رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعضاء مكاتب تسوية المنازعات الأسرية يتحدثون لـ«الدستور»

تسوية المنازعات الأسرية
تسوية المنازعات الأسرية

- حضور طرفى النزاع يرفع نسبة نجاح الصلح إلى 60% وإذا حضر وكيلاهما فإن النسبة لا تتجاوز 20%

- زوجة طلبت منع بنات زوجها من زيارته.. وأخرى أصرت على أن يستقيل زوجها الحارس بحديقة الحيوان من عمله

- سيدة تحاول الانتحار مرتين للخلاص من زوجها البخيل

يعد تكوين الأسرة هو النواة التى يقوم عليها أى مجتمع، ومن هنا تأتى الأهمية الكبيرة التى تحتلها الأسرة فى المجتمع، وجعلتها تحظى باهتمام كبير من قبل الدولة.

وفى إطار هذا الاهتمام، يُلزم القانون مقيم الدعاوى القضائية المتعلقة بالانفصال أو الطلاق باللجوء إلى مكاتب التسوية وفض المنازعات الموجودة فى محاكم الأسرة؛ للتوصل إلى حلول ودية وإمكانية الصلح دون اللجوء إلى القضاء.

فى السطور التالية يتحدث عدد من أعضاء بعض مكاتب التسوية وفض المنازعات الأسرية فى محاكم الأسرة بالقاهرة، من إخصائيين اجتماعيين ونفسيين وخبراء قانون، لمعرفة كواليس جلسات التسوية فى هذه المحاكم، وكيفية التعامل مع طرفى النزاع للوصول إلى التصالح.

محمود عبدالهادى: هدفنا الوصول إلى حلول ودية دون اللجوء إلى ساحات القضاء

قال محمود عبدالهادى، إخصائى اجتماعى فى مكتب تسوية منازعات أسرية، إن القانون ألقى على عاتقهم مهمتين فى غاية الصعوبة، معتبرًا أنه يخطئ من يرى أن فض المنازعات أمر سهل.

وأضاف «عبدالهادى» أن المهمة الأولى هى مساعدة القضاء فى فض المنازعات الأسرية، وتقليل الكثافة داخل محاكم الأسرة، وتسهيل مهمة المحاكم فى حل مشاكل الآلاف من القضايا الأسرية بصورة أسرع وأكثر بساطة.

أما المهمة الثانية فهى العمل على ترابط الأسرة وتوطيد العلاقة بين الزوجين من جديد، بعد حدوث أى شرخ كبير، ووصول كل خيوط الترابط بينهما إلى أن تكون معدومة، وهى مهمة شاقة ومجهدة للغاية، ولا يستطيع أداءها سوى المتخصصين والدارسين، وفق «عبدالهادى».

وأفاد الإخصائى الاجتماعى بأن مكاتب تسوية المنازعات الأسرية تم تفعيلها منذ العمل بقانون الأسرة عام ٢٠٠٥، مضيفًا: «فى كل محكمة عدد كافٍ من الإخصائيين القانونيين والاجتماعيين والنفسيين، دورهم البحث فى المشكلة المقدمة، ومحاولة حلها بكل الطرق الممكنة».

وأوضح أنه فى البداية يُحدد موعد جلسة لنظر موضوع الطلب أمام مكاتب التسوية، ويُبلغ الخصم المقدم ضده الطلب بموعد الجلسة للحضور من أجل الوصول إلى تسوية ودية بين طرفى النزاع دون اللجوء إلى القضاء.

وواصل: «فى يوم الجلسة يحضر طرفا المشكلة أمامنا، ويقدم الخصم طلبًا للتسوية الودية دون اللجوء إلى القضاء، ويقدم المدّعى كل أوجه دفاعه عن نفسه، ونحاول بكل الطرق الممكنة الوصول إلى حلول ودية تكون مُرضية للطرفين، فإذا نجحنا فى إتمام الصلح بينهما نسجل عقد صلح واتفاق بينهما دون اللجوء إلى رفع دعوى قضائية».

