رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة الناتو.. قمة الرعب!

انضمام أوكرانيا، غير المحتمل أو المستبعد حاليًا، وعضوية السويد الوشيكة، وتعزيز مخزونات الذخيرة، ومراجعة خطط الدفاع، لأول مرة منذ عقود، و... و... وملفات أخرى عديدة يناقشها قادة حلف شمال الأطلسى، الناتو، اليوم وغدًا، الثلاثاء والأربعاء، فى العاصمة الليتوانية فيلنيوس، التى تقع على بعد ٣٢ كيلومترًا فقط من السياج الحدودى الفاصل بين ليتوانيا وبيلاروسيا، الحليف الأقرب لروسيا الاتحادية، التى لا يفصلها هى نفسها عن مقر انعقاد القمة غير ١٥٠ كيلومترًا تقريبًا!.

لا تزال الولايات المتحدة تحاول حشد الدول الأوروبية الحليفة أو التابعة، وتوجيهها، قيادتها، أو استعمالها، فى مواجهة التحديات الروسية أو الصينية، المفترضة أو المحتملة. وجاء اختيار العاصمة الليتوانية ليعكس الرؤية الأمريكية لدور «الناتو» خلال الفترة المقبلة، وقد يشرح أيضًا بعض ما كان غامضًا فى «خارطة الطريق الاستراتيجية الجديدة»، التى تبنتها الدول الأعضاء فى «قمة مدريد»، السنة الماضية، بعد أن أبدت قلقها مما وصفته بالنفوذ الروسى والصينى المتزايد فى جناح الحلف الجنوبى.

لحماية القادة المشاركين فى «قمة فيلنيوس» جرى إغلاق غالبية شوارع وميادين وسط العاصمة الليتوانية، وأرسلت ١٦ من الدول الأعضاء فى الحلف جنودًا وأسلحة متطورة، وأنظمة دفاع جوى، لم تكن تمتلكها دول البلطيق. واقترح عمدة المدينة، أو «رئيس بلدية فيلنيوس» بوصف وكالة «رويترز»، على السكان تمضية عطلة خارج المدينة إذا كانوا يرغبون فى تجنب الأجواء الأمنية المشددة!.

على سبيل المثال، وليس الحصر، نشرت ألمانيا ١٢ من قاذفات صواريخ «باتريوت» الأمريكية، وأرسلت، مع بولندا، قوات عمليات خاصة معززة بطائرات هليكوبتر. كما نشرت إسبانيا نظام الدفاع الجوى الصاروخى «ناسامز»، وأرسلت فرنسا مدافع ميدان من طراز «قيصر» ذاتية الدفع، وقدمت، مع بريطانيا، دفاعات مضادة للطائرات المسيّرة، ونقلت فرنسا، أيضًا، مع فنلندا والدنمارك طائرات عسكرية إلى ليتوانيا.. و... و... وأرسلت دول أخرى عديدة مستلزمات التعامل مع أى هجمات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية محتملة!.

تبريرًا لذلك، أو تعليقًا عليه، وصف الرئيس الليتوانى، جيتاناس ناوسيدا، ترك أجواء بلاده بلا حماية «مع وصول بايدن وزعماء ٤٠ دولة» بأنه «شىء أكبر بكثير من مجرد تصرف غير مسئول». واستغلالًا، أو استثمارًا، للموقف قال «ناوسيدا» إن جهود الدول الأعضاء لضمان سلامة الأجواء الليتوانية، خلال اجتماع الزعماء، تعنى أن الحلف يحتاج إلى إقامة دفاعات جوية دائمة على وجه السرعة فى دول البلطيق. وكان الرئيس الليتوانى قد وجّه، بمشاركة رئيسى بولندا ولاتفيا، رسالة إلى الأمين العام لـ«الناتو»، عشيّة القمة، يطالبون فيها بموقف داعم من الحلف لمواجهة التحركات البيلاروسية التصعيدية المحتملة، كإطلاق موجة جديدة من اللاجئين عبر الحدود، والتسبب فى أزمة إنسانية، كتلك التى حدثت منذ سنتين تقريبًا!.

انضمام أوكرانيا للحلف «ستكون له تداعيات سلبية جدًا على الأمن العالمى»، حسب تصريحات أو تهديدات أطلقها ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، أمس الإثنين. ولإدراكه أن انضمام بلاده للحلف ليس واردًا أو محتملًا، فى الوقت الراهن، انتقل الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى من مرحلة الإلحاح للحصول على مقعد فى «الناتو» إلى مطالبة المجتمعين فى فيلنيوس بـ«ضمانات أمنية»، وأكدت مصادر غربية عديدة أن هناك بالفعل مفاوضات تجرى حاليًا لوضع اللمسات الأخيرة على إعلان بشأن تلك الضمانات. وقيل إن عدة دول، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تعتزم عقد اتفاقات ثنائية أو جماعية مع أوكرانيا لتوفير «حماية أمنية» لها، تشبه تلك التى توفرها الولايات المتحدة لإسرائيل، منذ عقود.

.. أخيرًا، ومع عدم استبعاد تراجع تركيا عن معارضتها ضم السويد، كعادة «الريَس حنفى»، نتوقع أن تكون خطط الدفاع الإقليمية الجديدة، التى سيطلقها الحلف، أكبر أو أوسع تغيير فى البنية العسكرية للحلف، منذ الحرب الباردة، ونرجح أن يتضمن البيان الختامى للقمة صيغة غامضة، أو ملتبسة، بشأن انضمام أوكرانيا، تتيح للولايات المتحدة استخدام هذا «الكارت» فى مفاوضاتها، أو مقايضاتها، مع روسيا، لتسوية الأزمة الأوكرانية، التى كان أبرز أسبابها توسع «الناتو» شرقًا، دون مراعاة المخاوف الأمنية الروسية المشروعة.