سنوات على الانتصار
مختار نوح: كنت «مزقطط» فى 30 يونيو.. والإخوان قالوا: «اللى ما يقولش مرسى راجع فقد كفر»
- «الشاطر» كان الكل فى الكل وقال إنهم سيستمرون فى الحكم 50 عامًا
- «مرسى» أراد تقييم التجربة وهو فى السجن ثم تراجع لأنه «بيخاف من خيرت»
- «بديع» كان ساذجًا والإخوان حاولوا ضربه داخل السجن
- قلت فى ٢٠٠٤ إن الجماعة أمامها 10 سنوات وتزول بسبب غرورها وقد حدث
- الإخوان سقطوا عندما أسقطوا حسب الله الكفراوى فى نقابة المهندسين لأنه كان أكثر تدينًا منهم
مختار نوح.. محامٍ وكاتب وباحث، استمر سنوات طويلة فى دروب جماعة الإخوان وتنظيماتها، وعندما أدرك عيوبها قرر أن يتركها فهاجمته واتهمته بالخيانة والتضليل، وإن ظل على علاقته ببعض قادتها حتى ثورة ٣٠ يونيو، ليكون شاهدًا على أحاديث الجماعة ومناقشات قادتها قبل وأثناء وبعد الثورة التى أطاحت بحكمها فى ٢٠١٣.
وخلال حواره مع برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الكاتب الصحفى والإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر قناة «إكسترا نيوز»، وصف مختار نوح ثورة ٣٠ يونيو بأنها ميلاد جديد، مشيرًا إلى أنه توقع سقوط الإخوان قبل ١٠ سنوات من وصولها للحكم، كما كشف عن تحكم القيادى خيرت الشاطر فى كل ما يخص الجماعة، وقدرته على فرض رؤيته التى اعتبرت أن الثورة ضدهم لن تكون أكثر من «زوبعة فى فنجان».
■ ثورة ٣٠ يونيو ماذا تعنى لك؟
- ٣٠ يونيو أول ما يتبادر للذهن أنها نوع من الميلاد الجديد، ففى الفترات السابقة كان هناك نوع من الميوعة فى التعامل مع الإخوان، وكان المواطن يفتتن من طريقة معاملة الدولة لهم ويظن أنهم جزء منها، لأنه يراهم فى الإعلام والبرلمان مما جعل لدى الإخون ثقة وتعاليًا.
وحتى ٣٠ يونيو، فإن صلتى المادية بالإخوان لم تنقطع وإن انقطعت الصلة التنظيمية من ٢٠٠٤، لذا فقد حضرت مناقشة ٣٠ يونيو داخل مكتب الإخوان، وهل ستكون موجودة أم لا من الأساس.
■ ما الذى جرى فى الإعداد للثورة؟
- وصل للشُعب والمناطق الإخوانية أن ٣٠ يونيو زوبعة فى فنجان، وهذا البيان الذى صدر من خيرت الشاطر ووزع على المكاتب الإدارية فى هذا الوقت، ووصلنى هذا الأمر من أصدقائى الذين ما زالوا بالجماعة، بأنهم سيظلون ٥٠ عامًا فى السلطة، فلم يكن قد صدر قرار القطيعة معى، وبعد ٣٠ يونيو وانضمامى للمسيرة ضدهم تم تكفيرى وأصبحت خائنًا وعميلًا ولدى اتصالات مشبوهة.
وتم تعميق الأمر بعد أحداث حلمية الزيتون ومدينة نصر واغتيال الشهيد هشام بركات واغتيال الضابط محمد مبروك، وحضرت هذه الأحداث وبدأت أشن حملة مقابلة على الإخوان، وكانوا يعتقدون أنى سأكتفى بالإدانة وإظهار العيوب ولكنى انتقلت لمرحلة أكبر، وهى أن الإبلاغ عن الإجرام واجب.
