رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جيوب منتفخة وقلوب فارغة

 معظم البيوت فى العالم، غير سعيدة. أغلب البشر، يستهلكون بانتظام مضادات الاكتئاب، وعلاجات الأرق، وتهدئة العنف، والوساوس القهرية، والأفكار الانتحارية، وأقراص لتنشيط هرمونات السعادة، والأمان، واستعادة طاقة الجسد المنهك دون مبرر واضح، أو منطقى، أكثر مما يستهلكون القهوة، والشاى، والعصائر، والزهور، والضحك، والنوم الآمن الهادئ.
   لست مندهشة، فالحضارة العالمية التى تحكم كوكب الأرض، فاشلة، لأنها فى تناقض جوهرى، مع "حقوق الانسان"، و"الإنسان" المقصود هنا، هو الغالبية العظمى من النساء، والرجال، والأطفال، والمهمشين، والمهاجرين، والأقليات، والملونين، وضحايا الإرهاب الدينى، وضحايا الفقر، والأحوال البيئية المتدهورة، وعدم العدالة فى توزيع الموارد، والحقوق والامتيازات، وضحايا الفنون الرديئة، والفساد، و"بيزنس" سرقة الكرامة، والأعضاء، وتفشى النعرات العنصرية، والذكورية، وتراجع سقف حريات التعبير والإبداع، والحريات الشخصية، تحت أسماء براقة مضللة.
   غالبية عظمى بالملايين، لا يملكون إلا أجسادهم المنهكة فى مهانة البطالة، أو تحت عجلات الإنتاج الرأسمالى الشرس، وعقولهم المغسولة بإعلام ، يبيع لهم وهم الحرية، ولا يعبد إلا تراكم رأس المال، وتكدس الأرباح، وعرى النساء، وسلطة الرجال.
   علمنا التاريخ، أن اللصوص، والنصابين، والمحتالين، والمرتزقة، والقوادين، والفاسدين، والجواسيس، والكاذبين، وتجار الأديان، وسماسرة الأوطان، والقتلة، هم أبرع الناس، فى الكلام عن الأمانة، والشرف، والصدق، والنزاهة، والعفة، والفضيلة، والعدالة، والحرية، وكرامة وحقوق الإنسان.
كيف لا نمرض، ومن أين تأتى السعادة، والعالم كله مؤسس على مبدأ، أن الفلوس أهم من الإنسان، الفقير لا يجد أحدًا يحترمه، ولا يعمل له أى حساب على الإطلاق. بينما اللى معاه فلوس، متشال من على الأرض شيل، يتعمل له مليون حساب، لا يهم على الإطلاق، من أين جاءت الفلوس، الغنى له كل شىء، والفقير، ليس لديه، إلا الدعاء إلى الله.
   أين ذهبت الأخبار التى تنعش القلب، وتجدد سريان الطاقة، فى نفوسنا وأجسادنا، تساعدنا على النوم، بدون أقراص منومة، وتضبط كيمياء المخ، دون تدخل من الخارج؟
    مجبرون، ومجبرات، على الاستمرار فى عالم، فيه "الدم"، آلية ضرورية من آليات وجوده، ورسوخه.
     نتطلع إلى مستقبل، لا يؤرخه البطش، والنهب، وسلب ثروات الشعوب، وقتل أرواح البشر، من أجل رفاهية "قلة"، لا تشبع، متمدينة الملامح، همجية السلوك، قلة من البشر، رأس المال لديها أهم من رأس الإنسان، وصوت دوران ماكينات الأسلحة، أجمل وأهم وأرقى، من صوت أوتار الكمان، وهمسات العشق.
حضارة تمرضنا بالاكتئاب، ثم تنتج لنا مضادات الاكتئاب، لتمتص أموالنا، كما امتصت صحتنا، وسعادتنا، هى مجبرة، لأنها بدون تكاثر ضحاياها، لن تستمر فى البقاء .
أليس من حقنا، نحن- مواطنى ومواطنات الأرض- أن نعلن احتجاجنا على قوانين هذا الكوكب؟

 قوانين تصر على أن تجردنا من إنسانيتنا، تصر على أن تفقدنا الأمل في عالم بديل، تصر على أن تضعف مناعتنا، لكى نتحول إلى آلات، أو صفقات استثمارية، أو وجوه لا ملامح لهم.. لا حلم لهم.. لا رأي لهم .. لا موقف لهم.. لا سند لهم. 
   قلة جيوبهم منتفخة، ويحتكمون على أرصدة بنكية متضخمة، مرضى بحمى الاستهلاك والامتلاك، لكن قلوبهم فارغة.
   قوانين وضعها بشر مثلنا، وإذا كانت قوانين من صنع البشر، لماذا لا تتغير؟ لماذا هي راسخة، على قلوبنا تصيبنا بالذبحة الإنسانية، المزمنة، لا شفاء منها، لا فكاك منها، تسبب لنا تصلب شرايين الحرية، وتجلط ممرات العدالة، إذا كانت قوانين، من صنع البشر الذين يموتون، لماذا هي خالدة، وتبدو لا عمر لها، مثل الشمس، والجبال والبحار؟
 السؤال هو كيف، ننسى هذا العالم المقلوب؟ كيف، نفهم الخيوط الأساسية التي تربطنا بجوهر بالحياة؟  وكيف، نأتي بالقوة للاستمرار، على كوكب، أصبح مرهقاً، على الحالمين والحالمات بالعدل، والجمال، والحرية؟
  "الحرية"، تلك الكلمة البديعة، التى شغلت الفلاسفة، والمتمردين المبدعين من النساء والرجال، على مدى العصور.
"الحرية"، هى كل شىء، وبدونها لا معنى لأى شىء. هى الدواء، والغاية، والصحة، والسعادة. هى البدء، وهى المنتهى.
  أتذكر، عندما عاد جورج برنارد شو،  26 يوليو 1856- 2 نوفمبر 1950، من زيارته لأمريكا، سُئل عن رأيه، فى تمثال الحرية، فقال:
"الناس عادة ما يصنعون التماثيل للأموات". 
--------------------------------------------------------------------------- 
من بستان قصائدى 
-------------------------
لو تغير مزاجك أى يوم 
كما يفعل البحر كل يوم 
سوف تجدنى كما تركتنى 
امرأة حمقاء 
لا تكترث بكل الأشياء 
لا يعنيها تقلبات الطقس 
لا يهمها الحروب الباردة والساخنة 
لا تبالى بآراء وأحكام الناس
االنساء والرجال 
الأموات منهم والأحياء 
لو أى يوم قررت الرجوع 
ستجدنى كما أنا 
متوترة دون سبب للتوتر 
موت يناجى الكفن المبكر
فضيحة لا تشتهى التستر
اذا أردت أن تكون "جنتلمان" 
تغفر إساءتى فى لحظة جنون 
نرقص معا على إيقاعات الحنين
نرتشف الشاى على ضوء الشموع 
إذا اشتقت إلى دموعى وضحكاتى 
إلى هدوئى وصخبى 
كلامى وصمتى 
سأنتظرك ليلة الأحد 
كما كنت دائمًا 
ابنة الشمس 
وتوأم القمر 
لا تهاتفنى ... نعم فاجئنى 
هداياك الحميمة وأنا نناديك 
بعشم الوفاء
إذا جئتنى سأهمس لقلبك سرا 
أنك ورغما عنى حياتى ومماتى.