رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا أغضب ابنة نجيب محفوظ؟

هدى ابنة الكاتب العظيم نجيب محفوظ، الشهيرة بأم كلثوم، زعلانة مما قلته عن والدها، الروائى الكبير، فى برنامج «أطياف» الذى تعده وتقدمه د. صفاء النجار الأديبة والإعلامية المعروفة. البرنامج الذى أطل علينا منذ نوفمبر العام الماضى وأثار العديد من القضايا الثقافية المهمة فى لقاءات وحوارات مع الشاعر الكبير أحمد حجازى، ود. حسين حمودة الناقد المعروف، وخالد داغر رئيس دار الأوبرا وغيرهم من أهل الثقافة والفكر. أعربت أم كلثوم عن غضبها فى حوار مع الأستاذ محمود مطر بالعدد الأخير من مجلة الإذاعة والتليفزيون الصادر ١٥ مايو. ويقول أستاذ مطر إنه اتصل بها فشعر بمسحة حزن بل وغضب، وحين استفسر منها فقالت له إنها كانت تشاهد برنامج أطياف فسمعت أحمد الخميسى يتحدث للدكتورة صفاء النجار عن والدها نجيب محفوظ، وفى حديثه: «تحامل على أبى بشكل صارخ»، وقال إنه «حضر ندوات نجيب محفوظ فى كازينو أوبرا طوال عام ونصف العام لم يسمعه خلال هذه المدة يقول كلمة مفيدة للشباب». وأضافت أم كلثوم: «ومن المؤسف أن يسىء الخميسى إلى نجيب محفوظ ويصفه بما ليس فيه». 

وبداية أود أن أؤكد للأستاذة أم كلثوم ابنة أديبنا العظيم احترامى الكامل ومحبتى غير المحدودة للأستاذ، أما حديثى فكان عن الطابع الشخصى للأديب الكبير من دون أن يمس ذلك بأى درجة وضعه كأديب مصرى عالمى. ونظرًا لأن د. صفاء النجار أديبة أساسًا ثم إعلامية فإنها خلال حديثنا دققت وجهة الكلام بقولها: «بالطبع نحن لا نتحدث هنا عن الأديب لكن عن سمات شخصيته»، وأمنت على ملاحظتها. 

كان حديثى عن سمات شخصية أوجزتها بقولى إن أديبنا الكبير كان أشبه بالهرم العظيم المغلق على أسراره. وهذه حقيقة لا تمس قدره لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك عاش يتفادى الدخول فى معارك صغيرة، ويتجنب أن يفتح على نفسه أبوابًا كثيرة قد يقود إليها تشجيعه للبعض من دون البعض. 

نعم لم أسمع منه كلمة مفيدة للشباب، وهذا سلوك فى إطار حمايته لوقته، وتفرغه للإبداع، ولم يكن وحده من بين العباقرة من حمى نفسه بهذه الوسيلة، أما أنه أفاد الأدباء الشبان فقد أفادهم إلى ما لا نهاية بأعماله ذاتها. وقد يجدر بى أن أُذكر الأستاذة أم كلثوم أننى- وليست هى- من دافع عن الأستاذ حينما حصل على نوبل، وثارت الأقاويل بأنه حصل عليها لقاء موقف سياسى. ونفيت ذلك جملة وتفصيلًا فى كتابى «نجيب محفوظ فى مرآة الاستشراق السوفيتى» الصادر ١٩٨٩، نشرته مجانًا، وجمعت فيه كل ما كتب عنه فى الاتحاد السوفيتى، وقلت فى الكتاب بالنص: «ولنهنأ نحن أيضًا بأستاذنا وأديبنا الذى غمرنا ببهجة ترجرجت أمواجها من المحيط إلى الخليج»، وأن الجائزة «ليست هدية سياسية لأديبنا عن موقف يريد لنا البعض أن نضغط الأديب بداخله.. وأن نجيب محفوظ لم يسع إلى الجائزة لكنها هى التى مشت إلى عليائه». 

ولطالما دافعت عنه وحتى عن رؤيته لقضية السلام وكررت أنه لم يتاجر بموقفه ذلك، ولم يتربح منه، لكنه كان موقفه الفكرى بالفعل الذى شاركه فيه توفيق الحكيم وحسين فوزى وآخرون من الرواد. ولا يمكن بكل محبتى هذه أن أسىء إلى الأديب الكبير الذى أسعدنى زمانى بأن ألتقى به مع محبتى لشخصه النادر الذى لم يتوقف عن الإبداع والتأمل وإسعاد الثقافة والفن بأعماله.