وأضاف: «تمكنّا من الصلح فى العديد من القضايا، آخرها لسيدة تبلغ من العمر ٣٤ عامًا، ورغم أنها متزوجة منذ ١٠ سنوات تقريبًا، فإنها دائمًا لديها شك كبير فى زوجها، ولا يوجد معها أى دليل إدانة ضده إلا الشك الذى يملأ قلبها تجاهه، وكان رد الزوج بأنها تعانى سوء نية تجاه الجميع، فدائمًا تعتقد أنه يخونها وأهله لا يحبونها، ووصل بها الأمر إلى اتهام الزوج بأنه يحرض أطفالهما على الحديث عنها بطريقة سيئة، وكانت كل مشاكلها مبنية على التخيلات والاعتقادات الخاطئة فقط، وكادت تخسر بيتها وزوجها من أجل أوهام ليست صحيحة، وبعد جلستين تمكنا من الصلح بين الطرفين».

وتابع: «من أغرب القضايا المثيرة التى تمكنا من الصلح فيها، أيضًا، كانت لسيدة ثلاثينية أخفى عنها زوجها بأن لديه مشكلة فى الإنجاب لمدة ٩ سنوات، ويشاء القدر أن تنجب منه طفلًا أسمياه (يوسف)، وبعد السعادة الغامرة التى عاشا فيها بعد أن رزقهما الله بهذا الطفل وبدآ فى تأمين مستقبله عن طريق شراء شقة باسمه ووضع وديعة له بأحد البنوك- اكتشفت عن طريق الصدفة بأنه متزوج من سيدة أخرى منذ أكثر من سنة، لأن الأطباء طلبوا منه الزواج من فتاة صغيرة فى العشرينات حتى تكون فرصة الإنجاب لها أسهل، وهنا اعترف لها بأنه كان على مدار سنوات زواجهما يتردد على الأطباء لعلاجه، وأخفى عنها زواجه، وبعد انعقاد عدة جلسات تمكنا من إقناعهما بالصلح».

شرين عادل: السيدات «الأكثر تعنتًا» بسبب الضغوط

رأت شرين عادل، إخصائية نفسية فى أحد مكاتب تسوية المنازعات بمحاكم الأسرة، أن الزواج لا يخلو من الصراعات، لكن يجب على الزوجين أن يتخطياها، مشددة على أهمية دور مكاتب تسوية النزاعات الأسرية.

وقالت الإخصائية النفسية: «دورنا الأساسى هو الحفاظ على كيان الأسرة عن طريق محاولة إنهاء المنازعات الأسرية بالصلح بين أطرافها، قبل الوصول لمرحلة رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة التابع لها المدّعى».

وأضافت: «لا بد أن يلجأ رافع الدعوى إلى مكتب تسوية المنازعات فى محكمة الأسرة التابع لها لتسوية النزاع مع خصمه وديًا، لأن القانون أوجب عليه أن يبصر الخصوم قبل اللجوء إلى القضاء، كما أن القانون أوجب أيضًا على القاضى محاولة الإصلاح بين الطرفين قبل الطلاق، وذلك لحماية اللبنة الأولى للمجتمع وهى الأسرة».

وكشفت عن أن السيدات هن «الأكثر تعنتًا» فى جلسات التسوية مقارنة بالرجال، مرجعة ذلك إلى الضغط النفسى الذى تعرضن إليه، والمشاكل والخلافات الأسرية المتلاحقة، إلى جانب تحملهن مسئولية الأطفال، ما يخلق داخلهن صراعًا نفسيًا كبيرًا والكثير من المشاعر السلبية.

كما كشفت عن أن النساء أيضًا هن النسبة الأعلى فى اللجوء إلى محاكم الأسرة، لأن القانون يعطيهن الحق فى إقامة دعاوى قضائية كثيرة ضد أزواجهن تصل إلى ١٧ دعوى، وفى المقابل أعطى القانون الرجل الحق فى إقامة ٤ دعاوى قضائية فقط ضد زوجته أو طليقته.

