رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرارات المجلس الأعلى للاستثمار وإعادة القوة التنافسية للاقتصاد المصرى

تواجه معظم الدول عبر مراحل نموها التاريخية، بعض الأزمات أو الصدمات، مثل صدمة جائحة كورونا، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، مثل تلك الأزمات دائمًا ما تترك تداعياتها السلبية على كافة مناحى الحياة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، بل قد تعوق مسيرة خطط التنمية الاقتصادية، ولذلك تلجأ معظم الدول إلى استكمال خططها الاقتصادية، ببرامج لإعادة الهيكلة واكتشاف الثغرات وتصحيح الخلل الذي ينتج عن تلك الصدمات. 
ومصر بعد التنفيذ الناجح لبرنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى (2016/2019)، بذلت وما زالت تبذل جهودًا مضنية لاحتواء تداعيات تلك الصدمات، التى أفرزت آثارًا سلبية على معظم مؤشرات اقتصادها القومى، واستمرت فى جهودها رغم الظروف العالمية غير المواتية، فى محاولة للخروج من تلك الأزمات التى فُرضت عليها بأقل خسائر ممكنة، وأيضًا معالجة مناطق الضعف وتطوير مراكز القوة، وتوفير كل الفرص والوسائل والحوافز لزيادة عجلة النمو الاقتصادي، حتى تنعكس على المواطنين فى زيادة الإنتاج وخفض البطالة وزيادة الدخول الحقيقية. 
ومن هنا جاءت قرارات المجلس الأعلى للاستثمار، المنعقد بتاريخ 16/5/2023 برئاسة رئيس الجمهورية، والتى بلغت 22 قرارًا، كانت فى تصورى، بمثابة دفعة عملية على أرض الواقع لتحقيق عملية إعادة الهيكلة، خاصة فى جانب تطوير القوة التنافسية للاقتصاد المصرى، عبر تحسين وتطوير مناخ الاستثمار ليكون أكثر جذبًا للاستثمارات. 
لقد صدرت قرارات المجلس الأعلى للاستثمار فى الوقت المناسب والذى تسعى فيه الدولة لزيادة فرص الاستثمار المباشر وغير المباشر، وترابطت تلك القرارات لتنسج ما يشبه البنية الأساسية لحلول فورية لمشاكل كانت تعوق المستثمرين، حلول قابلة للتطبيق والمتابعة والقياس النوعى والكمى، لقد جاءت تلك القرارات لتؤكد تصميم الدولة على تغيير المناخ الاستثماري وجعله أكثر جذبًا للمستثمرين المحليين والأجانب والتى إذا ما تم النجاح فى تفعيلها على أرض الواقع سوف تنتج عنها طفرة حقيقية فى جذب وتعزيز الاستثمار، بل وثورة على الروتين القائم أمام الاستثمار الخاص. إن القرارات واضحة تمامًا، وشارحة لنفسها، لكن سأحاول من جانبى سرد أهم تلك القرارات عبر تصنيفها تحت ثلاثة أهداف أو مجموعات دون التقيد بترتيب ورودها فى البيانات المنشورة: 
أولًا: فتح مجالات نمو جديدة لأنشطة الاستثمار من أجل تطوير القوة التنافسية للاقتصاد القومى وتحقيق الديناميكية فى بيئة الاستثمار والأعمال،  عبر تيسير مزاولة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، والنظر فى عدم قصرها على الشركات التى تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية فقط، مع جواز منحها للشركات المنشأة قبل قانون الاستثمار لعام 2017، وإيجاد حلول للمشكلات التى تعوق تدفق الاستثمارات الأجنبية وذلك عن طريق تسهيل تملك الأجانب للعقارات وإعداد مجموعة من التعديلات التشريعية اللازمة للتغلب على القيود المتعلقة بتملك الأراضى والسماح بعمل مقاصة بين مستحقات المستثمرين والضرائب، والسماح بقيد المستثمر الأجنبي بسجل المستوردين حتى وإن لم يحمل الجنسية المصرية وذلك لمدة عشر سنوات، وفى تصورى أن تلك الميزة الأخيرة وحدها، سوف تدفع نشاط التجارة الخارجية عبر المستثمرين الأجانب عددًا وقيمة، كما سوف تتم الموافقة على مشروع قرار بألا يجوز لأى جهة إصدار قرارات تنظيمية عامة تضيف أى أعباء مالية أو إجرائية، إلا بعد  أخذ رأى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار وموافقة مجلس الوزراء، وأيضًا وهو أمر هام ضمان حرية وحق وإمكانية تحويل أرباح المستثمرين إلى مراكزهم الرئيسية بالخارج وفقًا لرغبتهم، مثل تلك القرارات سوف تساعد بقوة على بناء علاقة قوية بين أجهزة الدولة والمستثمرين، تقوم على الثقة المتبادلة وعدم تعارض المصالح، وسوف تدعم تدفقات النقد الأجنبى القادمة من الخارج للاستثمار الأجنبى المباشر بشكل خاص. 
