رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمهورية الجديدة.. رؤية الثقافة والمستقبل                            

صرح الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة سيكون بمثابة الإعلان عن جمهورية مصرية جديدة، وكان ذلك فى سياق حدث اعتبره المتابعون كشفًا عن شكل جديد لدولة تتعامل مع نفسها بوصفها دولة حديثة قوية تعتمد على العلم والإبداع وتتكئ على تاريخها لبناء مستقبلها فى تناغم واضح بين مكوناتها، وهو ما يمكن النظر إليه بوصفه رؤية مصر الحديثة التى بدأت فعليًا فى التحقق على أرض الواقع، حيث ظهر ذلك فى أكثر من مناسبة بوضوح.

والجمهورية الجديدة هى فكرة ذات دلالة على جانب كبير من الأهمية فى المرحلة الراهنة، لا سيما أن الإعلان عنها قد توازى مع لحظتين فارقتين على المستوى التاريخى، الأولى هى لحظة قيام المصريين بمواجهة تحدٍ كبير، والقيام بإنجاز مهمة صعبة، هى مهمة تحريك السفينة إيفرجرين الجانحة فى قناة السويس فى وقت قياسى، وقد عدّ كل خبراء العالم ذلك إعجازًا قياسيًا، اعتمدت فيه مصر على العلم، وعلى استغلال كل ما يمكن أن يكون متاحًا من مخزون القوى العلمى والفكرى والحضارى والبشرى بطبيعة الحال، بما يمثل الاستغلال الأمثل لكل ما تملكه الدولة من قوى ودون مساعدة من خارجها. 

واللحظة الثانية هى إعلان مصر عن إبداعها الخالص، الذى يضع التاريخ أساسًا لتعاملها مع نفسها، وذلك فى تنفيذ موكب المومياوات الملكية، حين استطاعت مصر أن تجذب أنظار العالم أجمع، وتحبس أنفاسه ساعتين من الزمن، حين توقف العالم أمام مصر بكل احترام وانبهار، ولم يكن ذلك سوى بتخطيط وتنفيذ مصريين خالصين، استطاعا معًا، وعبر تناغم واضح، إظهار عظمة مصر، وحضارتها، ومدى اهتمام أبنائها بها، وحرصهم على إظهارها فى ثوب عصرى لا يهمل تاريخه، ولا ينفيه بل يضعه فى الصدارة. لا يمكننا بأى حال اعتبار أن تجاور هذه العناصر معًا فى تلك اللحظتين كان من قبيل الصدفة، وإن اختلف الحدثان فى طبيعة كل منهما، وشكل التعامل معه، فأول الحدثين كان مواجهة مفاجئة لم يكن مخططًا لها، حادث جنوح سفينة تسد المجرى الملاحى لقناة السويس مع وجود قائمة طويلة من السفن فى الانتظار، بما يوجب تعاملًا سريعًا ومبتكرًا، أما الحدث الثانى فيتم التخطيط له منذ فترة طويلة لنقل المومياوات الملكية المعروضة فى المتحف المصرى إلى متحف الحضارات الجديد، مع وضع هذا الحدث داخل نسق واحد يتكون من افتتاح متحف الحضارات وميدان التحرير بعد إعادة تنسيقه حضاريًا ووضع مسلة فرعونية ربما للمرة الأولى فى ميدان مصرى كبير، بعد أن زينت مسلاتنا ميادين العالم.

نمطان إذن من الأحداث يقومان فى الأساس على شكلين من أشكال التحدى، لكنهما كانا يمثلان فرصة مهمة لكى تعبر مصر عن مكونات رؤيتها لنفسها، تلك المكونات التى لا تغفل أيًا من العناصر التى يمكنها أن تكون ذات فائدة فى بناء تلك الجمهورية الجديدة، وربما يمكن النظر إلى عناصر مثل العلم والإبداع والتاريخ والحداثة والمستقبل والتناغم بوصفها عناصر ذات أهمية قصوى فى مجال بناء تلك الرؤية.

