رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحيل رجل نادر

«الرجال العظام ينالون الخلود الذاتى بعد رحيلهم عن الدنيا ويبقى تكريم الأجيال المتلاحقة لهم».. كلمات الفيلسوف الفرنسى «أوجست كونت»، فى إشارة إلى تكريم من أثروا الحياة بأعمالهم بعد رحيلهم، تتبارى الأقلام بالبكاء والنحيب واجترار مواقفهم بما قدموه لنا، أو نقول لهؤلاء: «مت كى نكرمك ونحتفل برحيلك».

هكذا دأبنا مع من يرحلون قبل أن نقول لهم شكرًا كنا سعداء بوجودكم فى حياتنا.. نحن أمام حالة استثنائية قدمت ما لديها من إخلاص وتفان وعمل جاد لخدمة وطننا الحبيب.. د. تيسير عبدالفتاح نموذج الموظف العام الذى يُحتذى به، ومثال للنزاهة والشرف باعتراف كل القيادات المتعاقبة لمحافظة الجيزة. بدأ حياته العملية كأصغر رئيس لوحدة قروية حاصل على المركز الأول على مدار ٤ أعوام كأفضل رئيس وحدة محلية، وهى قرية «منديشة» إحدى قرى الواحات البحرية.

لفت انتباه القيادات التى رأت فيه مثالًا لرجل الإدارة المحلية، الذى لا يعرف الراحة أو الكلل، المقيد فى مكتبه بعدد محدد من ساعات العمل. وضعوه فى تحديات لصالح المهمة الملقاة على كتفه، فاجتازها بنجاح واقتدار.

فمن رئيس وحدة محلية لرئيس مدينة بالجيزة. ومن رئيس لمركز الواحات البحرية، لحى جنوب الجيزة، ثم رئيسًا لحى الهرم وصولًا إلى رئيس مدينة الجيزة والمشرف العام على الأحياء.. صعد سلم نجاحه المتفانى.

كان الرجل وجهة ناجحة للعمل الميدانى بعيدًا عن تكييف المكاتب.. ومثالًا للقيادة الشعبية التنفيذية النزيهة، فحظى بتكريم محافظى الجيزة، واعتبره اللواء أحمد راشد، المحافظ الحالى، بمثابة الابن، فأصر على تكريم اسم د. تيسير ضمن التكريمات المستحقة لقيادات الجيزة كل فى موقعه، إيمانًا منه بعطاء وإخلاص من يستحق التكريم، وهى لفتة تستحق التقدير.

استيقظ أهالى الواحات البحرية، الجمعة الماضى، على خبر وفاة ابنهم البار بعد عناء مع المرض، ترجل للآخرة من كان خط الدفاع الأول عن حقوق أهالى الواحات، رغم أنه لم يبتعد عنهم فى أى منصب تقلده، كان الملاذ لكل من له شكوى أو مظلمة، لو أن مريضًا بحاجة لمساعدة طبية فى أحد مستشفيات القاهرة أو الجيزة بادر «تيسير» بإجراءات دخول المريض المستشفى وعلاجه ومباشرته إلى أن يكتب الله له الشفاء.

كان بين الأهالى فى كل أفراحهم وأحزانهم، يتذكرون له إنجازاته التى تحققت، وقراراته التى اتخذها أثناء توليه منصب رئيس مركز الواحات البحرية، وحرصه الدائم أن تكون مدينته حاضرة بين مراكز وأقسام الجيزة، ولم ينس له الأهل قراراته فى حل الأزمات التى تواجه المحاصيل والأشجار، خاصة أمراض النخيل وحمايتها، مشاكل المياه الجوفية، تخصيص منطقة صناعية لإقامة المشروعات الصناعية بما تمتلكه الواحات من موارد طبيعية، مساهمته فى الانتهاء من عملية رصف طريق الواحات القاهرة، إدراج الواحات ضمن مشروع «حياة كريمة». 

لم تكن الحياة وردية فى مجملها، فقد تعرض فى حياته رغم معاناة مرضه، لهجوم كبير من الجماعة الإرهابية، لأنه لم يعط لهم أى فرصة للتمدد فى أى مساحة تحت اختصاصه.

رحل عن دنيانا رجلٌ استحق لمسة وفاء من القيادات التنفيذية ومن أهله.. ويبقى أن يتوج التكريم، بناءً على رغبة أهالى الواحات، بأن يطلق اسمه على أحد ميادين الواحات البحرية؛ حتى يتسنى للأجيال القادمة أن تتذكر نموذجًا وطنيًا محبًا مخلصًا لبلده ومسقط رأسه، وأن يكون قدوة يتذكرها الجميع.

لقد حظى «تيسير عبدالفتاح» بتكريمات كثيرة فى حياته، وبقى تكريمه الأخير بما يستحق.