رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إحنا نشتغل ف إيه؟

منذ شهور والكثيرون من الأصدقاء والمعارف يتوجهون إلينا بسؤال مباغت: إحنا ممكن نشتغل ف إيه؟.. هؤلاء الأعزاء يظنون، أولًا، أن أهل الصحافة يعرفون ما لا يعرفه الكل.. وأن لديهم من الأسرار ما يكفى لبناء وجهة نظر تساعدهم، ومَن فى حالهم، فى اتخاذ قرار.. ثانيًا: هؤلاء ليسوا من الذين تعودوا البقاء فى مقاعد المتفرجين.. وليسوا من أصحاب الأموال الناتجة عن العمل فى الخليج مثلًا.. ولكن أغلبهم ممن كانوا يعملون فى سوق العقارات التى توقفت بشكل شبه كامل منذ ثلاث سنوات تقريبًا.. بعضهم لا يعرف مهنة أخرى.. وإن كان قد حصل على خبرات طيبة بحكم التعامل فى السوق.. بعضهم يحمل درجة الليسانس، والبعض منهم تجاوزها إلى الماجستير والدكتوراه لكن لم يعمل بها.. أعمارهم تعدت الخمسين.. وفكرة السفر مجددًا خارج مصر غير مطروحة بالنسبة لمن هم فى سنهم وظروفهم.. ليسوا فقراء لكنهم يشعرون بالقلق.. عملًا بمبدأ «اصرف من التل يختل».. وجميعهم يسحب من أرصدته.. ثلاث سنوات كاملة ينتظر أن ينتهى أمر قانون البناء الموحد إلى صيغة مرضية تجعله يعود إلى كاره الذى غادره.. معظمهم يسترزق أحيانًا ببيع وشراء قطع أراضى صغيرة تسمح له بتدبير مصاريف بيته لكنه لا يستطيع المغامرة والبناء فى المدن الجديدة التى لا تعانى مشكلة التراخيص.. فقد أجبرته أسعار الحديد والأسمنت المرتفعة إلى هجران فكرة البناء، لأنه ببساطة لا يستطيع تحديد سعر الوحدة السكنية فى ظل عدم ثبات الأسعار.. بعضهم يحسبها بالورقة والقلم، ويجد أن هامش الربح فى ثلاث سنوات لن يصل بأى حال لما يوازى أرباحه لو أودع تلك المبالغ، التى سيبنى بها، فى البنك.. بعضهم فعل ذلك بالفعل.. لكنه يعانى فكرة البقاء بلا عمل.. ولأننى لا أعرف أجوبة لأسئلتهم حوّلت مجرى الحوار، وكثيرًا ما أفعل، لأسألهم عن اتحاد المقاولين.. وكبار رجال التشييد.. ودورهم فى الأمر.. لأكتشف أن معظمهم لم يسمع بهذا الاتحاد أصلًا.. ومن يعرفه يقر بأنه لا دور له.. مثله مثل جهاز حماية المستهلك الذى بات فى مواجهة نيران الملايين من متعاطى التدخين فى مصر بعدما حول جشع التجار فى تلك السوق الأمر إلى معاناة حقيقية دفعت الكثيرين إلى السؤال عن دور ذلك الجهاز والأجهزة الأخرى التى تشبههه.. لقد أصبحت لدينا عدة أسواق موازية تفعل ما تشاء دون خشية أو خوف من حساب.. يحدث هذا فى سوق الذهب.. وسوق الحديد والأسمنت.. وسوق اللحوم والدواجن وغيرها.. لقد هبطت أسعار الزيوت بقدر طيب فى العالم كله.. مثلما هبطت أسعار الأعلاف.. لكن هذا لم يُحدث فرقًا لدى المستهلك.. لدى المواطن.. ولا البياعين الصغار.. وهؤلاء جميعًا لا يعرفون لمن يتوجهون بشكاواهم فى ظل غياب كامل لقيادات وأجهزة وزارة التموين والتجارة الداخلية.. والناس لا يزالون يعتقدون أننا نعرف الكثير ونملك الأجوبة.. نحن أيضًا لا نعرف ونتمنى من أهل الحل والعقد أن يفتحوا نوافذ لهذه المعرفة، عسى أن يعرف مَن يسأل ماذا يفعل. 

معظم الذين كانوا يسألون منذ عام أو عامين.. بالتحديد من بداية أزمة كورونا.. كنت أجيبه، بشاعرية مفرطة: المستقبل فى الزراعة.. ربما لهوسى غير المحدود بعالم الزراعة بكل تفاصيله.. ونصحت الكثيرين من أهلنا بشراء ما يحتاجون من أرض صحراوية من الحكومة سواء تلك الأراضى المملوكة للمحافظات أو لشركة الريف المصرى.. وقد فعل بعضهم بالنصيحة.. وتوجهوا للصحراء.. بعضهم نجح بشكل مبهر.. وبشرت أراضيه بخير وفير.. وبعضهم دخل فى سراديب وألاعيب البعض ممن يطلقون على أنفسهم ألقاب مثل «المطور الزراعى».. المهم أن مَن نجح فى زراعته.. ومن يعانى مشاكل، جميعهم ينتظر تعديلات قانون وضع اليد.. والمصالحات.. باختصار: نحن فى حاجة عاجلة إلى خروج تلك القوانين إلى النور.. بعض هذه القوانين تجرى مناقشته منذ أعوام.. وأوضاع الناس لا تحتمل كل ذلك التأخير.. مثلما هو الحال فى قانون الإيجارات القديمة وقانون المحال العامة.. أتصور أن الحوار الوطنى ومخرجاته ربما يكونان حافزًا إضافيًا للتعجيل بهذه القوانين.. الناس عايزة تشتغل.