رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع التقدير والاحترام لبوسعادة

قيم التراحم والتواد والتقدير والاحترام قيم راسخة في الثقافة العربية.  والقيم منظومة متكاملة من الأخلاق والأفكار والأقوال والأفعال والسلوكيات القويمة التي تؤسس للأمة نهجها ومساراتها وترسم ملامح التعامل مع الآخر أيا كان جنسه وعرقه ولونه وجنسيته. حتى نهاية القرن الماضي ووسائل الاتصال والتواصل بين الناس كانت تعتمد اعتمادًا كليًا على الخطابات والمراسلات عبر الخطابات الخطية والكتابات اليدوية التي كانت تُفتتح  وتُختتم بجملة مع التقدير والاحترام لتؤسس قيمة عالية وراسخة في النفوس تعكس قوة المبادئ السامية ومتانة القيم النبيلة وتُترجم لغة التراحم والتواد والتلاحم الاجتماعي والمحبة الإنسانية إلى منطلقات سلوكية.

حقًا مع التقدير والاحترام، جملة أضحى الوطن العربي تواقا إليها لتُحيل الوجه العابس البائس إلى آخر فرح مبتسم.

صراعات ونزاعات وانقسامات وحروب، وتطاحن جله داخلي في مجمل دول الوطن العربي الذي يعاني أصلًا من تحديات ومصاعب أفرزتها تحولات دولية ومطامع إقليمية سابقة شكلت ملامحها بداية قضية فلسطين ثم أزمات لبنان وانزلاق العراق والحرب الداخلية في ليبيا وسوريا وانتهاك سيادتهما وابتزاز ثرواتهما وعدم الاستقرار في تونس والصراع في اليمن والقتال  في السودان بين عسكر البلد ذاته. في تصور يعكس ضعفا عاما في النظام الأمني والنظام الدفاعي وعدم قدرة الدولة على ضبط هذا الإيقاع والسيطرة على المنظومة الأمنية والدفاعية. والذي بدوره يورث الخشية من انتقال تلك العدوى إلى دول عربية أخرى أرضيتها هشة متقبلة لذلك.

في غرابة تثير تساؤلا حول أدوات تعميق الصراع العربي العربي حتى داخل الوطن الواحد في مشهد عام يؤكد أن الخاسر الأول والأخير هم شعوب الوطن العربي، الذي وكأن التمزق وعدم التوافق قد كتب عليه. روابط صلات المجتمعات العربية تراجعت في مفهوم التقدير والاحترام والتراحم والتواد، ولم تتناقله الأجيال فيما بينها لتراجعه في القمة، فكيف سيصل إلى القاعدة؟

مد جسور التواصل وتوثيق الاتصال مهمة عربية عربية وخاصة في تجسير المنظومة الدفاعية والأمنية والإعلامية. الأمن القومي العربي جوهرة التلاحم الاجتماعي العربي، وقاعدته تجسير العلاقات العربية البينية المباشرة والشاملة لمحيط الوطن العربي. ومحور ارتكازه دول مجلس التعاون الخليجي ومصر لكونها مرتكزا لازما وشد وصل جاذبا للحفاظ على مركز الدائرة التي لها أن لا تُخترق، ولا يهتز بناؤها كصمام أمان ممتد في حاضنة الوطن العربي الذي عليه أن يبقى كتلة واحدة، لينافس في دوائر التكتلات الدولية الجديدة.

وقد يوجد ما يمكن البناء عليه والانطلاق منه بقوة، حيث يوجد مكتب مكافحة الجريمة في بغداد ومكتب الشرطة العربية في دمشق ومكتب الحماية المدنية والإنقاذ في الدار البيضاء والمكتب العربي للتوعية الأمنية والإعلام في القاهرة، وهذه المكاتب يمكن التأسيس من خلالها لنافذة عربية لها منهج عملي تنفيذي مباشر يمكن أن يُصوغ قواعد تطبيقية للأمن القومي العربي التكاملي الذي له أن يتخطى جوانب مختلفة من التهديدات والمخاطر والتحديات التي تُبدد جهود العمل العربي المشترك. 

 في جنوب شرق الجزائر البلد العربي الأكبر مساحة في قارة إفريقيا توجد مدينة اسمها بو سعادة، تتميز بصناعة السيوف والخناجر، وشعارها الخنجر البوسعيدي، أقام بها قبل نحو 100 عام الرسام الفرنسي إتيان ديني الذي أسلم، وأصبح اسمه نصرالدين ديني، الذي أسس معرضا ضخما للرسم، وأصبح مرجعا لمدرسة الرسم الواقعي الذي يعكس الألم والجمال والقوة والمروءة ويُجسد الإلهام للممثلين والمخرجين السينمائيين، حيث جذبت مدينة بوسعادة السينمائية الكثير من المخرجين، وأنتجت أفلاما خالدة جسدت التاريخ بكل أبعاده.

بوسعادة قد تكون شعارا يكسر طوق الأسى والألم الذي يُخيم على رُبى الوطن العربي ليُمسي في كل قُطر عربي بوسعادة بها فنان يُجسد آمالها ويشرح آلامها لتظل تتصل بعقد متين يُجسر العلاقة فيما بينها. مسئولية العلماء والمفكرين والفنانين والمهنيين وذوي الاختصاص العرب مسئولية تضامنية، لا يمكن التخلي عنها لانتشال الواقع العربي المتعثر، والقفز به إلى عالم يليق بتاريخ أمة قادت أممًا، وأسست حضارة شواهدها خالدة تالدة، لا يمكن تجاوزها ليبقى عهد الوطن العربي يتجدد مع مزيد من التقدير والاحترام. 

  • خبير استراتيجى ورئيس مكتب المعرفة العربية السعودى للاستشارات