: «الإلغاء سيؤدى إلى انخفاض حجم مبيعات روسيا وأوكرانيا فى تجارة القمح، حيث كانت مصر تستورد نحو ٨٠٪ من حبوبها من هذين البلدين». وأشار إلى أن مصر هى واحدة من أكبر الدول المستوردة للقمح فى العالم، ومع ذلك فإنه بعد أزمة فيروس كورونا وأزمة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، شعرت مصر بالخطر فأمّنت احتياجاتها، ولم يحدث أى اضطراب أو نقص فى المعروض.

وأضاف: «مصر لديها ما لا يقل عن ٦ أشهر مخزونًا آمنًا من القمح، وأصبحت تعتمد على العديد من الأماكن للحصول عليه، فهى تستورد القمح الهندى والقمح الرومانى والكازاخستانى، ولديها أيضًا معاملات أخرى».

ورأى أن مصر لم تتأثر من هذا القرار، على الرغم من ارتفاع الأسعار العالمية أمس بين ٤ و٦ دولارات للقمح، مشيرًا إلى أن هناك انخفاضًا فى استهلاك السلع بشكل عام، وهذا يعنى عدم تأثير ارتفاع أسعاره على السلع.

من جانبه، قال مصطفى النجارى، رئيس لجنة زراعة الأرز بالمجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، إن العالم طالما طالب بمنع استخدام الغذاء والدواء والأسمدة والطاقة والمواد الأساسية كأدوات سياسية فى الحروب، لأنها تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الشعوب، فى ظل الغلاء والركود الذى عصف بكل الاقتصاديات المختلفة بدءًا من عام ٢٠١٨ وحتى الآن.

وأضاف أنه على الرغم من الوصول إلى تفاهمات، كان الكثير من الاتفاقات يعرقل انسياب حركة القمح، وكان كل طرف فى الصراع الحالى يحاول أن يمسك بأكبر عدد من أوراق اللعبة فى يده قبل الجلوس على طاولة المفاوضات. وأشار إلى أن الموقف فى مصر آمن بخصوص أرصدة السلع الاستراتيجية والحبوب وعلى رأسها القمح، خصوصًا بعد نجاح الحكومة فى تسلم ما يقترب من ٤ ملايين طن قمح هذا العام من المزارعين بسعر تشجيعى وصل إلى ١٥٠٠ جنيه، إلى جانب نشاط هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص فى استيراد كميات قمح متنوعة خلال الـ٦ أشهر الماضية.

ولفت إلى أنه يتم دومًا، من خلال الحجر الزراعى المصرى، اعتماد مناشئ جديدة للقمح، بحيث تضمن مصر، وهى أكبر مستهلك أقماح فى العالم، توفير هذه السلعة الأساسية للمواطن بنفس السعر، برغم ارتفاعات الأسعار والنوالين وارتباكات التوريد فى بعض الأحيان. وقال: «تتمتع مصر بعلاقات ممتازة ومتوازنة مع كل الأطراف، وتقف على نفس المسافة بين الجميع، ودائمًا تطالب وتسعى بسرعة لحل المشاكل العالمية، لأن العالم يمر حاليًا بأزمات متعاقبة لن يربح منها أحد».

أما خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، فقال إن قرار روسيا بوقف اتفاق الحبوب الأوكرانية ستكون له آثار سلبية على أسعار الحبوب حول العالم، لكن مصر لن تتأثر بهذا القرار نتيجة وجود اتفاقية بين مصر وروسيا لتبادل السلع بالعملات المحلية، إضافة إلى التفاهمات الأخيرة مع الهند، التى قد تكون البديل حال حدوث أزمة، كونها واحدة من أكبر الدول المنتجة للحبوب حول العالم. وتابع: «العالم لن يتأثر بهذا المنع الذى سيكون فى حدود ٢٠٪ إلى ٣٠٪ من إجمالى ما تنتجه أوكرانيا، ما يعادل ٥٪ إلى ١٠٪ من إجمالى حجم التجارة العالمية المتعلقة بالحبوب»، مشيرًا إلى أن أسواق الحبوب العالمية ستشهد المزيد من الارتفاعات على خلفية هذا القرار.