وحضرت أغلب خلافات الإخوان، ومنها وقوع طلاق بين أزواج، وشهادة زوجة على زوجها فى اغتيال الشهيد هشام بركات، وأنها سمعته وهو يتحدث فى التليفون عن ذلك.
وسمعت بأذنى أن ٣٠ يونيو هى «زوبعة فى فنجان»، وكنت وقتها بالبحيرة، وحذرت المجموعة المجتمعة من أن هذا كلام غير مدروس، وأن الإخوان لديهم فرصة أخيرة للعودة للصف الأول، وأن من يقف فى وجه ٣٠ يونيو سيقف فى وجه تاريخ جديد.
ونظرتهم لى كانت أننى هزمت نفسيًا وأننى أنبهر من صف الجيش والعساكر والمصطلحات التى كانت تردد، وخيرت الشاطر كل حساباته السياسية كانت ضائعة، وكان دائمًا يبسط الأشياء ويصر على أنها كذلك، وكانت النتائج عكسية.
■ لماذا تتحدث عن خيرت ولا تتحدت عن مرسى؟
- خيرت الشاطر كان الكل فى الكل فى الإخوان، ومحمود عزت كان للتنمية الداخلية، أما «الشاطر» فيمسك السياسة والاقتصاد، ويعتبر المرشد، وحتى عزت ليست له قوة وجبروت مثله.
وخيرت الشاطر هو العصبية الشديدة فى مواجهة الآراء الأخرى، ولا يسمح بها، وعندما سمعت مقولة «زوبعة فى فنجان» قلت لهم: هذا الأمر هو نهاية الإخوان، وإن من سيقتل فى الموضوع كله هو غرور الإخوان، وقد حدث.
■ متى رأيت الجماعة إلى زوال وهل كنت تتوقع أن تصل للحكم؟
- قلت فى الصحف إن الإخوان أمامها ١٠ سنوات وتزول، فى حوار مع عبدالرحيم على، ونُشر هذا الكلام فى ٢٠٠٤، وهذا سبب خروجى من الإخوان، وتم استدعائى بالمنيل والتحقيق معى بمعرفة رشاد بيومى بسبب مقولة «الإخوان لم يتدربوا على الديمقراطية، ويميلون للعنف»، وكانوا وقتها لم يميلوا للعنف الصريح.
وأول التحقيق كان شديد اللهجة، وقلت إن هناك عشر سنوات لزوال الإخوان كحد أقصى وإنى واثق من كلامى، وذلك بسبب غرور جماعة الإخوان وأنها ليست على الصراط، وأنها أوهمت نفسها بأكاذيب كثيرة وعاشتها، كما يحدث فى علم النفس أن الإنسان يكذب على نفسه ويعيش الأكذوبة ويصدقها، وهذه مراحل عندما تتم ولا يجد الإنسان من يفوقه يصاب بمرض إنكار الواقع، وهذا سبب استقالتى من الإخوان غير المسببة، وكان هذا ثالث وآخر تحقيق معى.
وقد توقعت وصول الإخوان للسلطة بسبب التمهيدات التى قام بها نظام الحكم الأسبق، والتى كانت تمكن للإخوان لأنها غير مدروسة، وكأنك تلعب بعرائس وتظن أنك تتحكم بها.
وخلال الـ٣٠ سنة فى عهد حسنى مبارك، وصل الإخوان للتحكم فى كل شىء قبل السلطة، وأحمد الخواجة نبهنى لأمر خطير وهو أن بداية سقوط الإخوان يوم أن فكرت أن تقيل الوزير الأسبق حسب الله الكفراوى من نقابة المهندسين بعد أن عملت له جمعية عمومية وأسقطته، وكان هذا قمة الغرور الإخوانى.
