رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد حلمي: الكتابة فيها خلاصي.. والمشهد السردي يعاني التكرار (حوار)

الكاتب أحمد حلمي
الكاتب أحمد حلمي

الكاتب الروائي أحمد حلمي، واحد من أبرز الكتاب الشباب، والذي يراوح بين الكتابة الإبداعية والنقدية، فهو يكتب القصة والرواية، إلى جانب حضوره النقدي عبر مشاركاته في مختبر سرديات الإسكندرية وبيت السناري بالقاهرة، والعديد من المنصات والمواقع الثقافية المصرية والعربية.

صدر له خمسة أعمال ما بين القصة والرواية، ومع صدور مجموعته القصصية الجديدة "من أحوال المحبين" تجلت إشكالية العلاقة بين فضاءات الإبداع والنقد وإلى أي هذه المسارات ينتمي، وهذا رغم اعترافه بتقصيره الدائم تجاه ممارسة الكتابة الإبداعية.. “الدستور” التقت الكاتب الروائي والناقد أحمد حلمي وكان لها معه هذا الحوار.

صورة للكاتب أحمد حلمي مع الروائي محمد علي إبراهيم.

لماذا تأخر صدور مجموعتك القصصية "من أحوال المحبين" رغم انتهائك منها في 2016؟

في 2016 انتهيت من مسودة المجموعة، ونوقشت كمسودة في مختبر سرديات الإسكندرية. بحثت لمدة ثلاث سنوات عن دار نشر لإصدارها وفي تلك الفترة خضعت المجموعة للتحرير وإعادة الكتابة حتى وصلت إلى شكلها الحالي التي صدرت عليه عبر سلسلة "كتابات جديدة".

رغم مساوئ التأخر في النشر؛ إلا أن هذا أضاف إليّ الكثير، فقد أنهيت مسودة عملين بجانب المجموعة القصصية.

بدأت رحلتك الإبداعية منذ 15 عاماً تقريباً، لكن يبدو أنّ مشروعك في النقد الثقافي له أولوية؟

بورتريه للقاص والناقد أحمد حلمي

رحلتي مع الكتابة بدأت قبل رحلتي مع الإبداع بوقت طويل نسبياً، بدأ من المدونات، الترجمة التقنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والأعمال والتنمية الذاتية، مع ممارسات إبداعية متفرقة كهواية، ثم جاء بعد ذلك التعامل مع الإبداع والنقد بجدية واهتمام، مع الوقت تبلورت لدي فكرة المشروع الأدبي أو الإبداعي، ومن ورائها المشروع الثقافي بشكل أوسع، ربما كون ممارساتي الثقافية أكثر من حيث الكم من الإنتاج الأدبي لدي نابع من قناعة أن الإبداع جزء من الفعل الثقافي العام والذي اعتبر أن له الأولوية.

هل استفدت من مشاركاتك في مختبر السرديات، وكيف أثّر على كتابتك؟

أحمد حلمي مع الكاتبين الروائيين محمد علي إبراهيم وطارق إمام

مختبر السرديات كان المدرسة الكبرى بالنسبة إليّ، حيث تعلمت الكثير والكثير حول الكتابة والنقد والإبداع بشكل عام، فاكتشاف بدايات الناقد الذي أطمح أن أكون كانت في المختبر، وتدشيني كناقد على منصة النقد كان في إحدى ندوات المختبر في بيت السناري، وكان التعامل والتعلم في مدرسة مختبر السرديات أشبه بالتعلم في المدارس التراثية القديمة، عن طريق مقابلة ومجالسة أهل العلم والصنعة والاستماع لهم والتعامل معهم.

كان حصاد هذه الرحلة هو حصيلة كبيرة من التلقي والممارسات الإبداعية والنقدية، أدت لانتقالي من مرحلة الكاتب الهاوي لطريق الكتابة الاحترافية بالمعنى الخبراتي وليس المعنى المهني أو الوظيفي.

أحمد حلمي وصورة مع الروائي الكبير ابراهيم عبد المجيد والروائي محمد علي إبراهيم. .

مع قراءة "من أحوال المحبين"، تلاحظ أن هناك الكثير من أشكال التجريب في السرد القصصي، فهل هناك ثمة تعمد فني أو جمالي لهذا الطرح؟

عادة تبدأ عملية الكتابة الإبداعية معي من كلمة أو جملة أوحتى  فكرة، ثم انطلق مع النص، الذي يفرض بذاته القالب والأسلوب واللغة والبنية الخاصة به والمناسبة له. لذلك فسؤال التجريب والقصدية أو التعمد يبدو بعيدا إلى حد كبير عن ذهني أثناء عملية الإنتاج الإبداعي.

