رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روبوتات فى قمة أممية!

بمنتهى الهدوء، وبلا ضجيج تقريبًا، استضافت مدينة جنيف السويسرية اليومين الماضيين، الخميس والجمعة، قمة عالمية للذكاء الاصطناعى، أقامها «الاتحاد الدولى للاتصالات»، ITU، التابع للأمم المتحدة، وشارك فيها ثمانية روبوتات اجتماعية وأكثر من ٢٠ روبوتًا متخصصًا، جرى جمعها معًا لأول مرة تحت سقف واحد، واستعرضت قدراتها فى عدد من المجالات مثل الزراعة ومكافحة الحرائق وتقديم الرعاية الصحية. والروبوت، كما لعلك تعرف، هو الآلة ذاتية الحركة التى يحلو للبعض تسميتها بـ«الإنسان الآلى». 

القمة الأممية شهدت محادثات ومناقشات بشأن سبل دعم المجتمع المدني المعنى بالذكاء الاصطناعى، من أجل تحقيق المصلحة العامة. وفى مائدتين مستديرتين، بحث مسئولون حكوميون ومديرون تنفيذيون وأكاديميون السياسات واللوائح والمعايير اللازمة لتمكين الذكاء الاصطناعى من النهوض بالتنمية المستدامة. وأمس الجمعة، تلقت لجنة من الروبوتات أسئلة الصحفيين فى أول مؤتمر صحفى للروبوتات فى العالم. وقال فريدريك ويرنر، رئيس المشاركة الاستراتيجية بالاتحاد الدولى للاتصالات: «إن الفكرة من مشاركة الروبوتات تستهدف عرض قدراتها وفرصها وتحديات بدء حوار عالمى بشأنها»، موضحًا أن «الروبوتات قد تنطلق فى السنوات الخمس المقبلة بالطريقة نفسها التى ينطلق بها الذكاء الاصطناعى التوليدى».

مخاوف كثيرة بشأن الخصوصية وتسريب المعلومات والملكية الفكرية والتضليل أثارتها الطفرات المتسارعة لتطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعى التوليدى، القادرة على ابتكار النصوص والصور والأصوات، وتوليد استجابات شبيهة بتلك التى يقوم بها البشر. ومع وجود توقعات بتعريض حياة البشر أنفسهم للخطر، قال تقرير حديث لمجموعة «جولدمان ساكس» إن ٣٠٠ مليون قد يفقدون وظائفهم. وقطعًا، سيكون الوضع مرعبًا لو تم دمج هذه التطبيقات فى أنظمة الأسلحة الفتاكة، ذاتية التشغيل، أو الروبوتات القاتلة. 

الكلمة الإنجليزية «Robot»، مشتقة من الكلمة التشيكية «Robota»، التى تعنى الأعمال الشاقة أو أعمال السخرة. ومع تسليمنا بأن الذكاء الاصطناعى، التوليدى أو التقليدى، مجرد أداة، مثل أى أداة، يمكن استخدامها فى الخير أو الشر، نرى أن عدم وضع ضوابط، قواعد تنظيمية، أو أطر حماية فعالة، سيجعل البشر جميعًا، أو معظمهم على الأقل، عرضة لممارسات أو انتهاكات تتراوح بين الإكراه الخفى والتلاعب الصريح. 

تستخدم وكالات الأمم المتحدة الروبوتات فى أداء العديد من الوظائف، كما تقوم بتوظيف الذكاء الاصطناعى فى بعض أنشطتها، مثل مشروع «خريطة الجوع»، Hunger Map، الذى يساعد برنامج الأغذية العالمى فى تحديد المناطق التى تحتاج إلى مساعدات. وهناك أيضًا مشروع لتطوير شاحنات، يتم التحكم فيها عن بُعد، لاستخدامها فى توصيل تلك المساعدات إلى المناطق الخطرة. وكان لافتًا أن يتزامن بدء فعاليات القمة مع إعلان مجلس أمناء أحد المستشفيات الحكومية البريطانية عن روبوت جديد يقوم بمهام تجعل العمليات الجراحية أكثر دقة، وبالتالى يساعد فى تقليل الألم بعد العمليات، وتعافى المرضى بشكل أسرع.

تعمل كوريا الجنوبية، أيضًا، على زيادة استخدام الروبوتات فى المجال الطبى، وفى إجراء عمليات جراحية بالكامل. وهنا قد تكون الإشارة مهمة إلى أن «منظمة الصحة العالمية» كانت قد أصدرت تقريرًا، منتصف مايو الماضى، بشأن كيفية مضاعفة فوائد الذكاء الاصطناعى وتقليل مخاطره. ثم عادت وأوصت، لاحقًا، بتوخى الحذر عند استخدام تطبيقاته، وأكدت أن البيانات التى تستخدمها قد تتسم بالتحيز أو يساء استخدامها. وفى كلمته، أمام القمة، أشار تيدروس أدهانوم جيبريسوس، الأمين العام للمنظمة، أمس الأول الخميس، إلى «الدور الكبير الذى يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعى فى مجال الرعاية الصحية وتطوير الأدوية»، واصفًا مستقبل الرعاية الصحية بأنه «الرقمى»، قبل أن يستدرك ويشدد على ضرورة وجود معايير وضوابط أخلاقية.

.. وأخيرًا، نعتقد أن «اليوم الرقمى لأهداف التنمية المستدامة»، المقرر عقده فى ١٧ سبتمبر المقبل، بمقر الأمم المتحدة فى نيويورك، قد يشهد مشاركة أوسع للروبوتات، وبدء الحوار الفعلى بشأنها، وقد تقوم، نيابة عمّن يقومون ببرمجتها أو تغذيتها بالبيانات، بعرض الحلول العملية، التصورات المنطقية، أو الأطر الفعالة، لضبط قواعد اللعبة، وتحقيق الاستفادة المنتظرة، أو المأمولة، من الذكاء الاصطناعى، التقليدى أو التوليدى، فى معالجة المشكلات الصغيرة، أو الكبيرة، وتحقيق الأهداف السبعة عشر لأجندة ٢٠٣٠ الأممية.