وعن أغرب القضايا التى وردت أمامها، قالت الإخصائية النفسية: «سيدة حاولت الانتحار مرتين للتخلص من الحياة مع زوجها، فى الأولى تناولت مادة سامة وتمكن أهلها من إنقاذها فى معهد السموم بالقاهرة، وظلت فترة طويلة بين الحياة والموت بسبب توغل المادة السامة فى كل أنحاء جسدها، وبعد فترة وجيزة حاولت الانتحار مرة أخرى بإلقاء نفسها من الطابق الثالث، وكانت حاملًا فى الشهر الرابع، للتخلص من حياتها وجنينها، لكن كُتب لها ولجنينها عمر جديد».

وأضافت: «أخيرًا لجأت إلى مكتب التسوية لتشكو زوجها بسبب بخله الشديد عليها وعلى أطفالها وحرمانها من كل متع الحياة، بسبب رغبته فى ادّخار كل جنيه معه، دون أى مراعاة لمستلزمات المنزل ومسئولية أطفالهما». وواصلت: «بعد انعقاد ٣ جلسات، وكانت المدعية رافضة الصلح رفضًا تامًا، تمكنا من الصلح بين الطرفين، وإقناع كل منهما بواجباته تجاه الآخر، ليعودا فى النهاية إلى منزلهما سويًا فى حالة غامرة من السعادة».

إسلام مجدى: نقدم تقريرًا عن الأسباب إذا فشلنا فى الحل الودى

أشار إسلام مجدى، إخصائى قانونى بمكاتب فض المنازعات الأسرية، إلى أن التحكيم فى قضايا المنازعات يكون فى ١٠ دعاوى رئيسية، منها: التطليق بجميع أنواعه ويشمل الخلع أيضًا، ودعاوى حضانة الصغير ورؤيته وضمه، ومسكن الزوجية، والمتعة والنفقات والأجور والمهر والشبكة، والدعاوى المتعلقة بالإذن للزوجة بمباشرة حقوقها. وأضاف: «أما بالنسبة للدعاوى التى لا يجوز فيها اللجوء لمكاتب فض المنازعات فهى الدعاوى التى يتنازل فيها أحد الخصوم أو يقر بطلبات الخصم، كذلك دعاوى إثبات الأموال ومنازعات التنفيذ والدعاوى المستعجلة كالنفقة المؤقتة للزوجة أو الصغير». 

وأوضح «مجدى»: «نحن نعمل كفريق واحد هدفه الصلح وحل المشكلة بين طرفى النزاع، ونتبع بعض الخطوات لحل المشكلة، أولاها تحديد نوعها وهل هى بين الزوجين فقط أم متداخل فيها الأقارب فى حياتهم وتطورت المشكلة، ثم نحدد أهداف كل طرف ونحاول بكل الطرق الممكنة تقريب وجهات النظر بينهما للوصول لحل يكون مرضيًا للطرفين، مع توفير بدائل تكون مُرضية أيضًا للطرفين».

وتابع: «بنهاية الجلسة نكتب تقريرًا يوضح أسباب الخلاف من وجهات نظرنا، وإذا لم تسفر جهودنا عن التوصل لحل ودّى وأصر طالب الدعوى على استكمال الإجراءات القانونية نحرر محضرًا بما تم فى الجلسة، ويوقّع عليه طرفا النزاع، وتُرفق به تقارير عن أسباب النزاع، ويرسل هذا التقرير إلى قلم كتاب محكمة الأسرة خلال مدة سبعة أيام فقط من تاريخ طلب أى من أطراف النزاع ذلك للسير فى إجراءات التقاضى».

إيهاب الخولى: تدخل الأقارب يزيد الطين بلة.. والشروط التعجيزية أزمة

أوضح إيهاب الخولى، إخصائى اجتماعى فى مكاتب تسوية المنازعات بمحاكم الأسرة، أن هدف الإخصائيين الاجتماعيين إنهاء المنازعات صلحًا، سواء جزئيًا أو كليًا.

وأضاف: «إذا نجحنا فى الوصول لاتفاق ودّى بين طرفى النزاع، حتى ولو انتهى هذا النزاع بالطلاق دون اللجوء للقضاء وبتحديد شروط معينة تُرضى الطرفين، فيعد هذا نجاحًا جزئيًا رائعًا».