وما تعريفك لقوام الإبداع بشكل عام أو مجرّد؟

 تعريف الإبداع "الخلق على غير مثال" حاضر طوال الوقت في خلفية الوعي لدي، ويبرز في أثناء عمليات التحرير وإعادة الكتابة، كما أن إيماني بتماهي الحدود بين الأنواع الأدبية خاصة، ووحدة الفنون بشكل عام يعطيني المزيد من الحرية في عملية الكتابة.

هذه الحرية تجعل الكثير من كتاباتي تخرج خارج إطار القصة القصيرة بتعريفاتها النظرية والنقدية المتعارف عليها وتقع في منطقة قد تكون مخاتلة أو وسطية بين السردية والشعرية (على حد وصف بعض القراء والنقاد)، لذلك عندما أنظر للكتابة بشكل عام أُفضّل استخدام مفردة "نص" أغلب الوقت، بدلا من "قصة" أو حتى "قصيدة".

كيف تقيّم المشهد السردي المصري والعربي، وكيف ترى تقييم الخارطة المصرية والعربية من خلال هذه الأطر؟

عملية تقييم المشهد السردي المصري والعربي صعبة للغاية، وكل ما أملكه هو انطباع عام من خلال المشاهدات والمتابعات القرائية التي تقوم بها كقارئ أو كاتب أو حتى متهم بالنقد الثقافي والأدبي.

يجب التأكيد أن هناك انتشار كبير ورواج إلى حد ما للكتاب والقراءة بشكل عام خاصة في الأعوام الأخيرة، وهذا يظهر بشكل واضح ويشهد عليه الإنتاج الغزيز للرواية، إلى جانب زيادة عدد دور النشر واهتمامها بالكتابات الإبداعية، الرواية تحديداً، هذا إلى جانب انتشار الجوائز العربية العديدة لدعم هذا الفن، هذا بغض النظر عن جودة المحتوى.

رغم رواج وانتشار فنون الرواية والقصة، إلا إن المشهد السردي بشكل عام يعاني التكرار وإعادة الإنتاج والاقتباس وغيرها من المشكلات التي تقلل من فكرة الإبداع وتقترب إلى الاستهلاك السريع، مع العلم أن هذا يكاد يكون أزمة عالمية وليست عربية فقط.

وهذا لا ينفي أننا أمام محاولات فردية لصناعة مشروعات خاصة لعدد من المبدعين تتفاوت في أهميتها ومدى تفردها، إلا أنها لا تمثل مدرسة أدبية خاصة أو تيار أدبي كبير فارق وذلك ليس لضعف الإبداع أو لنقصه، لكن لأنها تظل على قوتها محاولات فردية في عالم ومشهد ثقافي عالمي يتسم بالسيولة وسيطرة فكرة السوق والمبيعات مقابل القيمة الفنية وتراجع دور النقد التنظيري مقابل الترويج الصحفي والنقد التطبيقي وألعاب السوشيال ميديا.

صورة للكاتب أحمد حلمي تجمعه بمتسابقات في احد الورش الثقافية.

ولا يمكن نكران أن القصة القصيرة عربياً تشهد ما يشبه الصحوة بعد كبوة استمرت طوال العقدين السابقين تقريباً أدت إلى تراجعها بشكل كبير، إلا أنها حالياً تشهد انتعاشاً كبيراً إلى حد ما خصوصاً مع أجيال جديدة تمارس هذا الفن بنوع من التجديد والتجريب وليس بعيداً عن منجزات لأساتذة كبار راحلين مثل محمد مستجاب، ويحيى الطاهر عبدالله، وحافظ رجب.

ماذا عن علاقتك بالمشهد النقدي الثقافي أو الأدبي من خلال تعامله مع نصوصك؟

علاقتي بالمشهد النقدي حتى الآن إيجابية إلى حد كبير، خصوصاً فمع خضوع كتابي الأخيرعلى العديد من المناقشات والقراءات النقدية الجادة من مبدعين ونقاد ذوي حيثية واعتبار في المشهد الثقافي المعاصر.

وجاءت غالبية هذه القراءات والتناولات النقدية إيجابية، وتحمل الكثير من الإشادة ولا تخلو من إضاءات مهمة على سلبيات واقتراحات جمالية وفنية مفيدة فيما هو قادم من إبداعات.

كيف ترى المعايير النقدية في مسابقات الجوائز؟

الجوائز بشكل عام خاضعة طوال الوقت للذائقة، وشخصياً لا تمثّل إليّ معيار جودة أو ضعف للعمل الفائز أو المستبعد. 

