رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمريكا.. وثورة 30 يونيو 2013

لا يمكن، بأي حال من الأحوال، إغفال دور الولايات المتحدة الأمريكية في اندلاع ثورة يناير 2011 ، كما لا أيضًا إغفال دورها، في تأجيج الصراع مع معارضي الحكم الإسلامي في مصر. 
مع نجاح ثورة يناير 2011، ظهرت على السطح السياسي في مصر كل أنظمة الإسلام السياسي وتشكيلاته ومنها الإخوان المسلمين، والسلفيون، والجماعة الإسلامية، كما ظهرت بعض الأحزاب الإسلامية، وفى أول انتخابات برلمانية حصل التيار الإسلامي على أغلبية غير مسبوقة، وبعد ذلك دخل التيار الديني الانتخابات الرئاسية، وفاز مرشحه محمد مرسى بأغلبية ضئيلة على منافسه الفريق أحمد شفيق، ووصلت جماعة الإخوان إلى الحكم في 30 يونيو 2012. 
وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورًا بارزًا في تمكين الإخوان المسلمين، وكانت السفيرة الأمريكية في ذلك الوقت، آن باترسون، وهي مهندسة شق الطرق وتعبيدها وتجهيزها أمام الإخوان المسلمين، ما جعلها محل غضب الكثير من المصريين وعداوتهم لها، على نحو لم يحدث مع أي سفير أمريكي آخر من قبل.
وكان من تدخلاتها في الشئون الداخلية المصرية أن طالبت بعدم تدخل الجيش، وإبعاده عن الحياة السياسية، ولم يقبل المجلس العسكري تدخلات السفيرة ولا تصريحاتها المتغطرسة، وجاء رده حاسمًا على لسان اللواء محمد العصار، عضو المجلس العسكري، حيث طالب السفيرة بالالتزام بدورها الدبلوماسي دون تدخل في الشئون الداخلية لمصر. 
غير أن الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بالفعل، وأزاحت من أمام المرشح الرئاسي لجماعة الإخوان اللواء عمر سليمان، وكان قادرًا على منافسة مرسى، وقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية بزيارة مصر عشية الانتخابات، واجتمعت برئيس المجلس العسكري، وشرحت له خطورة صعود المرشح عمر سليمان، كما قامت بنقل رسالة للقادة المصريين، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترحب بالتعامل مع رجل ينتمى للنظام السابق، في إشارة منها إلى الفريق أحمد شفيق، وتم التغاضي عن مخالفات انتخابية وتلاعب في بعض الأصوات، ومنع بعض المعارضين للتيار الإسلامي من التصويت.
وبوصول أعضاء الإخوان إلى سدة الحكم في مصر اعتبروا أن مصر غنيمة لهم، وجاهر بعض السلفيين بأن انتصار الإخوان كان بمثابة غزوة جديدة من غزوات المسلمين، سميت «غزوة الصناديق". 
حاول الرئيس مرسي أن يفرض توجهاته على مصر، وبدأ في مطاردة معارضيه، بقرارات غير دستورية، وكذلك قيام أنصاره بقتل بعض الصحفيين المعارضين له، وأحال المشير طنطاوي ومعه الفريق سامى عنان إلى التقاعد في 12 أغسطس 2012، وترقية اللواء عبدالفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية، إلى رتبة الفريق أول، وتعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة، وترقية اللواء صدقي صبحى، قائد الجيش الثالث الميداني، إلى رتبة الفريق، وتعيينه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة، وإقالة اللواء بحرى مهاب مميش، قائد السلاح البحري، وتعيينه رئيسًا لهيئة قناة السويس.
كما قام بتعيين 8 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وزراء في الحكومة، و5 محافظين، و8 مستشارين في مؤسسة رئاسة الجمهورية، 13 مستشارًا للمحافظين من أعضاء الجماعة الإسلامية الإرهابية، كما قام بتعيين بعض أعضاء الجماعة الإسلامية الملوثة أياديهم بدم الشهداء والسياح في الأقصر، محافظين في الأقصر وغيرها، وكان أهم مشروع أثار غضب المصريين ضد الإخوان المسلمين، هو مشروع التمكين الذى اشتغلت عليه أهم عقول وقيادات الجماعة من الصفين الثاني والثالث، ويعتبر مشروع التمكين لدى الإخوان المسلمين مشروعًا يعيد تنظيم الجماعة إداريًا، ويرتب هياكلها ومؤسساتها المختلفة بطريقة بالغة الدقة، ويرسم لها خطوات محددة وممنهجة للسيطرة على جهاز الدولة وتولى السلطة رسميًا، وهو ما أدى إلى اندلاع مظاهرة في مارس 2011 في منطقة المقطم أمام المقر الرئيسي للإخوان في القاهرة، وأعقبته مظاهرات شعبية أخرى. 
ولم يقتصر الأمر على هذا، ولكن هناك تقارير مخابراتية 211 مستندًا أمنيًا سريًا للغاية، وعلى درجة عالية من الخطورة، بعضها بدرجة «سرى»، وبعضها بدرجة «سرى للغاية»، تم تسريبها يدًا للحرس الثوري الإيراني والتنظيم الدولي للإخوان من الرئاسة بعلم «مرسى»، وموافقته وتوقيعه، وهذه أول مرة تحدث في التاريخ أن يتم التسريب المخابراتى عبر رئيس جمهورية مصر العربية. وقد سارع الرئيس مرسى بحماية قراراته، بإصدار التعديلات الدستورية التي تؤكد حصانة القرارات التي يصدرها بوصفه رئيسًا للبلاد. وهو ما أثار الغضب الشعبي عليه، ومن ثم بدأت الثورة ضده بشرارتها الأولى. 
والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية، وقفت وكأنها لا تري ولا تسمع بما يحدث من أنصار الإسلامية والتفجيرات وحوادث الاغتيالات التي جرت بعد ذلك.