موكب المومياوات المصرية.. تعرف إلى قصة الـ 22 ملكاً وملكة | صحيفة الخليج

موكب المومياوات وحافز الحضارة المصرية

كان حدث موكب المومياوات مصريًا خالصًا سواء فى التفكير أو التخطيط أو الرؤية الإبداعية أو المحتوى، وهو الأمر الذى بدا حافزًا مهمًا للمصريين وداعيًا لهم لبدء البحث عن مكونات هذا الحدث، ومعرفة الجذور التاريخية له، بل ملاحظة التشابهات بين بعض المشاركين من العازفين أو الفنانين من ناحية، والمومياوات نفسها من ناحية أخرى، حيث بدا الأمر كأن مصر تستنهض تاريخًا ليقف حاضرًا وبوضوح فى حاضرها.

وهو الأمر الذى وصل إلى ذروته فى مشهد الدخول، حين كان الرئيس عبدالفتاح السيسى واقفًا بمفرده فى استقبال ملوك وملكات مصر، رئيس مصر يستقبل ملوكها، أو بالأحرى ممثل حاضر الدولة المصرية يستقبل ممثلى ماضيها، فى مشهد مهيب يدل على شدة الاحترام لهذه الشخصيات وما أنجزته للحضارة المصرية، بل للدنيا قاطبة، وقد مثّل هذا المشهد بالذات مشهد الذروة والختام الذى يبقى عالقًا فى الذهن بعد نهاية الحدث، فى رسالة واضحة الدلالة على أن مصر الحاضر تعتمد على تاريخها وتتكئ عليه.

إن مكونات هذا الحدث تدعو للتأمل حيث بدا الأمر منضبطًا كساعة، مخططًا بدقة شديدة، وربما تكون المرة الأولى التى يتم فيها التوازى بين عزف موسيقى حى وأداء حركى مسجل، فى ابتكار جديد يشير إلى أهمية الفن والإبداع متضافرين مع دقة التخطيط فى الحضارة المصرية، وهو الأمر الذى وصل إلى ذروة مداه فى أنشودة بهاء إيزيس، التى مثلت أول أغنية تُذاع بشكل عام من اللغة المصرية القديمة، وهى الأنشودة التى غلفت اللحظة بجلال خاص، وجذبت العالم، أطفاله قبل كباره، لتشير إلى أهمية الإبداع بوصفه بنية ذهنية لدى المصرى قديمًا وحديثًا، ذلك الإبداع الذى يمكن النظر إليه باعتباره عنصرًا مهمًا من عناصر الجمهورية الجديدة التى تسعى لتوطيد العلاقة مع الماضى بوصفه الأرضية الثابتة التى تقف عليها، لكن من دون أن يقيد ذلك الماضى حركتها، إنها تأخذ منه ما تيسر من نور المعرفة لينير طريقها القادم، فتبدع دون أن تخل بالإطار المجتمعى الراسخ منذ آلاف السنين.

وربما يكون هذا الحدث على وجه التحديد داعيًا لنا إلى مراجعة الطريقة التى نعامل بها هذه الحضارة حين نقدمها لأولادنا فى مقرراتهم الدراسية، فنحن ندرس لهم التاريخ المصرى القديم مركزين- بداية من اسم المقرر- على التاريخ السياسى بما يمثل من حركات كبرى، حروب وصدامات، مع التركيز على أولئك الملوك بصفاتهم السياسية فى الأساس، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الجوانب الاجتماعية والثقافية حين الحديث عنهم.

وإذا كان ميلان كونديرا يقرر أن التعامل مع الماضى يتم بوصفه بلدًا آخر، فإن تلك المقررات الدراسية لا تسهم إلا بقدر كبير من القطيعة النفسية بين أبنائنا وتاريخهم، حين ينظرون إلى ملوك الفراعنة بوصفهم ملوك أناس آخرين، هكذا وبمنتهى البساطة، إلا قليلون محظوظون بزيارة متحف أو هرم، ينظرون إلى ما يمكن أن تكون لهذه الحضارة للإنسانية من آثار، وهو أمر يظل على جانب كبير من الخطورة حين نجد أبناءنا يتعاملون مع جذرهم الحضارى بوصفه عنصرًا غريبًا عنهم، عنصرًا يأتيهم من بلد آخر، حيث يبدو واضحًا الأثر الكبير لتلك الخطورة خاصة على جيل ينفتح أمامه العالم على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، فيصبح مشوشًا إذا لم يرتبط بجذره الثقافى، ويتفاعل معه ليس بوصفه مجرد «تاريخ» بل بالارتكاز عليه عنصرًا من عناصر الحاضر، وهو ما يتوجب معه أن يكون الحل ثقافيًا فى الأساس.

