رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسودان.. وإفريقيا

السودان الشقيق كان الغائب الحاضر فى النسخة الخامسة من القمة التنسيقية نصف السنوية للاتحاد الإفريقى، التى استضافتها العاصمة الكينية نيروبى، أمس الأول الأحد، بعد أيام قليلة من استضافة القاهرة «قمة دول جوار السودان» التى توافق خلالها قادة دول الجوار السبع على تشكيل آلية وزارية مهمتها وضع خطة عمل تنفيذية لوقف القتال، والتوصل إلى حل شامل للأزمة، عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة.

تحت عنوان «مصر والسودان ودول الجوار»، تناولنا مخرجات قمة القاهرة أو بيانها الختامى، الذى تضمن ما توافق واتفق عليه قادة الدول الست، الذين استجابوا لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى وشاركوا فى القمة. ثم تناولنا ترحيب ودعم عدد من الدول العربية لتلك المخرجات، أو لهذا البيان، فى مقال عنوانه «مصر والسودان.. والعرب». واليوم، نضيف القارة السمراء، التى كان قادة دولها قد تعهدوا، سنة ٢٠١٣، أى منذ عشر سنوات، بـ«إنهاء جميع الحروب فى إفريقيا بحلول سنة ٢٠٢٠»، وأطلقوا مبادرة «إسكات البنادق»، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، التى تغير اسمها، لاحقًا، إلى الاتحاد الإفريقى!

لأسباب عديدة، لم تتمكن دول القارة من الالتزام بالإطار الزمنى المحدد للمبادرة، أو بخارطة الطريق، التى وضعها الاتحاد، وبالتالى لم تسكت البنادق، فى ٢٠٢٠ أو ٢٠٢١ أو... أو وقت كتابة هذه السطور. ومع دخول الصراع فى السودان شهره الرابع، لا يزال بعض الأطراف يبتكر مبادرات ويبذل جهودًا فى الفراغ، أو الفضاء، أو الخلاء. فى حين يقول الواقع، وشهادات الأعداء قبل الأصدقاء، إن مخرجات «قمة دول جوار السودان»، وجهود الدولة المصرية إجمالًا، هى الأبرز بين كل المساعى الدولية والإقليمية لتسوية الأزمة، التى بدأت فى منتصف أبريل الماضى، وأودت بحياة أكثر من ٣ آلاف وشرّدت نحو ٣ ملايين، وتنذر بصراع ممتد وتبعات كارثية على السودان، والمنطقة، إذا لم تتعاون الدول العربية والإفريقية فى احتوائها.

لم يتناول الرئيس السيسى الأزمة السودانية فى كلمتيه خلال قمة نيروبى، إذ استعرض فى الأولى خطة الرئاسة المصرية لوكالة الـ«نيباد»، وتناول فى الثانية جهود مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية على دول القارة، بصفته الرئيس الحالى لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ. لكنه ركز فى مباحثاته مع الرئيس الكينى ويليام روتو، على هامش القمة، على جهود التنسيق بين المبادرات الرامية إلى تسوية، ومن بينها قمة دول جوار السودان. وما يعطى هذه المباحثات أهمية مضاعفة هو أن الرئيس الكينى يرأس اللجنة الرباعية، التى شكلتها الهيئة الحكومية للتنمية فى شرق إفريقيا، «الإيجاد»، والتى أضيف اجتماعها الأسبوع الماضى فى أديس أبابا، إلى الجهود الدولية والإقليمية، التى لم تحرز تقدمًا يُذكر، وقوبلت نتائجه باعتراض شديد من الحكومة السودانية.

السودان يعيش فوق فوهة بركان، حرفيًا وليس مجازًا، منذ الانفجار الشعبى، الذى انتهى بالإطاحة بنظام عمر البشير، فى أبريل ٢٠١٩. والثابت، هو أن مصر، خلال تلك المرحلة المفصلية، ساندت، ولا تزال، جميع جهود تعزيز السلام والاستقرار فى الدولة الشقيقة، واستكمالًا لهذا الدور، تابعت بقلق بالغ الأزمة الحالية، منذ بدايتها، وطالبت فى ساعاتها الأولى كل الأطراف بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، حماية لأرواح ومقدرات الشعب الشقيق وإعلاءً للمصالح العليا للوطن. ولم تتوقف جهودها وتحركاتها واتصالاتها، العلنية والسرية، التى تكاملت مع مختلف المسارات، واستندت إلى عدد من المحددات والثوابت، أبرزها احترام إرادة الشعب السودانى وعدم السماح بالتدخلات الخارجية فى شئونه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية، التى تعد الضمانة الأساسية لحماية الدولة الشقيقة، وكل الدول، من خطر الانهيار.

.. أخيرًا، وبعد التأكيد على أن المبادرات المتنافسة أحدثت قدرًا كبيرًا من الارتباك، وزادت النيران المشتعلة فى البلد الشقيق اشتعالًا، نرى ضرورة أن تتكامل كل المسارات والمبادرات والجهود، خاصة الإفريقية والعربية، لتؤسس معًا خارطة طريق، تعالج جذور المشكلات، التى أشعلت النيران، أو أدت إلى الأزمة، بمشاركة جميع أطياف الشعب السودانى، دون تدخل أى أطراف خارجية، عربية، إفريقية أو دولية.