رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسودان ودول الجوار

بالتوافق على احترام سيادة الدولة الشقيقة ووحدة أراضيها، والاتفاق على ضرورة إطلاق حوار جامع لكل الأطراف السودانية، لبدء عملية سياسية شاملة تحقق الأمن والرخاء والاستقرار، ومع التأكيد على رفض أى تدخل خارجى، انتهت «قمة دول جوار السودان»، التى دعا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، واستضافتها القاهرة، أمس الخميس، وشارك فيها رؤساء دول وحكومات إريتريا، جنوب السودان، ليبيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، إثيوبيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، والأمين العام لجامعة الدول العربية.

مصر، كما انتهينا أمس فعلت، ولا تزال، كل ما بوسعها منذ بداية الأزمة، سواء عبر دعم الجهود الإفريقية والعربية والدولية، أو بمواصلة التنسيق مع كل الشركاء والمنظمات الإغاثية، لتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة، والتخفيف من الوضع الإنسانى المتدهور. وكنا قد توقعنا، تمنينا، أو انتظرنا أن تنتهى القمة باتخاذ خطوات عملية لحقن دماء الشعب الشقيق، وتجنيبه الآثار السلبية للنزاع، والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدراتها، والحد من استمرار آثار الأزمة الجسيمة على دول الجوار وعلى أمن واستقرار المنطقة ككل.

تصور الدولة المصرية لخروج السودان من مأزقه الراهن، طرحه الرئيس السيسى، فى كلمته خلال افتتاح القمة، التى جدّد فيها تشديده على أننا لن ندخر جهدًا للمساعدة فى استعادة الأمن والاستقرار والسلام فى ربوع هذا البلد الشقيق، بالتعاون مع كل الأطراف الجارة والصديقة. كما كرر تأكيده على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية حتى التوصل إلى حل سياسى شامل، وبعد أن أشاد بمواقف دول جوار السودان التى استقبلت مئات الآلاف من النازحين، طالب «المجتمع الدولى» بالوفاء بتعهداته التى تم الإعلان عنها فى مؤتمر يونيو الماضى الإغاثى، وتقديم الدعم اللازم لدول جوار السودان الأكثر تضررًا من التبعات السلبية للأزمة، بما يعزز قدرتها على الصمود، ويرفع المعاناة عن كاهل الفارين من النزاع.

المهم، هو أن ما تم التوافق، الاتفاق، والتأكيد عليه، كان جزءًا من تصور مصر، وبعض ما نص عليه البيان الختامى للقمة، الذى تضمن ثمانى نقاط، بدأت بالإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمنى والإنسانى فى السودان، ومناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار و... وانتهت بالاتفاق، فى النقطة الثامنة، على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول، الذى لم يتم تحديد موعده، فى جمهورية تشاد، لوضع خطة عمل تنفيذية، تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة.

جرى تكليف الآلية الوزارية أيضًا، ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التى تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السودانى. ومن المقرر، بناءً على ما تم الاتفاق عليه أن تعرض هذه الآلية نتائج اجتماعاتها، وما توصلت إليه من توصيات، على القمة المقبلة لدول جوار السودان.

.. وأخيرًا، استوقفتنا إشارة موسى فقى محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، فى كلمته، إلى أن «عوامل سلبية داخلية وخارجية أشعلت الوضع فى السودان»، خاصة مع إعراب رئيس الوزراء الإثيوبى عن تطلعه إلى «أن تكون هناك سلطة فى السودان تأخذ زمام الأمور وتنهى الأزمة»، الذى نراه تكرارًا أو إعادة صياغة لعدم اعترافه بقيادة الدولة الحالية، الذى سبق أن طرحه فى اجتماع رباعية «الإيجاد»، والذى نراه مناقضًا للنقطة الثانية من البيان الختامى لقمة أمس، التى أكدت على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، مع التشديد على أهمية عدم تدخل أى أطراف خارجية فى الأزمة بما يعوق جهود احتوائها ويطيل أمدها.