إن الهوية المصرية هى الأساس الحقيقى الثابت الذى يمكنه أن يحفظ لمشروع الجمهورية الجديدة ثباته وقوته بل مشروعيته المجتمعية أيضًا، مع ضرورة عدم الإخلال بأى من مكونات هذه الهوية، إنها الرابط الحقيقى لكل هذه العناصر المتناغمة، وهى الضامن الأصلى لتحقيق تلك الرؤية التى قدمت مصر نفسها بها، ويجب ألا نفوت فرصتنا لدعمها وتطويرها، والاعتداد بها، والاعتماد عليها، والتعبير عن انتمائنا لها، ذلك الذى يضمن لنا- بوصفنا مصريين- وجودنا الفاعل، كما يضمن لمجتمعنا أن ينبنى على أسسه الواضحة التى ضمنت له سلامته واستقراره على مدار التاريخ، كما ستضمن له تحقيق رؤاه الواضحة فى بناء مستقبل قوى قادر على مواجهة تقلبات الزمن.. فما بين أطفالنا الذين أطلقوا ومضات البداية فى مشهد بديع أضاء فيه ميدان التحرير بشكله الجديد استجابة لإشارتهم، وبين فنانينا الذين واكبوا دخول الملوك واستقبالهم رسميًا من رأس الدولة، فى إشارة واضحة لها دلالة احترام التاريخ والحضارة، والتركيز على كونهما مكونين للمستقبل، بين كل هذا يتوجب علينا الإفادة من هذه اللحظة، مع عدم إغفال توجيه التحية لكل عناصر هذا العمل الذى شعرنا معه بفخر يجب أن يمتد بكوننا مصريين.

مستند.. بداية من يونيو 360 جنيه سعر تذكرة دخول الأهرامات للأجانب - اقتصادنا

كيف نستثمر اللحظة؟

فى كل مرة تمر بلادنا بمثل هذه الأحداث أتساءل: لماذا لا يتم استثمار هذه اللحظات لإعادة بناء شخصية مصرية تقوم على غرس قيم المجتمع فى أبنائنا؟ تلك القيم التى تمثل منظومة واسعة المدى، والتى يمكن تلخيصها فى قيمة مركزية أولى بالنظر، هى قيمة الانتماء التى- إن تم التركيز عليها منذ الصغر- فسوف تكون حامية لأبنائنا من القيم الدخيلة من ناحية، وداعية لهم لتعزيز إيجابيات هذا المجتمع منذ تاريخه من ناحية أخرى، وهو الأمر الذى ربما أصبح التوجه به لأطفالنا من قبيل الضرورة الآن.

ربما تبدو اللفظة «استثمار» خارجة عن السياق لكنها تفى بالغرض، إنها تعبير عن استغلال ما نملك من أجل تنميته، وتنمية الإمكانات المتاحة من خلاله. وإذا كان ما نملك هذا قد ظهر بوضوح فقد عرفناه، كما علمنا إمكاناته، تلك هى اللحظات الفارقة التى تزيل عنا التشوش لتجعلنا نشعر بما لا يدع مجالًا للشك أننا مصريون، وأننا نعتز بذلك ونفتخر، غير أننا يبقى لنا أننا نحتاج إلى تعزيز ذلك الشعور لدينا لكى نمرره لأولادنا.

ولكى يتم هذا التمرير بنجاح فقط علينا أن نعلمهم به، لكى يعرفوا أنهم مثلنا مصريون، وأن لديهم ما يفتخرون به، ولذلك فإنه يتوجب أن يعرفوا، ولكى تتم هذه المعرفة، أو تبدأ، يجب أن يبدأ الأمر بالخروج من أسر الشكل التقليدى الذى نعلم به أولادنا ما يجب أن يتعلموه عن تاريخهم، وهو ما يمكن أن يتم من خلال بعض الخطط، ومنها:

أهمية الحضارة المصرية القديمة - موضوع

مقرر علمى ممتد عن الحضارة المصرية

من هنا يتوجب أن يكون هناك مقرر علمى دراسى ممتد ربما نقترح له اسمًا «حضارة مصرية»، وكلمة «حضارة» تعنى هنا مناحى الحياة كافة، ومعنى كونها مقررًا ممتدًا أن يبدأ منذ دخول الطفل إلى سنواته الدراسية الأولى ليدرس مع القراءة والكتابة العربية مثيلتها من اللغة المصرية القديمة التى بالتأكيد ستكون أكثر إمتاعًا له من حيث اعتمادها على الرسوم والأيقونات، وهو أمر لا يجب أن يتوقف عند حد رمزين أو ثلاثة بل يمتد لكى يتعلم الطفل قراءة لغته القديمة، ولكى يكون فى مرحلة ما قادرًا على قراءة أولية لنصوص جدران المعابد أو المسلات، فيشعر بالألفة وإمكانية المعرفة حين يزور المتحف أو الهرم أو أى معبد من المعابد الكثيرة المنتشرة فى ربوع مصر.

وبالطبع لا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب أن يتضافر مع اللغة تعليم أبنائنا جوانب من حياة المجتمع المصرى القديم، ولدينا من المعلومات ما يمكن أن يعكف عليه خبراء التربية ليكونوا مجموعة من المناهج التى تتدرج مع سنوات الدراسة، ليخرج الطالب من المرحلة الثانوية ولديه فكرة عامة عن المجتمع المصرى، حياته وتكوينه الأسرى وتعامله مع الحياة وعلاقته بالنيل والأرض، عن علومه ومعارفه وآدابه ونصوصه، عن فنونه وعمارته وموسيقاه وأغنياته، وقيمه المجتمعية.

كما أنه من الممكن أن يتطور الأمر لكى يدخل فى إطار التخصص، فيدرس كل طالب فى الجامعة مقررًا حسب تخصصه، فيدرس طالب الطب، على سبيل المثال، الطب المصرى القديم، وإنجازاته، وربما كان فى افتتاح متحف الحضارة ما يمكن أن يكون نواة لمثل هذا العلم من أدوات جراحية اخترعها المصرى وما زال العالم يستخدمها بالخامات والمقاييس ذاتها، كما يمكن أن يدرس طالب الهندسة المعمار المصرى القديم كما يظهر فى المعابد والمقابر والأهرامات التى تعد من أهم العجائب المعمارية على مدار التاريخ، ويدرس طلاب الفنون التشكيلية النحت المصرى وطريقة تركيب الألوان المصرية بما يجعلها ثابتة على مدار الزمن، ويدرس طالب الزراعة تقنيات الزراعة المصرية التى علمت العالم كيف يستنبت أرضه وتعامله مع مياه الرى تعاملًا مثاليًا، ويدرس طالب الآداب النصوص المصرية الخالدة ككتاب الموتى وشكاوى الفلاح الفصيح، وهكذا فى التخصصات كافة، وهو الأمر الذى لن يصبح صعبًا خاصة إذا اعتمدنا على علمائنا من مؤسسى وأبناء المدرسة المصرية فى علم المصريات.

إن مقررًا مثل هذا سيكون حريًا به أن يجعل أبناءنا يعيشون جذورهم، يستلهمون اختراعات أجدادهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم التى خلقوا منها حضارة عظيمة، ليرتبطوا بها ويؤسسوا عليها، والأكثر من ذلك أنه من الممكن أن تكون مثل هذه المعارف ملهمة لهم ليعيدوا بناء حاضرهم على أساس من خصوصية العلم المصرى واستقلاله، وهى النقطة التى تتيح لهم الحركة بحرية أكبر داخل مجال علم يعلمون إمكاناتهم فى السيطرة عليه والتفرد فيه.

إن مسألة المقرر العلمى ليست مسألة شكلية، كما أنه لا يجوز التعامل معها بوصفها نشاطًا مدرسيًا، بل بوصفها إحدى الأسس المهمة التى يمكنها بناء شخصية حضارية مستقلة لأبنائنا، يمكننا من خلالها استغلال اللحظة المتألقة من أجل غرس بذرة دائمة الإثمار.

فريق عمل لتنفيذ خطة تنمية الصناعات اليدوية فى المحافظات - جريدة البورصة

الحرف والصناعات التراثية

تذخر مصر بالعديد من الحرف والصناعات التى قامت على أساس من استغلال المكونات البيئية والتعامل معها تعاملًا إبداعيًا، ومن هذه الحرف ما سار إلى الانقراض، ومنها ما يسير إليه، ومنها ما تم تشويهه أو تغيير بعض من سماته، وهى صناعات تتنوع ليصبح عددها زائدًا ثلاثمائة صناعة وحرفة، ومنها ما يعتمد على النسيج بأنواعه، كالملابس والمفروشات، ومنها ما يعتمد على الخشب أو النحاس أو الجريد أو الفخار وما شابه ذلك من خامات تفردت الحضارة المصرية بالتعامل الإبداعى معها على مدار تاريخها.