ثانيًا: إزالة التضارب فى القوانين والإجراءات التشريعية والتجارية والضرائبية، عن طريق تخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية، والإسراع في الإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية للدولة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يحقق المصداقية في رؤى المستثمرين لنتائج دراسات الجدوى التى يقومون بإعدادها قبل اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، ودفع الاستثمارات فى المشروعات الإنتاجية والسماح بالترخيص للصناعات القائمة على الغاز الطبيعي كأحد مدخلات الإنتاج للعمل بنظام المناطق الحرة، وأيضًا تحديد مدى زمنى لكافة الموافقات بعشرة أيام عمل ولمرة واحدة عند التأسيس، كل تلك القرارات سوف تقوى من مركز مصر التنافسى وترفع من جاذبيتها في عيون المستثمرين، وهو ما يحقق زيادة فرص وصفقات التصدير وزيادة مصادر تدفقات النقد الأجنبى، الأمر الذى في النهاية سوف ينعكس إيجابيًا على استقرار سعر صرف الجنيه المصرى، ويحسن من تصنيف مصر السيادى لدى مؤسسات التصنيف الدولية، الأمر الذى يساعدنا على إمكانية الولوج إلى أسواق المال العالمية للتسويق لإصداراتنا من السندات الدولية بأسعار عادلة ومعقولة. 
ثالثًا: تأكيد التزام الدولة بدعم القطاع الخاص وبلورة الدور الاستراتيجى لأنشطة الصناعة والزراعة للأمن الاقتصادى القومى، واعتماد حزمة من الحوافز دعمًا للمشروعات الصناعية والزراعية والطاقة، خاصة إنتاج الهيدروجين الأخضر، إلى جانب التيسيرات اللازمة لنشاط المطورين العقاريين وقطاع السياحة الذي تم مد مظلة مبادرة تمويل الصناعة والزراعة 11% إليه، إن تحقيق هذا الهدف يتطلب الحرص على إصدار حزمة من القرارات المهمة، التى تستهدف تعزيز الحوكمة والشفافية والحياد التنافسي فى الأسواق المصرية، عن طريق تعديل المواد التى تمنح معاملة تفضيلية لشركات الدولة، وتوحيد أطر العمل لكافة الشركات المملوكة لها،  مع  إنشاء  وحدة بمجلس الوزراء تتولى جمع بيانات الشركات المملوكة للدولة وتكون قراراتها ملزمة بإعادة الهيكلة سواء بالبيع أو نقل التبعية، ودراسة نقل تبعية الأجهزة المُنظمة بقطاعات المرافق بما يضمن استقلاليتها بهدف تعزيز الفصل بين الملكية والإدارة في عدد من قطاعات الدولة.
إن تلك القرارات التى صدرت عن المجلس الأعلى للاستثمار والتى لم تسمح سطور المقال إلا ذكر أهمها، من المؤكد أنها سوف تجد طريقها للتنفيذ وتتحول إلى سياسات وإجراءات قابلة للتحكم والمتابعة والقياس. 
وفى هذا الخصوص أقترح أن تكون هناك وحدة معينة متخصصة تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، تتفرع مهمتها إلى ثلاث مهام رئيسية:
أولاها: التأكد من تحويل  تلك القرارات إلى سياسات وإجراءات. 
ثانيتها: التأكد من أن تلك السياسات والإجراءات قد تم استلامها من قِبل كل الوحدات التنفيذية على مستوى الدولة، والتأكد من إزالة أى مظاهر بيروقراطية قد تقتل فاعلية القرارات في مهدها، ولن يتأتي ذلك إلا بإتمام برنامج تدريب مكثف لكافة المتعاملين مع المستثمرين، لفهم واستيعاب مضمون ومتطلبات وأهمية تلك القرارات.   
ثالثتها: استخدام تطبيقات إلكترونية قائمة على تكنولوجيا المعلومات  ونظام للقياس المتوازن Balanced scorecard لقياس أداء الموظفين (نوعًا وكمًا)، ومتابعة تنفيذ تلك القرارات الهامة على أرض الواقع  وأيضًا يستخدم لقياس رضا المستثمرين والموظفين على حد سواء بشكل علمى واستباقى واتخاذ الحلول التصحيحية. إن نظام القياس المتوازن، هو أحد التطبيقات التى سبق استخدامها فى مؤسسات ومنظمات كبرى في العالم  وأيضًا فى الحكومات ووحدات الحكم المحلى فى الدول المتقدمة والنامية، ونجحت فى المساعدة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية.