رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليبيا الغائبة عن أحضان العرب

إبان العدوان الثلاثى على مصر 1956 وضعت بريطانيا فى موقف لا تحسد عليه حين رفض الجانب الليبى استخدام القواعد البريطانية لضرب قناة السويس، كما لم يسمح لقواتها المرور من مالطا فى اتجاه مصر عبر السواحل الليبية، مما أثار الرأى العام فى لندن ومجلس العموم البريطانى رغم وجود اتفاقية ممهورة بين الطرفين الليبى والبريطانيى بحق الأخير استخدام القواعد البريطانية المتواجده على الشواطئ الليبية، الأمر الذى أغضب مجلس العموم مطالبًا بإلغاء الاتفاقية، وكان موقف الملك إدريس السنوسى بأن بعث برئيس الوزراء عبدالمجيد كعبار إلى لندن برسالة رفض لاستخدام القواعد الليبية لضرب مصر.

هكذا كان الموقف العربى تجاه مصر، وهكذا ألهمت القاهرة العواصم العربية بحركات التحرر ورفض الهيمنة والوصاية الغربية على شعوب المنطقة.. إذن ما الذى يحدث الآن وماذا تغير هل تبدلت المواقف؟ ومن يقف ضد إرادة الشعوب صانعة القرار وتقرير المصير فى ليبيا؟.

هل تخلت الدول العربية عن مساندة ليبيا فى أزمتها؟ ومتى تعود ليبيا موحدة تحت قيادة منتخبة بإرادة شعبية حرة دون تدخل أو وصاية من أحد.
يهمنا الشأن الليبى كسائر الأمم العربية، لاسيما أن ليبيا هى العمق الاستراتيجى المصرى وخط أحمر لمن تسول له نفسه تهديد الأمن القومى المصرى، فضلًا عن أواصر المحبة والمصاهرة والبعد التاريخى الذى يربط بين البلدين، مثل هذه الأمور تستدعى معرفة مجريات الأمور على أرض ليبيا وإلى أين وصلت المباحثات واللقاءات وما هى السيناريوهات المتوقعة، فكل الأمنيات أن يستقر هذا الوطن وينعم بالأمن والأمان ويصبح القرار الليبى شأنًا ليبيًا ليبيًا يصنعه الليبيون بأنفسهم من أجل عودة الوطن آمنًا مستقرًا.

لم تتمخض اللقاءات الأخيرة بنتائج اجتماعات المغرب بين أعضاء لجنة «6+6» عن جديد يدفع بالقضية الليبية نحو الأمام فى ظل ترحيب الدولى بمثل هذه الاجتماعات من أجل إنهاء الأزمة الليبية. إن لجنة «6+6» المشكلة من 6 أعضاء من مجلس الدولة يقابلهم 6 أعضاء من مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح المنوط بهم التحضير لملف الانتخابات الليبية واستكمال الخطوات الممهدة للبرلمان عبر حكومة مصغرة للإشراف على العملية الانتخابية فى أرجاء ليبيا.. لم تأت الاجتماعات والتشاورات بجديد الكل يضع العقدة فى المنشار، برلمان ليبى استمر دورة واحدة لأكثر من 11 عامًا فى سابقة برلمانية عالمية.

وحكومة قابضة على الكرسى ليس لديها النية فى ترك سدة الحكم برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والكل يعلم سواء البرلمان أو الحكومة- المنتهى ولايتهم - أن أى تحرك نحو انتخابات جديدة وفقًا للدستور الحالى فى ليبيا يعنى أن يتخلى الجميع عن مقاعدهم وإفساح الطريق لحكام جدد تنطبق عليهم شروط الترشح سواء للبرلمان أو الحكومة.. هكذا تكون المحطة الأخيرة لكل اجتماعات يعتقد البعض أنها نقطة البداية لحل الأزمة وإنهاء حالة الفوضى السياسية التى تعيشها ليبيا.

أكثر ما يصيب الشعوب بحالة إحباط وعزوف عن الحياة السياسية أن تصبح الأجواء السياسية غامضة ومعالم طريق غير واضحة، فالطريق إلى الاستقرار لا يستدعى ضياع كل هذا الوقت فى المباحثات والتشاور، إنما بحاجة إلى سرعة اتخاذ قرار، فالشأن ليبى ليبى وليس بحاجة للتدخل الغربى.. ليبيا ليست بحاجة إلى مبعوث أممى أو وساطة خارجية بل الشعب الليبى منتظر قرارا سريعا من أجل انتخابات تنقذ البلاد من حالة الفوضى السياسية، والوضع الراهن قد يروق للغرب، أو بالأحرى هم صانعو الأحداث من تعقيد الملف الليبى.

ولم يخجل بعض ساسة الغرب وحكامهم من إطلاق تصريحات عدائية كما اعترفت هيلارى كلينتون أثناء عملها بإدارة الريس الأمريكى بارك أوباما وإعلانها عن العلاقة المشبوهة بينها وبين جماعة الإخوان وتعزيز نفوذهم فى المنطقة ودعمها لثورات الربيع العربى ونشر الفوضى فى المنطقة العربية.
أيضا رئيس الوزراء الإيطالى برلسكونى الذى وافته المنية منذ أيام صرح قائلا بأنه أخطأ كثيرا بأنه لم يستفد من تداعيات الربيع العربى فى ليبيا.

حين نتحدث عن التدخل التركى المستفيد الأكبر من الوضع فى ليبيا والذى يعد بمثابة الباب العالى لمباركة الميليشيات وولاء الحكام له، والهيمنة على ثروات ليبيا وعن الشأن التركى فى ليبيا يحتاج لمجلدات كى نتحدث عنها ونخصص لها مقالات أخرى توضح خطر هذا التدخل فى الشأن الليبى، وهنا نؤكد على نقطة أساسية نقف عندها كثيرًا وهى القواعد التركية والأمريكية المتواجدة فى الغرب الليبى بواقع اتفاقيات تم توقيعها أثناء تولى حكومة السراج أمور البلاد هل يستخدمها الغرب يومًا ما بموافقة الحكومة ضد العرب؟ أو ضد مصر؟.

إن الوضع فى ليبيا يزداد تعقيدًا، مما أدى إلى هجرة الشعب بأعداد كبيرة تزداد يومًا بعد يوم ويصعب على المهاجرين العودة فى ظل هذه الظروف كما يعانى هؤلاء المهاجرون من صعوبة أوضاعهم فى بلاد المهجر بسبب إهمال حكوماتهم وسفاراتهم لهم، وهذا الوضع لا يختلف كثيرًا عن أوضاع ذويهم داخل ليبيا. بما يؤكد أن ثروات الشعب الليبى لم تعد ملك لليبيين، فضلا عن غياب الدور العربى، باستثناء أن مصر تسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وعقد لقاءات بين مجموعة «6+6» فى مصر من أجل التشاور وإيجاد حلول مناسبة دون تدخل فى قرار مصير ليبيا فهذا أمر يهم الشعب الليبى كما تؤكد دائمًا مصر على هذا المعنى.

كما نتساءل أين دور الجامعة العربية من احتواء هذا الأزمة؟.. وأين دور الاتحاد الإفريقى الذى كان يمول لسنوات من الرئيس معمر القذافى.. أخيرًا هل يحق لنا أن نحلم بعودة ليبيا إلى المجتمع العربى؟ ليبيا حرة أبية مستقرة تنعم بالأمن والأمان.. متى وكيف هذا ما تجيب عنه الأحداث.