رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلات الروس إلى سوريا

صدر حديثًا عن هيئة قصور الثقافة كتاب «سوريا القرن ١٩ فى رحلات روسية»، ترجمة د. نوفل نيوف الأديب والروائى السورى وأحد أساتذة اللغة الروسية العظام، وبذلك يواصل النشر- فى ظل جرجس شكرى- تقديم كل ما يستحق القراءة، والتنويه، والإشادة. 

ولقد أغنى د. نوفل نيوف المكتبة العربية بأكثر من عشرين كتابًا ما بين الترجمة والتأليف، كان آخرها مجموعة قصص بديعة، لا تُنسى، بعنوان «كل شىء عن الحب» للكاتبة الروسية ناديجدا طيفى، إحدى أوائل من كتب القصة القصيرة فى روسيا. 

أما الكتاب الصادر عن قصور الثقافة فإنه يقدم لنا بقلم الرحلات المجهولة التى قام بها الرحالة الروس إلى سوريا وانطباعاتهم عنها، وقد كانت الرحلات فيما مضى هى السبيل الوحيد الذى يتعرف به العالم إلى بعضه بعضًا، وإلى الثقافات والتاريخ المشترك والمختلف. وفى هذا الإطار قامت بدور بارز رحلات الروس إلى مصر، وإلى النوبة، فوثقت صورة ذلك العصر التى لم تكن لتظل حية لولا أولئك الرحالة. 

وليسمح لى القارئ أن أميل بالموضوع إلى جهة أخرى، لأوضح أحد أسباب سعادتى بصدور كتاب د. نوفل نيوف، فأقول- مثلًا- إن علاقة الشعب المصرى بالشعب السودانى العزيز علاقة أُخوة وثيقة تخللتها الأحداث والعادات والآمال المشتركة، علاقة أخوين شربا وأكلا من طبق واحد، أما علاقتنا بسوريا فقد زادت على ذلك بُعدًا آخر ثقافيًا باشتباك الثقافة المصرية العميق بالثقافة السورية، بتأثير قوى من الكتّاب حنا مينا، وعبدالسلام العجيلى، وسعدالله ونوس، وحسين ورور، وإبراهيم صموئيل، وسعيد حورانية، ووفاء خرما، وكلاديس مطر، ورباب هلال، كل أولئك الذين تركوا أثرًا عميقًا فى ثقافتنا. 

كما تتواثب ساطعة فى تاريخنا صور سليمان الحلبى، والبطل السورى جول جمال ابن اللاذقية، الذى كان يدرس فى الكلية البحرية بمصر وقت وقوع العدوان الثلاثى، فلم يرجع إلى سوريا، بل بقى وتطوع فى قيادة زوارق الطوربيد المصرية ليدمر البارجة الفرنسية «جان بار» عند سواحل البرلس فى ٤ نوفمبر ١٩٥٦، ومع سوريا تحديدًا وليس غيرها تمت الوحدة ثلاث سنوات من ٢٢ فبراير ١٩٥٨ حتى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١، وسبق ذلك كله منذ البداية حضور فى شخص يعقوب صنوع السورى الأصل الشهير بـ«أبونظارة»، رائد المسرح المصرى والصحافة الساخرة الذى بدأ تأسيس المسرح المصرى عام ١٨٦٩، وحل أبوخليل القبانى ضيفًا سوريًا آخر على مصر يواصل تجديد المسرح، وكان سليم الحموى «نسبة إلى حماة فى سوريا» أول من أسس صحيفة «كوكب الشرق» بالإسكندرية عام ١٨٧٣، وبعده بعامين قام الأخوان سليم وبشارة تقلا بتأسيس جريدة الأهرام عام ١٨٧٥، وبعد ذلك بعامين برزت صحيفة «مصر» التى أنشأها السورى العظيم أديب إسحق، وشق التأثير السورى طريقه إلى قلوب المصريين عبر مارى منيب التى جاءت مع والدتها من سوريا بحثًا عن والدها الخواجة سليم، ثم استقرت، واختطفوا القلوب بصوت أسمهان واسمها الحقيقى «آمال»، هاجرت إلى مصر مع أخيها «فريد فهد فرحان إسماعيل الأطرش» من جبل العرب بسوريا هربًا من الاحتلال الفرنسى، ثم ظهر أنور وجدى، وكانت أسرته تعمل فى تجارة الأقمشة فى حلب وانتقلت إلى مصر، وفايزة أحمد، وغيرهم. 

أخيرًا يبقى أن والد سعاد حسنى، سندريلا الشاشة العربية، خطاط سورى معروف استدعاه الملك فاروق للإشراف على مدرسة تحسين الخطوط الملكية، وجِدها مطرب سورى هو حسنى البابا، وأخوه ممثل كوميدى اشتهر بتقليد شخصية المرأة الشامية! 

الأسماء كثيرة، وكلها تشير إلى تاريخ طويل من الحضور السورى، لذلك أجدنى سعيدًا بصدور كتاب د. نوفل نيوف، أراه تجديدًا واستمرارًا بعلاقتنا مع سوريا، التى دخلت فيها علاوة على الأخوة عناصر التفاهم الثقافى والتأثير والتأثر والتفاعل المثمر.