الذائقة الفنية والرؤية الجمالية مختلفة ومتعددة بمقدار عدد القراء والمتلقين والمحكمين، وأعتقد أن هذا هو الاتكاء الأول والأهم الذي تعتمد عليه لجان التحكيم، لكن هناك متكئات أخرى لا أتفق معها شكلاً ولا مضموناً بأي حال من الأحوال تخضع لها بعض الجوائز، مثل المعايير الأخلاقية أو دعم قضايا فكرية أو سياسية بعينها، وأيضاً التوزيع الجغرافي للفائزين بالجائزة، وأخيراً مراعاة بعض الحالات الإنسانية، التي أتعاطف معها إنسانياً وليس إبداعياً، ومنح الجائزة كنوع من الترضية أو الدعم.

هل ينتهي حلم الكاتب بـ"الخلاص" بعد انتهائه من نصه، أم هناك معنى آخر للخلاص من منطلق وجودي أو فلسفي؟

ما هو الخلاص؟، سؤال كبير يكاد يكون هو سؤال الإنسان الأكبر عبر تاريخ وجوده، لكن على صعيد الكتابة، فالخلاص مؤقت لأي كاتب يملك سؤال وجودي يمثل عمقاً، وقلب مشروعه الأدبي، الثقافي، والإنساني، يبدأ الأمر بضغط من النص ينبع من الداخل يكبر يتضخم حتى يسيطر على العالم، ثم تحدث ذروة الخلاص مع آخر حرف يخرج على الورقة، وبعد فترة يتجدد الضغط ويتجدد الخلاص وهكذا طالما بقي السؤال الكبير للكاتب حاضر ومتجدد.

إذاً ما هو دافعك الرئيسي للكتابة والإبداع؟

بشكل شخصي أكتب لتجاوز الهزائم، هذا هو خلاص الكتابة بالنسبة إليّ، فطالما وجدت هزائم جديدة أو بقايا هزائم لم أتجاوزها فهناك خلاص دائم أسعى إليه.

حدثنا عن أهم الظواهر والأسماء الأدبية في السنوات العشر الأخيرة مصرياً وعربياً؟

لم أعد منذ سنوات قادراً على استخدام صيغة أفعال التفضيل، فالأهم من وجهة نظري قد يكون غير مفهوم من وجهة نظر أخرى، والأفضل لدي قد يكون غير مقبول عند فئة كبيرة من القراءة أو المتلقين.

ولكن يمكن التعبير عن ذائقتي الشخصية في التلقي والمتابعة الأدبية والثقافية في حرصي على متابعة إصدارات عدد من المبدعين من أجيال مختلفة.

وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد الفخراني، مينا سعيد، ياسر عبد اللطيف، هيثم الورداني، يوسف رخا، محمد علي إبراهيم، أميرة بدوي، أحمد ناجي، مينا ناجي، عبد الفتاح كليطو، عزت القمحاوي، إبراهيم فرغلي، الدكتور سيد إسماعيل ضيف الله، الدكتور صلاح السروي، الدكتور محمد الشحات، حسن بلاسم، هالة البدري، عبد المنعم رمضان، أحمد الفخراني، علي قطب، طارق إمام، محمد عبد النبي، سيد الوكيل، وغيرهم الكثير ممن يمثلون أدبياً ونقدياً مشروعات ثقافية مهمة قائمة بذاتها في القصة والرواية والشعر والنقد والترجمة والكتابة عبر النوعية.

كيف تستشرف مستقبل الفن والفكر والكتابة في السنوات القادمة؟

المستقبل يمكن استشرافه من الماضي، والماضي هنا بخصوص الكتابة يبدأ من ما قبل التاريخ، حيث رسوم جدران الكهوف كانت البداية، ثم المرحلة الانتقالية باختراع الحروف ونقشها على الأحجار والطين، الانتقال الثالث جاء مع اختراع الورق/الرقاع/الرقوق، ثم النقلة الثورية باختراع الطابعة والتي لا نزال في آثارها حتى هذه اللحظة.

وما رؤيتك لماهية الإبداع وأشكاله؟

القادم في الكتابة هو دمج وسيط إلكتروني جديد وتغيير شكل الوسيط الذي يقدم الكتابة/الفن المكتوب، مما سيترتب عليه تغيير أكيد وعميق في حالة وشكل وطرق الكتابة؛ بالمعنى الفني والشكلي معا وعلى مستوى المصدر، فالتصور الدقيق لهذا الوسيط الجديد لا يمكن التنبؤ به بشكل واضح ودقيق في ظل عالم متغير بشكل مضطرد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا طوال الوقت.