ويمكن لهذه الحرف والصناعات أن تصبح موردًا اقتصاديًا مهمًا بشروط منها: أن يتم التعامل معها على أساس من الحفاظ على هوياتها، وذلك عن طريق آليات توريث الحرفة من صانعيها الأصليين إلى متدربين جدد يمكنهم تطويرها شريطة الحفاظ على عناصر هويتها الأصلية، ويضاف إلى ذلك ضرورة التعامل مع هذه الحرف بوصفها صناعات يمكن أن يصبح لها خطوط إنتاج على أسس علمية وتسويقية حديثة تهدف إلى التصدير، ليس فقط بالهدف الاقتصادى ولكن يضاف إليه أهداف أخرى منها السياحى ومنها الثقافى، وهى أمور تستوجب التعامل مع هذه الصناعات والحرف ليس فقط بوصفها نشاطًا اجتماعيًا ذا مردود اقتصادى محدود بل بوصفها نشاطًا حضاريًا يجب معه تضافر كثير من المؤسسات لتحويلها إلى صناعة ثقافية كبرى.

قراءة فنية لحفل موكب المومياوات الملكية .. كيف أذهل المصريون العالم في 10  مشاهد؟| صور - بوابة الأهرام

استنساخ اللحظة واستلهامها

من ناحية أخرى، يتوجب استغلال ذلك الشعور الوطنى الذى تنامى فى أثناء متابعة موكب المومياوات لدى عامة المصريين وهم يتابعونه على شاشات التليفزيون، وذلك بنقل هذا الحدث فعليًا، أو على الأقل صورة مصغرة منه إلى كل مكان فى مصر، حيث يمكن لنا أن نقترح- أو بالأحرى- نتمنى أن تزين مسلات أخرى أو تماثيل ميدان كل مدينة مصرية، أو على الأقل كل عاصمة لمحافظة، وأن يتم ذلك بموكب ليس بالضرورة بالطبع أن يكون بضخامة موكب المومياوات، لكن يظل هناك حدث خاص لكل محافظة يتذكره أبناؤها، ويشاركون فيه، ثم يكون لديهم قطعة من تاريخهم تبدو ماثلة أمامهم طول الوقت، قطعة أصلية وليست مستنسخة، يعرفونها ويعرفون تاريخها وما تمثله، وحبذا لو كان لهذه القطعة علاقة بالإقليم الموضوعة فيه، لتصبح اللحظة ممتدة وليصير الماضى حاضرًا، ولتصبح مصر أشبه بمتحف مفتوح يستغل تاريخه ليزين حاضره.

ثم هل يمكن أن نتمنى أن تكون هناك دعوة للكتاب والمبدعين بأن يستغلوا كل هذه المعانى من أجل صياغة إبداعات تقوم على العنصر الثقافى المصرى، وربما ننبه هنا إلى أن أهم بدايات نجيب محفوظ كانت كتابته التاريخية التى ركز فيها على مصر القديمة، فكانت مميزة له، ومثلت نقطة انطلاقه التى ضمنت له إبداعًا أصيلًا متجاوزًا حدوده الإقليمية، كما مثلت الأساس التاريخى الذى بنى عليه إبداعاته المعالجة لعصره فيما بعد، وربما يكون هذا الأساس- تحديدًا- حافزًا مهمًا للمبدعين للبدء فى مرحلة جديدة ليس من الضرورى أن تكون فرعونية خالصة لكنها تعود إلى جذورها الثقافية تنهل منها وترتبط بها.

وفى الختام فإن الهوية الثقافية المصرية تمثل ذخيرة وكنزًا يمكن الاتكاء عليه والبناء، كما يمكن استغلاله فى تربية أبنائنا وصياغة مستقبل لجمهورية جديدة تتطلع لمستقبل مزهر لأنها ترتبط بماضيها وخاصة عناصره الحضارية القيمة التى يقدرها العالم كله ويفيد منها.