رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخيط الرفيع بين القاتل و الشهيد


الخيط الرفيع الذي يفصل دوما ما بين الحق و الباطل .. ما بين الابيض و الاسود .. ما بين الحقيقة و الكذب هو خيط لا يُرى عادةً و لا يراه عمداً او جهلاً  من في قلوبهم مرض او غرض او من على قلوبهم أقفالّ صدئة.

فهؤلاء عابوا و لم يعجبهم طرح الدولة و روايتها التي صدرتها للعلن بشأن الشاب الامين المستأمن على حدودها ذو الاثنين و عشرون عاماً الذي خرج من الشقوق التي تملىء بيوت أحيائنا الفقيرة ليخلص حقوقاً و يرد مظالم لابد لها دوما من يوم معلوم ترد فيه .. فالظلمات التي عانت منها بلادنا و مذبحة مدرسة ( بحر البقر)  و حرب عام ٥٦ و ٦٧ و أسرانا حتى انتصرنا في عام ١٩٧٣ و استعدنا كامل أرضنا و حقوقنا بالتفاوض و اقرار السلام على يد بطل الحرب و السلام الذي لن نجد او نرى مثله مرة اخرى .. و  عانت و مازالت فلسطين تعاني كذلك لبنان و سورية و جميع دول المواجهة.

و رغم كل ما سبق و رغم الاعتداءات المستمرة من جنود و عسكريين لديهم عقيدة صهيونية فاسدة جعلتهم يعتدون و يهجرون المدنيين و يقتلون الاطفال في ارض فلسطين .. مازال بيننا من لا يريد و يعارض اعتبار المجند المصري شهيدًا ! و مصطلح( الشهيد )استخدمته وسائل الاعلام التابعة للاعلام المصري و بالتالي فالرواية المصرية تعتبر الجندي المصري شهيداً قتله جنود مسلحون بزيهم العسكري لانهم في حالة حرب مستمرة ليس لها نهاية و زادنا  هؤلاء المخالفين من الطين بيتاً و بلةً و تساءلوا عن ماهية الفرق بين المجند الشهيد (محمد صلاح ) و بين الارهابي المنشق هشام العشماوي ! و هنا تكمن الكارثة التي كان حقاً سباقاً لتوصيفها الشاعر الفلسطيني الكبير ( محمود درويش)  مستشرفاً المستقبل و ما سيكون عليه الحال لدى البعض و حدثنا عن خوفه من ان تصبح الخيانة في يوم ما وجهة نظر !

و بالفعل اصبحت الخيانة وجهة نظر ! و قبل (درويش ) أجاب الشاعر المصري (امل دنقل ) عن ذلك السؤال الذي يعبر عن التباس في الفكر و عشوائية في  التفكير سببها الهوس بالصهيونية و اعتبارها فكرة قومية ! لا حركة استعمارية امبريالية معتدية غازية ! و يأتي مع ذلك الهوس عادة متلازمة التيه بدولة الكيان الصهيوني و اعتبارها دولة علمانية ! و هو الكيان الذي قام و تغذى على الاساس الديني العرقي العنصري المقيت الذي يمارس التصنيف والقتل و الاعتداء و الذبح ما يزيد عن السبعين عاما ! فأمل دنقل تساءل مستنكراً ( أكل الرؤوس سواء ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟
أتتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك ؟ ) 
ثم عاد و تساءل ( كيف تنظر في يد من صافحوك فلا تبصر الدم في كل كف ، ان سهماً أتاني من الخلف سوف يجيئك من ألف خلف ).

ثم أجاب لك و سرب لك الاجابة النموذجية التي يجب ان تلجأ اليها و تحتج بها عندما يحدثونك من قتلوك باستدارتهم الماكرة و يقولون لك نحن ابناء عم ..فتذكرهم ب( انهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك ) و لقد هلك و استشهد جندياً مصريا على الحدود و حسبته دولته شهيدا و الله حسيبه و حسيبنا جميعا فاتفاقية السلام التي تلتزم بها مصر و تحترمها كما تحترم كل عهودها و مواثيقها لا تعني تطبيعاً شعبباً او ثقافيا مع الكيان الصهيوني 
اتفاقية السلام تعني وقت الحرب و ممارسة الترقب الحذر تجاه عدو الامس ..فمصر من أوائل الدول التي أوقفت نزيف الحرب و لم تطبع و لم يطبع شعبها اما متلازمة الكيمتاوي الملحد النيوليبرال العاشق للصهاينة الكاره للفلسطينيين و كانهم الطاعون .. و كراهيته لفلسطين اقرب لكراهية التحريم ! فتلك متلازمة جديدة ظهرت مع ظهور النيوليبرال في بلادنا ووالدينا الاخضر .

