رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة دول جوار السودان

المبادرات المتنافسة، ولن نصفها بغير ذلك، أحدثت قدرًا من الارتباك فى طريقة دفع طرفى الصراع فى السودان إلى تسوية الأزمة التى يعيشها البلد الشقيق، وحرصًا من الرئيس عبدالفتاح السيسى على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر، تستضيف مصر، اليوم الخميس، «قمة دول جوار السودان»، التى تهدف إلى بحث سبل إنهاء الصراع ووضع آليات فاعلة، لتسوية الأزمة سلميًا، بالتنسيق مع المبادرات والمسارات الإقليمية والدولية الأخرى.

الجهود والتحركات والاتصالات، العلنية والسرية، التى قامت، وتقوم، بها مصر مع دول الجوار والقوى الدولية الكبرى، تتكامل مع مختلف المسارات، وتستند إلى عدد من المحددات والثوابت، أبرزها ضرورة التوصل إلى وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، والحفاظ على المؤسسات الوطنية، التى تعد الضمانة الأساسية لحماية الدولة الشقيقة، وكل الدول، من خطر الانهيار. وفى سياقات مختلفة، أكد الرئيس السيسى أن النزاع يخص الأشقاء السودانيين، وأن دور الأطراف، الدولية أو الإقليمية، ينبغى أن يقتصر على مساعدتهم فى إيقافه وتحقيق التوافق حول حل الأسباب التى أدت إليه. وبوضوح أكثر، أكد الرئيس احترام مصر إرادة الشعب السودانى، ورفضها التدخل فى شئونه الداخلية، وشدّد على أهمية عدم السماح بالتدخلات الخارجية.

تأسيسًا على تلك المحددات أو هذه الثوابت، شدّد الرئيس السيسى، خلال مشاركته فى اجتماع عقده «مجلس السلم والأمن الإفريقى»، عبر الـ«فيديو كونفرانس»، فى ٢٧ مايو الماضى، على ضرورة أن تقوم كل المسارات على معايير موحدة ومنسقة يدعم بعضها بعضًا، وتؤسس لخارطة طريق للعملية السياسية، تعالج جذور الإشكاليات، التى أدت إلى الأزمة الحالية بمشاركة موسعة وشاملة، لجميع أطياف الشعب السودانى، كما أكد الأهمية القصوى للتنسيق الوثيق مع دول الجوار، لحلحلة الأزمة واستعادة الأمن والاستقرار بالسودان باعتبارها طرفًا أصيلًا ولكونها الأكثر تأثرًا بالأزمة، والأكثر حرصًا على إنهائها، فى أسرع وقت. 

الصراع الدائر فى البلد الشقيق، منذ منتصف أبريل الماضى، أسفر عن مقتل أكثر من ٢٨٠٠ شخص ونزوح حوالى ثلاثة ملايين، لجأ أكثر من ٧٠٠ ألف منهم إلى دول الجوار، خاصة إلى مصر شمالًا وتشاد غربًا، بحسب بيان أصدرته منظمة الهجرة الدولية مساء أمس الأول الثلاثاء. ولا تزال هناك محاولات للوساطة تقوم بها أطراف إقليمية ودولية، من بينها اللجنة الرباعية المنبثقة من الهيئة الحكومية للتنمية فى شرق إفريقيا، «الإيجاد»، التى تضم قادة جيبوتى وجنوب السودان وإثيوبيا ويرأسها الرئيس الكينى، والتى عقدت اجتماعًا فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الإثنين الماضى، دعا بيانه الختامى الأطراف السودانية إلى وقف العنف فورًا، والتوقيع على وقف لإطلاق النار غير مشروط، من خلال اتفاق تدعمه آلية تنفيذ ومراقبة فعالة.

اجتماع رباعية «الإيجاد» أضيف إلى الجهود الدولية والإقليمية، التى لم تحرز تقدمًا يُذكر. وفى بيان أصدرته أمس الأول، الثلاثاء، عبّرت الخارجية السودانية عن دهشتها للتصريحات التى زعم فيها رئيس الوزراء الإثيوبى أن هناك فراغًا فى قيادة الدولة، ما يعنى عدم اعترافه بقيادة الدولة الحالية، كما نددت بما قاله المذكور بشأن فرض حظر جوى على السودان، خلافًا لتفاهماته مع رئيس مجلس السيادة. وفى تصريحات لتليفزيون السودان، قال على الصادق، وزير الخارجية المكلف، أمس الأربعاء، إن الرئيس الكينى ورئيس الوزراء الإثيوبى «يريدان تحقيق بعض المكاسب فى الإقليم، على حساب السودان». وتعليقًا على مبادرة مصر، بعقد واستضافة قمة اليوم، قال «الصادق» إن بلاده تنظر إليها بإيجابية، وتتمنى أن تحقق أهدافها.

.. وأخيرًا، نرى أن مصر فعلت، ولا تزال، كل ما بوسعها، منذ بداية الأزمة، سواء عبر دعم الجهود الإفريقية والعربية والدولية، أو بمواصلة التنسيق مع كل الشركاء والمنظمات الإغاثية، لتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة، والتخفيف من الوضع الإنسانى المتدهور. ونتوقع، نتمنى، أو ننتظر أن تنتهى قمة اليوم باتخاذ خطوات عملية لحقن دماء الشعب الشقيق، وتجنيبه الآثار السلبية التى يتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وعلى أمن واستقرار المنطقة ككل.