رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناس بتتغير

محمد العسيرى
محمد العسيرى

منذ إعلان نتيجة امتحانات الشهادة الإعدادية.. وأنا أتلقى عشرات الاتصالات من أصدقاء هنا وهناك ومن أولياء أمور لم أعرفهم من قبل.. جميعهم يسألون عن مدارس جديدة لم أسمع بها من قبل.. ووصلت أعداد هذه المدارس إلى ما يقرب من أربعين مدرسة بعضها فى القاهرة وأغلبها فى محافظات أخرى.. لكنها جميعًا تصب فى خانة تعليم مختلف لم نتعود معرفته أو السؤال عنه.

الجميل فى الأمر أن معظم من تحدثت معهم يخبروننى أن أولادهم هم من يسعون إلى هذه المدارس الفنية.. استغربت فى البداية لكن الفضول دفعنى إلى البحث معهم.. هذه المدارس تطلب مجاميع عالية جدًا.. تفوق بمراحل المجاميع المطلوبة لدخول الثانوية العامة.. وبعضها يتطلب عدم العيش مع الأهل والانتقال إلى مدن بعيدة.. بعض هذه المدارس الدراسة فيها داخلية وبعضها جديد تمامًا على ثقافة التعليم المتوارثة فى بلادنا، ومنها تلك التى تؤهل الشباب للعمل فى التمريض أو سوق الذهب أو الغزل والنسيج والصباغة.. أو الصناعات الكهربية.. أدهشنى تفكير أبناء الجيل الجديد الذى أدرك أن الطريقة القديمة فى التعليم لم تعد تجدى.. لم تعد قادرة على صنع الأحلام.. الكثيرون منهم يحلمون بالسفر خارج البلاد نعم لكن الكثيرين منهم يدركون جيدًا ماذا يجرى فى العالم من حولنا.. ربما فاق إدراكهم الكثيرين من أولياء الأمور من أبناء جيلى.. 

هؤلاء الصبية الذين يعشقون محمد صلاح وبنزيما وميسى ويحفظون الأرقام الرهيبة التى يتقاضاها لاعبو الكرة يمزحون كثيرًا.. لكنهم واقعيون جدًا.. أنضجتهم الأحداث مبكرًا.. بعضهم وقد حصل على درجات كبرى أخبرنى أن دراسة الطب والصيدلة والهندسة لم تعد حلمًا، ناهيك عن دراسة الكليات الأدبية.. لم يفكر أحدهم من الأصل فى دخول الثانوية العامة.. بهم رغبة عارمة فى سباق الزمن والانتهاء من مراحل التعليم سريعًا للبحث عن وظيفة مناسبة فى مجالات التكنولوجيا والاتصالات أو السفر للعمل فى مصانع أوروبا.. السفر للخليج لم يعد هدفًا.. بعض هؤلاء الصبية أدهشنى أنهم يفكرون فى دراسة علوم الزراعة الحديثة، ويعرفون جيدًا أن المشروعات الجديدة فى توشكى والعوينات وغيرهما تحتاج إلى هذه التخصصات.. 

الجميل فى الأمر أن جيل الأبناء لا يتحدث عن هذه المجالات الجديدة فى التعليم بغضب.. أو يشعر بدونية مثلما كان الحال عندما كانت المدارس الفنية والصناعية تستقبل الحاصلين على أدنى الدرجات.. هؤلاء الشباب متفوقون وموهوبون.. بعضهم يجيد التعامل مع الميديا والتكنولوجيا الحديثة، وبعضهم حصل على منح لدراسة لغات أخرى بالفعل.. أدهشنى أن الأبناء يدركون أن هناك عالمًا جديدًا يتشكل.. يعرفون بدقة أن ما كان لن يستمر، وأن موازين القوى القديمة تغيرت، وأن الاقتصاد يذهب بنا إلى عالم جديد مختلف، يحتاج إلى أن نفكر فيه بشكل مختلف.. أحد هؤلاء الشباب وهو من الصعيد مازحنى متسائلًا: هل سنقوم بتغيير خطبة الجمعة فى يوم ما ليتحدث الخطباء معنا عن الذكاء الاصطناعى.. أم أننا سنظل لسنوات أخرى نتحدث عن حسن معاملة الأزواج للزوجات؟.. أربكنى السؤال ولم أفهم ما علاقته بالمدارس الجديدة التى يبحث عن عناوينها ومواعيد التقديم فيها ومصاريفها.. لكنه لم يترك لى الفرصة للحيرة أو محاولة التفسير.. عندما قال.. سيتغيرون حتمًا، وإلا فلن يذهب للمساجد من كانوا يرتادونها وسيبحثون عن خطباء جدد يدركون حاجة الناس.. ثم أضاف.. الدنيا اتغيرت.. 

لا أعرف إن كانت الحكومة قد وضعت خطة للتوسع فى مثل هذه المدارس تستوعب هذه النظرة الجديدة من الطلاب وأهاليهم أم لا.. لا أعرف إن كانت الوزارات المعنية قد جلست مع أصحاب المصانع التى تحتاج إلى هذا النوع من التعليم أم لا.. لقد لفت أحدهم نظرى إلى أن التوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة.. والتعدين.. والزراعات الحيوية واستخدامات الرمال تحتاج إلى جيل جديد من المتعلمين بأعداد مهولة، فهل يعى العاملون فى مجال التعليم ذلك الأمر.. وهل يفكر القطاع الخاص فى احتياجاته من خريجى هذه المدارس.. الأمر يبدو مفرحًا.. أن يفكر الأبناء بشكل مختلف وجاد.. ومربك أيضًا لأننا ينقصنا معلومات كثيرة لا نعرفها.. الناس تتغير.. والمعرفة مطلوبة وضرورية.. هذا ما أعتقد.. عسى أن يكون ما أظنه صحيحًا..