وأعتقد أن حسب الله الكفراوى كان أكثر تدينًا من كل الإخوان، وكان نظيفًا جدًا إلى درجة قد تصل لأولياء الله الصالحين، وهو لم يكن يعرف أنى أتابعه وحضرت فرح ابنته وحضرت مناسبات كثيرة له وأنا غير مدعو، وشاهدت موقفه من الوساطة والمحسوبية وكيف يفعل، وأحمد الخواجة أعلنها يومها، وقالها لمحمد على بشر، القيادى بالجماعة والوزير فى عهد مرسى، وقال إنها غلطة كبيرة، لكن الإخوان قالت إنها ستمتص أى موقف يظهر.
■ كيف تم التعامل مع محمد بديع بالسجن وأنت سجنت معه فى قضية النقابات؟ وكيف لشخص بمثل شخصيته أن يتولى أمر الجماعة؟
- طريقة التعامل مع الإخوان بالسجون كان يتم تنسيقها فى الدخول والخروج والأكل، أى أن السجن كان فسحة ولم يكن عقابًا، وأعضاء الإخوان داخل السجون كان لديهم نوع من أنواع الازدواجية والشيزوفرينيا.
وقد رأيت محمد بديع والبعض يحاول ضربه ضربًا مبرحًا والبعض يغلق الباب فى وجهه والبعض يصرخ فيه، وهو المرشد، وحصل هذا معه ومع غيره، و«بديع» كان شخصية طيبة جدًا وليست له قدرة على تحليل الأمور، وأرى أنه تورط فى كل ما حدث لأن طبيعته لا توافق على أن يقتل النائب العام، وأكيد كانوا يقولون له إنهم ليسوا هم من قتلوه، فهو كان قابلًا للخداع، إلا إذا كان يتقن الخداع لدرجة تخدعنى شخصيًا.
فهو كان شخصية بسيطة لأقصى درجة، ولا أقول ذلك حتى يتعاطف الناس معه، ولكن هذه السذاجة لا تسمح بالدخول فى معترك السياسة بهذه الطريقة، كما أن خيرت الشاطر كان لا يخبر أحدًا باتصالاته، وله تطبيق خاص فى التواصل، ولا يسمح لأحد أن يشاركه به.
والخداع كان موجودًا فى قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، فمثلًا يحيى موسى، وزير الصحة فى عهد مرسى وأحد مؤسسى حركة حسم الإرهابية، كان فى تركيا وخدع شقيق زوجته، وكان عنده ١٨ سنة، ودفعه لاستئجار مزرعة باسمه لتخزين المتفجرات التى استخدمت فى العملية، و«بديع» لو أخبره أحد بهذه الحقائق لبكى ندمًا.
■ أين كنت أثناء الحراك السياسى قبل الثورة؟
- سرت على قدمى لمسافة ٥ كيلومترات يوم ٣٠ يونيو، وكنت فرحًا و«مزقطط» مثل الأطفال، وكنت أشعر بميلاد جديد لأننى كنت أتمنى أن يحدث ذلك وقد حدث، ولم أكن أتخيل أن أصل للعمر الذى أرى فيه هذا اليوم، و«زقططتى» استمرت ٣ سنوات.
ومن حسن حظى أنى جلست مع بعض الشخصيات التى ساعدت على قيام الثورة، أو الناس التى باركت العمل، واكتشفت طبيعة هؤلاء الناس، مثل اللواء محمد العصار، الذى يحتاج لكتب تُكتب عنه، وكنت أعرفه لأنه من البحيرة، وعبقريته طلعت أكثر من المتوقع، والمشير عبدالفتاح السيسى، وهو التواضع لديه طبيعة ولا يستطيع تغييرها، والمستشار عدلى منصور، فكأن اختار الله هذه الكوكبة لهذه الفترة بالذات، وفى نفس الفترة ترى الغرور من الإخوان والثقة والغدر، ويقولون «من لا يقول إن مرسى راجع فقد كفر بالله»، وألفاظًا تدل على كفر شديد وطبيعة لا بد أن تتغير.
