رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

واحة الـ3 ملايين نخلة مهددة بالفناء .. هل من منقذ معالى رئيس الوزراء؟!

"طعام الفقراء وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب، فيا نخلة  الرمل لم تبخلي ولا قصّرت نخلات الترب".. هكذا وصفها أمير الشعراء أحمد شوقي، حيث النخيل تكون الحياة، ومن أسرار تلك الشجرة أنها كانت الزاد والزواد لأهل الواحات الغنّاء من الجوع والفقر في سنين عجاف.
ارتباط البشر في الواحات بشجر النخيل من زمن بعيد، وعلى جدران مقبرة "أمنحتب حوى" حاكم الواحات البحرية من الأسرة الثانية والعشرين في مصر القديمة اكتشف علماء الآثار أن أشجار النخيل كانت المصدر الرئيسي للأمن الغذائي آنذاك، وقامت عليها صناعات مختلفة من بركة النخل أن كل جزء منه له استخدام يستفاد منه سواء كان الجذوع أو السعف الذي يستخدم في بناء المنازل، فضلًا عن ثمراته التي تعد بمثابة وجبة كاملة لما تحتوي عليه من عناصر غذائية مختلفة.. تلك النحلة الكريمة، عنها قال تعالى في سورة مريم:"وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا".. عطاء بسخاء إلى يومنا هذا.. نخل باسقات لها طلع نضيد، في بلد الـ3 ملايين نخلة.. إنها الواحات البحرية حيث تبلغ قوة تصديرها من التمور نحو 50 ألف طن سنويًا، لما يمتاز به تمر الواحات من لون وطعم مميزين، ويتوافر ما يقرب من 30 نوعًا أشهرها التمر الصعيدي والبارحي والمجدول. 
إنتاج الواحات للتمور يعد بمثابة الدخل القومي الأهم لسكان الواحات.. في البدء كانت الزراعة هي الحرفة الأولي، والآن هي مصدر رئيسي للتنمية المستدامة، ينتظر سكان الواحة موسم جمع البلح من شهر سبتمبر حتى بداية نوفمبر، وبيعه حتى يتسنى لهم إقامة حفلات الزواج وسداد التزاماتهم المادية، إذ تحتل الواحات البحرية المركز الأول على مستوى مراكز الجمهورية في إنتاج التمور بإنتاجية تتخطى 60 ألف طن وتزيد كل عام لدخول مساحات جديدة في الإنتاج.
وفقًا لأحدث الإحصائيات، توجد في الواحات البحرية 1.7-1.9 مليون نخلة (معظمها من صنف السيوي الذي يمثل ما يقارب من 90% والباقي موزع على بعض الأصناف كالفريحي والجعجع والسلطاني والنخيل المذكر والمجهل) في الزراعات القديمة وامتدادها موزعة على مساحة تزيد عن 29 ألف فدان منها 8500 فدان فقط لهم حيازات زراعية والباقي لم يسجل لإيقاف تسجيل الحيازات منذ فترة طويلة، مما كان له بالغ الأثر على الاهتمام بعملية التسميد خاصة في السنوات الأخيرة نظرًا للارتفاع الهائل في سعر الأسمدة، وعدم تمكن صغار المزارعين من شرائها وأيضًا ليست لهم حصة في الأسمدة المدعمة سوى ربع المساحة فقط، وتوجد مساحات أخرى بآلاف الأفدنة لدى شركات الاستثمار الزراعي، والتي معظمها يملك مساحات تتخطى الألف فدان، وقد تصل إلى 5 آلاف فدان تتنوع الزراعات فيها بين المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والبنجر وأشجار النخيل، ولكن هنا توجد إمكانيات مادية وتكنولوجية جعلت الأصناف تتغير، فمعظم الزراعات من صنف المجدول أو المجهول يليه صنف السيوي ثم البارحي، وبعض الأصناف الأخرى كالصقعي والخلاص والخضراوي وعجوة المدينة وغيرها فيما يقارب النصف مليون نخلة.
وكما ذكرنا يعتمد الاقتصاد الرئيسي على زراعة النخيل وبيع التمور توجد بالواحات البحرية عشرات المصانع والتي يعمل معظمها لصالح الغير في غسيل وتعبئة التمور (حوالي ثلاث شركات كبرى إحداها تستحوذ على أكثر من 60% من السوق سواء في الواحات أو صادرات التمور المصرية)، ورغم هذا التنوع الكبير في الزراعة والتسويق إلا أنه ما زال المزارع الصغير والذي لديه عدد قليل من النخيل هو عصب سوق التمور بالواحات البحرية والذي أصبح فريسة للإصابات المتزايدة بسوسة النخيل الحمراء وارتفاع أسعار المبيدات بصورة لا يقدر على مكافحتها، فضلًا عن الوقاية من الإصابة بها، فهناك مزارع يمتلك عشرين أو ثلاثين نخلة، حيث ارتفعت الأسعار من 160 جنيهًا من عام إلى 450 جنيهًا حاليًا، فضلًا عن وجود غش في بعض الأنواع لا يستطيع المزارع الصغير معرفتها، وبالسؤال تبين أن وزارة الزراعة كانت تدعم مركز الواحات البحرية بكميات مبيدات مدعمة بنصف الثمن، وكذلك محافظة الجيزة وصلت في بعض السنوات إلى 2 طن مبيد قد تقلصت لتصل في بعض السنوات إلى 100 لتر أو250  كحد أقصى وأحيانًا لا يوجد رغم زيادة المساحات! وكذلك تعاني الإدارة الزراعية من انخفاض عدد العاملين بها من مهندسين زراعيين وارتفاع أعمارهم هذا رغم زيادة عدد الجمعيات الزراعية والمساحات  المزروعة وطلبات التقنين المقدمة  من الشركات، مما جعل المهندس الواحد مكلفًا بأكثر من ملف وأيضًا قامت الوزارة في السابق بعمل حملة قومية للتدريب لمكافحة سوسة النخيل وعمل حقول إرشادية لدى صغار المزارعين، وقد توقفت من قبل كورونا،  لذا يطالب المزارعين بعودة المبيدات المدعمة بكميات تعمل على إحداث توازن بالسوق وتصرف فقط لصغار المزارعين والملتزمين بنظافة حقولهم وأيضًا توفير مبيدات بهامش ربح بسيط، لكن مضمونة عن طريق الإدارة الزراعية وعمل نماذج إرشادية مصغرة لدى صغار المزارعين لكل العمليات الزراعية مع التركيز على مكافحة سوسة النخيل. كما يطالب أهالي الواحات بعقد مؤتمر علمي لنقل الخبرات العلمية والتطرق إلى أحدث الأبحاث العلمية التي يمكن من خلالها التشخيص وأحدث طرق العلاج لسوسة النخيل. كما طالبوا بضم هذا الملف إلى ملفات الحوار الوطني وأنا على يقين أن الدكتور ضياء رشون النقيب السابق للصحفيين ومنسق عام الحوار الوطني، ينظر إلى هذا الملف بعين الاعتبار والاهتمام بهذه الثروة الهائلة من أجل حماية نخيل الواحات البحرية من الهلاك.. ويبقى الملاذ الأخير مناشدة رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي لدراسة هذه القضية الأخطر بالنسبة لسكان الواحات، ومطالبة الدكتور مدبولي بأن تدرج الواحات البحرية ضمن خطط الاستثمار المختلفة للدولة، ولا سيما أنه تم تخصيص منطقة صناعية بالواحات جاهزة لإنشاء مصنع حديث على غرار مصنع التمور بالوادي الجديد ... وللحديث بقية.