رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القفزة الجريئة

مصر دائمًا رائدة، ودائمًا مبادرة تصنع النموذج والقدوة. 
لماذا حتى الآن لم تحذف خانة الديانة؟؟ لو بادرت مصر وحذفت هذه الخانة المعيبة سوف تعيد صناعة التاريخ والفكر والثقافة، وسوف تبرهن على أنها الزهرة اليانعة فى منطقتها. تلك المنطقة البائسة التى تشهد كل يوم القتل والخراب والتدمير، بسبب التعصب الدينى والتطرف الطائفى، وربما أيضًا على مستوى العالم، الذى لم يفلت من السرطان الإرهابى الممتد عبر الحدود الإقليمية والدولية. 
لقد نجحت مصر فى محاصرة البؤر الإرهابية وإبادة الأوكار المستخدمة فى تصنيع السلاح وإعداد خطط القتل والتفجيرات وإطلاق حرب لا هوادة فيها ضد جيوش الدولة الدينية، وفى هذه الحرب فقدت مصر الكثير من الشهداء الذين ماتوا من أجل أن نحيا نحن، وراحوا من أجل أن نبقى نحن، ووقفوا يتلقون فى صدورهم وقلوبهم القنابل والرصاص والذبح، حتى ينام الوطن فى أمان وسلام واطمئنان. 
لكن الإرهاب الدينى، كأفكار وثقافة وتحيزات وجدانية وموروثات سلفية وميول نفسية، ما زال حيًا فى النفوس، يتكاثر ويتناسل كما يشاء. 
ومن المؤسف أن الكثير من مقررات التعليم ومواد الإعلام والمشايخ والفقهاء وخطباء المساجد والجوامع والعلماء المتخصصين فى علوم الشريعة وأصحاب بيزنس الفتاوى، هى قنوات فاعلة لترسخ التطرف الدينى والتمييز الدينى والتعصب الدينى. 
ولا ننسى الكتب الدينية التى تنتشر على الأرصفة وبأسعار رخيصة متاحة للجميع، كلها قنابل إرهابية موقوتة تغذى التزمت الدينى، وتشعل الاختلافات الطائفية، وتصحى الفتن المذهبية النائمة، وتحرك الاستعلاء الدينى الساكن. 
«الدين لله».. «الدين لا يُسيس».. «الدين علاقة شخصية بين الإنسان والرب الذى يعبده».. «لا إكراه فى الدين».. «لا أفضلية للدين».. كل هذه المعانى النبيلة الراقية لن تتحقق إلا بحذف خانة الديانة من جميع الأوراق الرسمية التى نتعامل بها فى علاقتنا بالمجتمع وبالآخرين. 
حذف خانة الديانة هو «كلمة السر» التى تفتح لنا دروب النهضة والتقدم والسلام. حذف خانة الديانة هو صلب المواطنة والعدالة وإلغاء التمييز بسبب عقائد ورثناها. 
هناك قضايا لن تُحل وعلاجها الناجز هو حذف خانة الديانة لإيقاف التعصب من جذوره الفكرية والعقائدية.     
الجيوش الإرهابية المتكاثرة حولنا وفى كل مكان لن تختفى فى يوم ليلة، لكن على الأقل سوف ننزع منها الورقة التى تلعب بها، وتؤسس عليها أنشطتها. 
لقد حان الوقت لكى نخطو خطوة فارقة تصدم المتكسبين بالدين. لم لا نتخلى عن الحلول المظهرية، والعلاج بالمسكنات المؤقتة، لم لا نستخدم مشرط الجراحة الذى يبتر القدم الممتلئة بالديدان ويتخلص من العضو الفاسد ويستأصل الجذر المسمم مرة واحدة وإلى الأبد؟ 
كلنا ننادى بضرورة تجديد الخطاب الدينى منذ 2014، ولم يحدث شىء. سوف يكون حذف خيانة الديانة أكبر تجديد للخطاب الدينى.
نريد أن نرى مصر وطنًا للورود والأزهار والفراشات  والطيور المغردة، وليست مكانًا للخفافيش والغربان.
فى الحرب ضد الإرهاب كأفكار ليست هناك حلول وسط، ولا ينفع الكلام المزوق، ولا ربع ولا نصف الحقيقة. كوكب الأرض غارق فى بحور الدم بسبب النعرات الدينية والأديان الموروثة. ألم يحن الوقت لكى نجفف هذا النزيف اليومى؟
بعض الناس يرون أن حذف خانة الديانة سوف يُحدث «لخبطة» و«بلبلة» و«مشاكل» و«تعقيدات» نحن فى غنى عنها. وأنا أسألهم أليست بحور الدم هى أكبر لخبطة وبلبلة ومشاكل وتعقيدات؟  حتى لو حدثت بعض المشكلات فهى تافهة مقارنة بنزيف الدم، وأى تقدم  له ثمن لا بد أن ندفعه.  
لو فعلتها مصر الرائدة دائمًا، والتى فى 30 يونيو 2013 أثبتت أنها لا تقبل الاستبداد الدينى، ولا تنطلى عليها الألاعيب والحيل الخادعة التى تهدف إلى حكم إسلامى إخوانى وسلفى، ذكورى،  يقسم الوطن ويبيعه بالجملة والقطاعى لمنْ يملك الثمن، ولمنْ يزدهر وجوده على جثث الشعوب. 
لو فعلتها مصر ستكون هى فعلًا وحقًا «مصر»، أول وأعرق حضارة صنعت العجائب، والتى تحلم بمستقبل جدير بها. 
من بستان قصائدى 
------------------ 
                                                                     
بداخلى امرأة غريبة الأطوار 
تصحو بالليل وتنام بالنهار 
لا يؤرقها تقلبات الطقس 
لا تهمها نشرات الأخبار  
ظل رجل لا يعنيها 
تفضل عنه ظل الجدار 
تنحت فى الصخر ملامحها 
تشق طريقها كما الأنهار 
تسكن أعلى ناطحة سحاب
طوابق من القصص والأشعار 
تسخر من ملذات البشر 
كما الشمس مشرقة الأسرار 
تفلسف بحكمتها عبثية الأقدار 
ترقص وتغنى إيقاعات المحال 
تعيش على حافة الخطر
تموت واقفة كما الأشجار.