رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تعلق آمالًا كبيرة على مستقبل سيناء

لم ينتصر رئيس مصرى للأحلام المؤجلة فى سيناء، كما يفعل الرئيس عبدالفتاح السيسى الآن، الذى عمد إلى إنشاء أنفاق تحت قناة السويس، ربطت هذا الجزء الغالى من الأراضى المصرية بباقى المحافظات، ثم أطلقت ثورة تنموية، عمرانية وصناعية وزراعية، فى أرض الفيروز، كانت يومًا حلمًا حاول البعض تحقيقه، لكن حال ضعف موارد الدولة دون تحقيقه، مع إرادة سياسية لم تكن من القوة وقتها بالقدر الذى يدفع مصر إلى تحدى المستحيل، كما يفعل الرئيس السيسى الآن، حتى باتت سيناء تتخذ طريقًا، لتكون جنة عدن على رمال الصحراء التى تتحول رويدًا رويدًا إلى اللون الأخضر.. ولنعد إلى الماضى حتى نتعرف على هذا الحلم الذى لم يتحقق إلا الآن، فى عهد الجمهورية الجديدة.
فى 27 مايو 1979، نشرت صحيفة نيويورك تايمز نسخة رقمية من مقال من أرشيفها المطبوع، قبل بدء النشر على الإنترنت عام 1996.. قال فيه كاتبه كريستوفر س. رين، تحت عنوان «مصر تعلق آمالًا كبيرة على مستقبل سيناء».. إنه بعد أن أعادت إسرائيل كل سيناء إلى مصر، من المتوقع أن ينمو عدد سكان شبه الجزيرة المتناثر إلى مليونى نسمة فى غضون أكثر من عقدين بقليل.. ومن المقرر أن تصبح مئات الآلاف من الأفدنة من الأراضى القاحلة خصبة بالمحاصيل التى تغذيها المياه المنقولة بأنابيب النيل، وستنتج المنطقة وفرة من الفحم والنفط والغاز الطبيعى والثروات الطبيعية الأخرى.
هذا هو الحال الذى سيكون عليه الأمر، إذا أمكننا تصديق توقعات المسئولين المصريين.. فقبل خسارة سيناء لصالح إسرائيل فى حرب عام 1967، كان معظم المصريين يعتبرونها ذات قيمة هامشية فقط، مع بعض النفط والسياحة وصيد الأسماك.. ومنذ حرب عام 1973، وبموجب اتفاقيات فض الاشتباك اللاحقة التى بدأت فى عام 1974، استعادت مصر أجزاء من سيناء على مراحل.. والآن، ينظر إلى سيناء فى القاهرة، على أنها الدواء الشافى لمشاكل مصر المتمثلة فى الاكتظاظ السكانى والفقر ونقص الغذاء.
تقوم الوزارات الحكومية بوضع خطط مفصلة، وتطالب بمخصصات ضخمة للاستفادة من موارد سيناء.. وقد أكد الرئيس أنور السادات نفسه لوفد من سيناء أواخر العام الماضى، أن (المساحات الخضراء ستغطى شبه جزيرة سيناء بأكملها، وستكون المنطقة بأكملها أرض الحب والسلام والتعايش).. هذه آمال كبيرة فى منطقة صحراوية مساحتها أربعة وعشرون ألف ميل مربع، أى ما يقرب من نصف مساحة ولاية نيويورك.. لكن الخطط غطت على أكثر من عدد قليل من المشاكل العملية، وفى بعض الأحيان تجد التقارير الصحفية الوردية المصداقية.. وشعر بعض الخبراء الزراعيين بالحيرة عندما قرأوا فى صحيفة (الأخبار) فى فبراير، أن مسوحات التربة فى سيناء (أكدت أن طمى النيل وصل إلى عمق شبه الجزيرة).
يمكن لسيناء الحفاظ على التنمية الزراعية، ولكن فى الغالب فى حوض وادى العريش، الذى ستحتفظ إسرائيل بالجزء الأكبر منه لمدة ثلاث سنوات، بما فى ذلك مستوطناتها فى رفح، فى الشمال الشرقى المتاخم لإسرائيل. حوالى 750.000 فدان، التى تم تخصيصها للاستصلاح فى قوس شمالى غربى من العريش إلى الإسماعيلية.. ووفقًا لتقديرات داخلية، فإن خط أنابيب من النيل إلى سيناء يمكن أن يكلف ما يصل إلى مليار دولار، دون ضمان أنه سيكون كافيًا لجعل الصحراء تزدهر.. ولا يزال نفق المياه العذبة الوحيد الموجود تحت قناة السويس، بالقرب من الإسماعيلية، معطلًا.
ليس فقط النفط والغاز الطبيعى، ولكن أيضًا الفحم والسيليكا وخام الحديد والجبس والمنجنيز، من بين معادن أخرى، تم العثور عليها فى سيناء.. لكن التكلفة العالية لاستخراجها تترك بعض الرواسب غير مجدية اقتصاديًا.. حقول الفحم الوحيدة المعروفة فى مصر موجودة فى سيناء، ولا سيما فى المُغيرة، وهى منطقة جبلية تقدر احتياطياتها بـ51.8 مليون طن.. يقول إخصائيو التعدين إن 30% من هذا لا يمكن استخراجه، وهو ذو نوعية رديئة بشكل عام.. فى عيون موسى، جنوب شرق مدينة السويس، توجد رواسب فحم أخرى محاصرة تحت الماء عند ضغط مرتفع للغاية.