وأوضح «الخولى» أن الإخصائيين فى حل المشكلات الأسرية والحكام العدول ليس لهم أى مصالح شخصية مع أى من طرفى النزاع، وكل هدفهم إنهاء النزاع صلحًا قبل اللجوء للقضاء.

وأكد الإخصائى أن معظم القضايا الأسرية سببها تدخل الأقارب فى الشئون الداخلية للأسرة، ومع أول مشكلة تتفاقم الأمور وتصل إلى طريق مسدود، لذلك يحرص الإخصائيون على حضور طرفى النزاع بشخصيهما، فإذا حضر طرفا النزاع بشخصيهما فإن نسبة نجاح الصلح الودّى ترتفع إلى ٦٠٪، بينما إذا حضر وكيلاهما فإن نسبة النجاح لا تتجاوز ٢٠٪.

وأضاف: «غالبًا ما نتمكن من تحقيق الصلح بين طرفى النزاع، لكن ما يفسد عملنا فى بعض الحالات هو وجود شروط تعجيزية يتمسك بها أحد الطرفين».

وتابع: «إحدى السيدات طلبت تسجيل شقة الزوجية باسمها، مبررة بأن زوجها تزوج عليها من سيدة أخرى رغم أنها لم تقصّر معه فى أى شىء، ولم يكتف بذلك، بل طردها من شقة الزوجية وتزوج فيها، وحتى لا تكون عرضة لمثل هذا الموقف مرة أخرى ويطردها الزوج فى حال نشوب أى شجار فى المستقبل، تمسكت بهذا الشرط، وبعد محاولات عدة تمكنا من إقناع الزوج بالموافقة على شرطها، وبالفعل سجّل شقة الزوجية باسمها وباسم أطفالهما حتى يؤكد لها نيته فى الصلح والحفاظ على استقرار البيت، وتم الصلح بينهما بعد جلسة واحدة».

واستطرد: «هناك زوج اشترط أثناء عقد الصلح بينه وبين زوجته منع دخول أحد أقاربها لمحل السكن، وأن تقتصر الزيارات العائلية على والديها فقط وبمعدل مرة واحدة أسبوعيًا، وبعد وفاتهما تنتقل هذه الزيارة لإحدى شقيقاتها، وحاولنا أكثر من مرة إثناءه عن التمسك بهذا الشرط، لكنه أصر على ذلك مبررًا تمسكه به بأنه يحافظ على كيان أسرته لأن زوجته تسمع رأى أقاربها فى أى مشكلة تنشب بينهما، وأنهم يشجعونها على الطلاق وترك منزل الزوجية والتضحية بالأبناء، وبعد عقد ٣ جلسات تمكنّا من الصلح مع توقيع عقد بالشرط الذى طلبه الزوج».

وأضاف: «هناك من رفض بعض الشروط، وكانت بالفعل شروطًا تعجيزية، مثل زوجة اشترطت عدم السماح لبنات الزوج من زوجته الأولى بزيارة والدهن فى شقته، فرفض الطرف الثانى هذا الشرط، قائلًا: (مستحيل أخسر بناتى عشانها)، وفشلنا فى الصلح بينهما، وجرى تحويل المشكلة إلى القضاء».

واستطرد «الخولى»: «من أغرب القضايا التى عُرضت علىّ كانت لسيدة لجأت إلينا لتطلب إقناع زوجها بترك عمله حارسًا بحديقة الحيوان بسبب تنمر أهلها عليها وعليه، لكن الزوج تمسك بالرفض مؤكدًا أنه خطبها لمدة سنة ونصف السنة، وكانت على علم بوظيفته، وأوضح أنه يعمل بوظيفة محترمة ويحبها للغاية ولن يتركها مهما كانت النتائج، وبعد محاولات كثيرة فشلنا فى الصلح بينهما، فهو يرى أنه يعمل فى وظيفة محترمة ومرموقة وليس هناك أى داعٍ لتركها».