و ما ذكرني بكل ذلك و دفعني للكتابة عن شهيدنا المجند هو احتفاء الاسلاميين المتطرفين اليمينيين بالقاتل (محمد عادل ) و اعتباره شهيداً بعد تنفيذ حكم الاعدام فيه ! و هو القصاص العادل ( فمن قتل يقتل ) و لقد قتل بنت مصر و زهرة فتياتها ( نيرة اشرف ) لانها أحبت الحياة ما استطاعت لذلك سبيلا و أحبت الغد الذي كانت تراه مشرقا ينظر لها من بعيد و يناديها فلبت ندائه وسعت و اجتهدت و انحازت للجمال فتمكن منها القبح ! فالقبح حتماً هو  نقيض الجمال و القاتل مارس الجرم و القتل القبيح لانه اراد قتل الجمال فيها و قتل الحياة فيها!  نعم لقد قتل القاتل ( محمد عادل ) الحياة بأسرها عندما قتل ( نيرة أشرف ) فمن يقتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعا 
لقد كره القاتل (محمد عادل ) الناس و الحياة و من ادعى حبه لمن قتلها ! فمن يحب انساناً حتماً يحرره و يطلقه للحياة لتتلقفه تلك الحياة بأياديها فيتنقل بين يديها في أمان ٍ و يسير آمناً على طرقاتها .. لا أن يقتل الحياة بداخله و يريد للاخرين الموت مثله لانه ميت ٌ ّلذلك قتل ..الميت يريد الموت و الهلاك لغيره و الحي يحتفي بالحياة و الاحياء من حوله 
و كما حدث التباس في قضية المجند الشهيد ها هو الالتباس يحدث و يتكرر مرة اخرى في قضية القاتل ( محمد عادل ) فالاصوليون أخوة في كل زمان و مكان و في كل الاحوال و المواضع 
النيوليبرال يرون المجند قاتلا و الاسلاميون يرون الشهيدة (نيرة اشرف ) فاسقة فاجرة متبرجة تستحق القتل لانها رفضت ان تعيش في خباء الميت  القاتل و ارادت الخروج للحياة و العمل و انحازت لمهنة لها علاقة وطيدة بالالق و الجمال ..و لانها رفضت الزواج ممن قتلها جعلوا قاتلها شهيداً و عريساً للسماء !
و ان عدنا لتلك القضية سنتذكر كم التعاطف العجيب و المبالغ فيه الذي حظى به القاتل من الاصوليين و المخربين و من منعدمي الضمير و كارهي الجمال و كم الاتهامات و اللعنات التي نالتها عروسة السماء نيرة 
حتى وصل الامر للكشف على عذرية جثمانها الهامد المسجى الذي ذبح بسكين و دم بارد و تلقى الطعنات الغادرة الكارهة في حياتها و بعد مماتها انتهكت حرمة جثمانها لنثبت للاصوليين الكارهين عذرية الجثمان المقتول المسجى ! و رغم كل ذلك و بعد كل هذا الغبن ظلت الشهيدة مدانةً ! و ظل القاتل ضحيةً و جعلوه عريساً للسماء و شهيداً ! 
انه وضع بائس جائر و محير .. يجور فيه اهل الارض على بعضهم البعض 
و يظل الامل معلقاً في السماء ..فالسماء وحدها من تقرر لمن الشهادة حقاً ..فالشهيد حسيبه الله وحده لا شركاء له ليقررون
اما على الارض فسيظل اللغط و الجدل و اختلال الموازين و القيم قائما حتى قيام الساعة 
و سنظل نكابد و نتكبد و نصارع و نحارب و نكتب لنستفيق الضمائر و لتبصر البصائر و لكي ننزع عن القبح رداء الحق و لكي ننصف الحق من أعين و أيادي الاصوليين و اهل الباطل ممن يقلبون الحقائق و الموازين عن عمد او عن جهل 
فتجهيل الشعب و تجرعه للاراء المعلبة و الصور الخاطئة المنطبعة في اذهانه تجاه الدين و تجاه المرأة و ملبسها و عملها و تديينه تدين شكلاني لسنين طالته و أفسدته أمراً مؤسفاً بغيضاً حدث بالتراكم و لن تصلح معه العصا السحرية لتغييره فاي تغيير سيحتاج ايضاً للتراكم و للمزيد من الجهد و الدأب و عدم استمراء اللاصراع و المواجهة ..فقد كتب علينا مصارعة الباطل ما استطعنا لذلك سبيلا و هانحن أمام و بين ثلاثةٍ يجمعهم اسم واحد و حيوات و اختيارات مغايرة .. (محمد صلاح ) البطل الرياضي الذي اختار و سعى للعالمية و رفع اسم بلاده في العالم بأسره و شرف مصر و اهلها في الداخل و في الخارج و يهاجمه الاصوليون لانه يظهر رفيقة عمره للعلن و يمرح معها و مع بناته و تطبع بطباع الغرب الذي يعيش وسط اهله و ثقافته .. و (محمد صلاح)  المجند شهيد حي عين شمس الذي تربى على حب الوطن و حب فلسطين فقتله صهاينة مسلحون فحسبته بلاده شهيدا و اخيرا ( محمد عادل ) الذي انحاز للعرض الخارجي و كان مهووساً بالقشور و بكل ما هو شكلاني و قبيح و فسدت فطرته و كان يضرب امه المنقبة و شقيقته و يمارس العنف المفرط و الاحتقار تجاه المرأة و هي رمز الحياة لعجزه و فشله في ان يصبح شيئا في هذه الحياة فقتل الحياة و قتل الحلا و الجمال و قتل الحلم و قتل الغد متمثلاً في ( نيرة ) شهيدتنا و شهيدة البلاد التي اصابتها سهام الاصولية السامة و لحق بها الشهيد (محمد صلاح ) الذي عانا كذلك من اتهامات و تنمر النيوليبرال به و حفظ الله الفرعون المصري (محمد صلاح) بطلنا العالمي في جبهة اخرى و الذي يتنمر عليه الاصوليون ايضاً
و سنظل ندافع عنه و نشجعه و نؤازره و نترحم على شهدائنا و نلعن القتلة كارهي الحياة 
سواء كان هؤلاء القتلة من الصهاينة الاصوليين او من الاسلاميين الاصوليين او من النيوليبرال اليمينيين .. فالاصولية داء كريه و الاصوليون دوماً أخوة يجمعهم الكره و القبح و القتل .. عافانا الله و عافاكم .