■ كم توقعت أن يبقى الإخوان فى السلطة؟
- أى واحد درس تنظيم الإخوان يعرف أن أفراده ما ينفعش يقعدوا فى السلطة، وقلت ذلك وقتها فتهكموا علىّ وقالوا: يعنى الحزب الوطنى يقعد، فقلت لهم: إنه ممكن يكون ظالم ولكنه يعرف الحكم، لكن من يدرس الإخوان يعرف أنهم لن يستمروا لأسبوع.
■ الإخوان تناقشوا قبل ٣٠ يونيو فى المواجهة أو التراجع.. فهل وصل صدى هذا النقاش لك؟
- مناقشات الإخوان مع بعضهم قبل ٣٠ يونيو بشأن المواجهة أو مراجعة أنفسهم وصلت إلىّ تفصيلًا، وهناك موقفان فرض فيهما خيرت الشاطر آراءه؛ الموقف الأول كان قبلها، فهو صاحب تعبير «٣٠ يونيو زوبعة فى فنجان»، كما أنه أيضًا من أنزل على المكاتب الإدارية بيانًا يقول إنها «مسألة وتعدى»، وإن هؤلاء «الثوار ضد مرسى» أفراد لن يزيدوا على ١٣٠ فردًا.
أما الموقف الثانى فكان مناقشاته مع محمد مرسى، ووصل بعضها لى، فقد كان «مرسى» يريد أن يقيّم التجربة وذلك أثناء وجوده فى السجن، أى بعد ٣٠ يونيو، وفى هاتين المرتين وصلنى أن خيرت الشاطر كان حادًا فيهما جدًا جدًا.
وفى المناقشات حول ٣٠ يونيو، استمع «الشاطر» لآراء مختلفة، ثم أصدر قراره فى النهاية بأنها مجرد «زوبعة فنجان»، وبأن الجماعة لن تستجيب لأى طلبات إطلاقًا، وبأن جماعة الإخوان ستحكم لمدة خمسين عامًا، كما قال لى أحد أفراد جماعة الإخوان أثناء وجوده فى مكتبى، لكننى راهنته بأن المسألة لن تتعدى الأيام.
وقد تناقشت مع «الشاطر» وقتها لدرجة التشاحن، ولم يكن يعجبه كلامى نهائيًا، واتهمنى بالتضليل، لكنى قلت له إننى أقول ذلك حتى تأخذ الناس حذرها لأنها على وشك الدخول فى طريق خطر، لأن العنف لا يولد إلا العنف فقط وإنما هو سلسلة لا يمكن إيقافها، وكانت الأمور وقتها تأخذ حدة غير مطلوبة تؤثر على التفكير السليم، وأعتقد أن خيرت الشاطر هو من نفذ قراراته فى هذا الموضوع.
ما الذى دار فى المناقشات بعد 30 يونيو بين «الشاطر» و«مرسى» أثناء وجودهما فى السجن؟
- ما وصلنى هو أن «مرسى» طلب مراجعة، بمعنى تقييم مرحلة، وأعتقد أن ذلك كان عنوانًا خجولًا من «مرسى» لأنه كان يخاف من خيرت الشاطر، كما أن كل المساجين كانوا يخافون من «خيرت»، لأنه كان يزرع فيهم الخوف بطريقة فظيعة جدًا، لكن «مرسى» عرض الأمر على هيئة تقييم مرحلة، وأعتقد أنه كان يريد التجربة بأكملها.
ولكن «خيرت» رفض حتى المناقشة فيما طلبه «مرسى» بشأن تقييم المرحلة، وأثناء وجودهما فى السجن كان «خيرت» يستشهد بالآيات القرآنية للرد على «مرسى»، وكان يقول له بأن الآيات القرآنية كانت فى خدمتنا، ويستحضر آيات من سورة «الأنفال»، ويذكرها بطريقة تنشر الرهبة فى الأفكار، وكانت هذه طريقته.
غدًا: ننشر الجزء الثانى من شهادة مختار نوح