ومن المرجح أن يأتى العائد الاقتصادى الأكبر من نفط سيناء، الذى يمثل بالفعل حوالى 85% من الإنتاج.. وفى الشهر الماضى، تم توقيع خمس اتفاقيات جديدة مع شركات نفطية أجنبية للتنقيب فى جنوب غرب سيناء وعلى طول خليج السويس، وتم اكتشاف حقول محتملة للغاز الطبيعى فى شمال غرب سيناء.. ومن المقرر أن تعيد إسرائيل حقول ألما النفطية فى وقت لاحق من هذا العام، كجزء من اتفاق السلام.. لكن خبيرًا بتروليًا فى القاهرة يعتقد أن الإسرائيليين ضخوا بالفعل الكثير من النفط لدرجة أن الإنتاج هناك قد يبدأ فى الانخفاض قريبًا بدلًا من الارتفاع.
ربما تكون المشكلة الأكبر هى التكلفة الهائلة لتطوير سيناء.. إذ قال وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، حسب الله الكفراوى، إن تكلفة المرحلة الأولى من إعادة الإعمار وحدها ستتجاوز 300 مليون دولار، والمرحلة التالية ستكلف أكثر من ضعف هذا المبلغ.. ويسأل المصريون مسئولى المساعدات الأمريكية، عما إذا كان برنامجهم السنوى للمساعدة المدنية الذى تبلغ قيمته مليار دولار يمكن أن يساعد.
يتطلب الهيكل الاقتصادى المحدود والمرافق فى سيناء إصلاحًا شاملًا قبل استيعاب المزيد من السكان أو الصناعة.. سيستغرق الأمر حوالى 230 مليون دولار، وست سنوات فقط لإعادة بناء نظام السكك الحديدية الضيقة فى سيناء، وأكثر من 60 مليون دولار لإصلاح ألف ميل من الطرق المتدهورة.. ويتضح التنسيق العشوائى بين بعض الوزارات من خلال نفق المركبات الذى يتم بناؤه تحت قناة السويس تحت إشراف وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة.. ويجرى تركيب أنبوبى مياه عذبة فى النفق، بسعة حوالى مليون قدم مكعب من المياه يوميًا، وهو ما يكفى بالكاد لـ80 ألف شخص، باستثناء الاحتياجات الزراعية.
وقد أشار عبده شطا، الذى يرأس معهد الصحراء، وهو جيولوجى صحراوى، بدأ العمل فى سيناء قبل 35 عامًا، إلى (إمكانية زراعية عالية جدًا) فى حوض وادى العريش الذى يبلغ طوله 7700 متر فى شمال شرق سيناء.. وقال إنه بصرف النظر عن بعض المياه الجوفية، تشهد المنطقة أمطارًا غزيرة كل خمس سنوات أو نحو ذلك، يمكن احتجازها وتخزينها إذا تم بناء السدود الخرسانية والترابية فى الأخاديد.. واقترح معهد الصحراء، الذى يعمل تحت إشراف وزارة الزراعة، ترميم سد طمى فى الرويفة، وبناء عدد من السدود الأخرى فى وادى العريش، ثم وضع مجتمعات زراعية صغيرة حولها.. واقترح الدكتور شطا أنه يمكن بناء مجتمعات تجريبية على الحافة الغربية لوادى العريش. وقال: (إذا خططنا بشكل كافٍ، أعتقد أنه يمكننا تحقيق إنجازات ممتازة فى سيناء).
ويبدو أن معظم المصريين غير مستعدين للاعتراف بأن لديهم أى شىء يتعلمونه من المستوطنين الإسرائيليين فى شمال شرق سيناء، معتبرين أن أى شخص لديه التكنولوجيا الحديثة يمكنه القيام بهذه المهمة أيضًا.. لكن مصر لا تعارض طلب المساعدة الأجنبية فى أماكن أخرى.. فقد تمت دعوة شركة كورية جنوبية إلى شمال سيناء لتطوير صناعة صيد الأسماك فى بحيرة البردويل، التى تشتهر بسمك البورى الرمادى.. وقال محمد حسين شوكت، محافظ شمال سيناء الجديد، إن العائد الحالى البالغ 2500 طن سنويًا أو أقل (يمكن زيادته بسهولة إلى 6000 هذا العام من خلال تطبيق تقنيات الصيد الحديثة).
تدرك مصر، أيضًا، الإمكانات السياحية الكبيرة لسيناء، وتعتزم الترويج ليس فقط للمواقع الدينية حول جبل سيناء، ولكن أيضًا تحصينات بارليف التى تم الاستيلاء عليها من الإسرائيليين فى حرب عام 1973.. هناك عدد من الشواطئ غير المطورة على طول البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وقد عرضت الشركات الفرنسية بالفعل إنشاء منتجعات فى شرق قناة السويس.
من بين كل أحلام سيناء، ربما ينظر إلى تنبؤ الحكومة بازدهار عدد السكان إلى مليونى نسمة بحلول عام ألفين بأكبر قدر من الشك.. ومن الصعب على شبه الجزيرة أن تدعم 159 ألف مصرى هناك الآن.. واعتبر مستشار غربى فى القاهرة أن حدوث طفرة سكانية أكثر احتمالًا بكثير فى مدن قناة السويس، بورسعيد والإسماعيلية والسويس، على الضفة الغربية للقناة، بعد أن تم وضعها فى وقت السلم، (كانت مدن القناة هى الحدود.. بمجرد إطلاق سراحهم، سيصبحون منطقة النمو الحقيقية).. هكذا قال.. ونقول نحن إننا لو لم نؤجل عمل اليوم إلى الغد، لكنا نعيش فى جنة سيناء الآن، ولكفينا أنفسنا شر فروق التكلفة الباهظة، بين ما كان أيام الرئيس السادات ومن تلاه، وبين الآن.. لكن أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى أبدًا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

[email protected]